مسار فلسطيني من بيت جالا وصولاً إلى عين الهوية
المسارات الفلسطينية تتواصل كاشفة مكامن فلسطين بغناها، وجمالها، وتراثها، وتاريخها الغني، ومن المسارات جديد "أمشي.. تعرّف على بلدك" من بيت جالا حتى عين الهوية، مروراً بمواقع ومعالم جديدة ومتنوعة.
مسار جديد اخترناه بعد عزلة فرضتها ظروف انتشار "الكورونا"، انطلاقاً من مدينة بيت جالا، وصولاً إلى "عين الهوية"، مسافة تحتاج لمسير يوم كامل، يعبر الانسان فيه عدة مواقع طبيعية، وبلدات، ومعالم طبيعية وبيئية وأثرية.
نلتقي في مدينة "بيت جالا" في محافظة بيت لحم ، فينضم إلينا دليلنا جورج منصور، ونتابع بطريقٍ ترابيةٍ تحوطها من الجانبين أشجار الزيتون الذي يطلق عليه اسم زيت الزيتون البجالي (نسبة إلى بيت جالا)، ويعتبر من أفضل، وأغلى زيت زيتون في فلسطين.
نواصل السير، ونبدأ بالانحدار بين أشجار السنديان، والزيتون، والسريس باتجاه وادي "المخرور" الواقع في أراضي بلدة "بتير"، ونمر بأراض تم تصوينها بسلاسل حجرية بطريقة متقنة، ونصادف صخوراً عظيمة منفردة في أرض الوادي، يبلغ ارتفاع إحداها10 أمتار، بقطر 6 أمتار، محفورة من الداخل، ويبدو أنها كانت تستخدم في زمن الرومان كمقابر لأن الفتحة المؤدية إليها، والتي تقع في منتصفها السفلي، تبلغ حوالى 40*50 سم، وهي عالية.
بعد استراحة قصيرة، نتابع المسير في الطريق الترابية بين أشجار حرجية تطل على غابات مترامية رائعة يميناً ويساراً، إلى أن نصل حقلاً مزروعاً بالسفرجل، والرمان، وكروم العنب من مختلف الأنواع والاشكال، وقطوف العنب تتدلى، وتلمع مع اشعة الشمس.
نتجه باتجاه الشارع الرئيسي المحاذي لخط سكة الحديد التي أنشأها العثمانيون في بداية القرن الماضي ليصل القدس بيافا، كوسيلة لنقل المسافرين، والبضائع والذي أصبح حداً فاصلاً بعد نكبة عام 48.
أسفل السكة الحديد، تلفت عبارة على جدار: "اذكر يوماً كنت في يافا".
وعلى الجدار الآخر رسم لفوهة بندقية كلاشنيكوف موجهة إلى الغرب، تؤكد بأن أرضنا مغتصبة، ولن تحررها إلاّ البندقية.
إلى عين "جامع" من عيون "بتير"، نمشي حوالى ساعة، وبموازاتنا قنوات المياه الضخمة التي يسرق الاحتلال بواسطتها مياهنا، وصولاً إلى طريق ترابية نرى منها بلدة "بتير"، وسهولها المزروعة بالخضر المختلفة. نزولاً فصعوداً ثانية في طريق دائرية باتجاه عين "جامع"، مياهها عذبة، تصب في بركة رومانية مربّعة الشكل، لكنها مهملة، وتكثر فيها الطحالب، والنفايات، يستخدم المزارعون مياهها لريّ مزروعاتهم.
نجدّ السير وسط أشجار الزيتون والتين، نصعد السلاسل، ونمشي فوق قنوات الري حتى نصل إلى عين "الهوية"، وصولاً إلى صعود الدرجات المؤدية إليها لتنفتح على فضاء رحبٍ ومنظرٍ بديعٍ أخّاذ.
بعد عبور 16 كيلومتراً مشياً على الاقدام من مدينة بيت جالا، مروراً بوادي المخرور في أراضي "بتير"، يصل فريقنا إلى عين "الهوية" في بلدة حوسان.
خرير ماء يخرج من جوف الجبل من تكوين صخري، ويتدفق الماء العذب منساباً من نفق في الصخر، ليتجمّع في بركة تستخدم للسباحة صيفاً، ولريّ البساتين المحيطة.
يدخل الفريق النفق الصخري في عين "الهوية"، بلوغاً لكهف مظلم تنساب المياه منه، وتتساقط قطراتها بغزارة على الصخر، الذي تكوّنت عليه الرسوبات الكلسية في سقف المغارة هابطة، وأخرى صاعدة من الأرض، وقد تكوّنت عبر آلاف السنين لتحاكي الكثير من المغاور، خصوصا شقيقتها مغارة جعيتا في لبنان.
تقع حوسان في محافظة بيت لحم وإلى جنوب القدس، وعين "الهوية" فيها يعدّ أشهر عيون البلدة الـ 20.
يذكر أن العين سُجلّت عام 2014 ضمن لائحة التراث العالمي، من قبل منظمة "اليونسكو" ضمن ملف ترشيح بلدة "بتير" المجاورة لقرية "حوسان".
لم يمضِ وقت طويل علينا ونحن في العين، حتى وفد المستعمرون برفقة عناصر من جيش الاحتلال، ليحرموا أهل الأرض الحقيقيين من التنعّم بخيراتها وجمالها.
ينتهى مسارنا الرائع، ولا شك أن العودة للمسارات في زمن "كورونا" أصبح ملّحاً بعد طول الانقطاع، مع مراعاة كافة تدابير السلامة العامة.
وفي السياق، نسجّل مناشدة للبلديات، والمجالس القروية التي تشرف على هذه العيون أن تحافظ عليها، وعلى نظافتها، وان تعيّن موظفين لمهمة النظافة لأن هذه الأماكن السياحية، ستدّر دخلاً عليها، وستعزز السياحة الداخلية، والانتماء للوطن.
أما بلدة "بتير"، فتقع على بعد 8 كيلومترات جنوب غرب مدينة القدس، وتعلو 70 متراً عن سطح البحر، وربما كان إسمها مأخوذا من "بت" و "تيرا" أي بيت الطير.
يضيف حسين لوباني في "معجم أسماء المدن والقرى الفلسطينية"، أن التسمية قد تكون "بت تيارا"، وتعني الحظيرة أو مربض الغنم. أو قد يكون من "بتر" الجذر السامي، ومعناه قطع، أو فصل. وقد عرف الرومان القرية باسم "بث ثير".
تحيط بالبلدة أراضي قرى الولجة، بيت جالا، حوسان، القبو، والخضر، وقد أقام الاحتلال الإسرائيلي مستوطنة اسمها "ميفو بيتار" قرب "بتير" عام 1950.