دير القاسي: بيوت ونقوش وزخارف تنطق بحق العودة
دير القاسي بلدة فلسطينية دمرها الاحتلال سنة 1948 وما تزال بعض منازل فيها، وبقايا زخارف وونقوش تؤكد أنها ما تزال حية، وفيها حق العودة لأبنائها الذين هجروا جميعا منها إلى لبنان على بعد خمسة كيلومترات.
دمرها المستوطنون الوافدون إلى فلسطين عام 1948، وأقاموا على أراضيها عدة مستعمرات منها "إلقوش" عام 1949، و"نطوعا" عام 1966، و"متات" عام 1979، و"أبيريم" عام 1980. غالبية ساكنيها هم من يهود اليمن، وأكراد.
-
أحد بيوت البلدة المهجورة
أحد أبنائها من الجيل الجديد، جمال ضاهر، مواليد 1956، عاش في مخيم الرشيدية قبل هجرته، تحدث ما اقتبسه من أهله عن دير القاسي التي "تقع أقصى شمال فلسطين، في الجليل الأوسط الغربي”.
وقال إن "القرية فيها آثار كنعانية ورومانية، ومقامان، وكان فيها شارع رئيسي معبد من أيام الانكليز، واحتلها الصهاينة في 30 تشرين الأول (أوكتوبر) 1948، بعملية أحيرام، وهجر سكانها إلى لبنان، وكانوا 1320 شخصا تقريبا، وهم يعيشون في الشتات، وباتوا يعدون اليوم بعدة آلاف”.
معايشة
من أهالي دير القاسي الذي عايش النكبة، وظروفها، أسعد معروف، عائلته تعرف بالرشراش كلقب، مواليد 1935، جاء إلى لبنان في النكبة، ودرس حتى السادس ثانوي، وحصل لاحقا على الإجازة في التاريخ من جامعة بيروت العربية، وعمل في التدريس.
-
أسعد معروف تهجر من فلسطين وهو في الثالثة عشرة
تحدث معروف لـ"الميادين نت" عن بلدته التي "تناهز مساحتها الـ 35 ألف دونم، وبذلك هي من أكبر قرى شمال فلسطين، وكان فيها بركة لتجميع مياه الأمطار للزراعة".
ويتذكر بعضاً من زمن الطفولة: "كنا ننقل المياه إلى المنازل للشرب، والاستخدام المنزلي من نبعين في الوادي على ظهر الدواب. والبلدة فيها ثلاث تلال، نسميها حارات، الحارة الغربية على التلة الغربية، الحارة الوسطى على التلة الوسطى، والثالثة لجهة الشرق، والكثافة السكانية موجودة على التلة الغربية والوسطى”.
سكنت في دير القاسي عائلات من حيفا، ويافا، وأخرى لبنانية من مارون الراس، وبنت جبيل، وسواها، والسبب بحسب معروف، أن "أراضينا واسعة جداً، وعدد السكان لم يكن كافيا ليتمكنوا من استثمارها كلها".
"وبين الحارتين الغربية والوسطى امتد كرم زيتون اسمه كرم سهيل، وفيه مساحة التقاء لمن يرغب قضاء نهار على ذبيحة بقرة أو عجل"، كما قال.
-
بيوت وحقول متبقية
وللأعراس وقع خاص فما زالت البلدة حيّة أمامه، فهي "كانت تستمر 3-4 أيام، وقبل موعد الزواج بأسبوع او ثمانية أيام، كان كل سكان القرية يقيمون احتفالية يسمونها التعليلة، فيجتمع الشباب والصبايا، ويحتفلون بالغناء، والدبكة حتى يوم العرس، وينشدون الأغاني التراثية، وينتهي الحفل عندما يأخذ العريس عروسه إلى بيته”.
-
أولاد يرقصون في ساحة البلدة قبل النكبة
وللدراسة ومقاعدها وقعها: "كانت المدرسة غرفة واحدة، وكنا نتعلم فيها أكثر من صف، وفي حديقة المدرسة خمسة مقاطع كنا نزرعها بتشجيع من المدرسين بالفول، أو العدس، أو الحمص، أو سواها من مزروعات. وسنة 1944، تم استئجار مبانٍ أخرى للمدرسة، وكلما ازدادت المباني ازدادت الصفوف، وصولا إلى سنة 1948، حيث بنى أهل القرية مدرسة جديدة، تستوعب ستة صفوف من الابتدائي الأول حتى السادس، "لكننا لم نتمكن من الذهاب إليها بسبب وقوع النكبة”، كما قال.
-
مبنى مدرسة البلدة المهجور
كثيرة هي الذكريات التي يستطيع ابن الـ 13 سنة، كمعروف، من الاحتفاظ بها: "كنا نتنقل إلى البلدات المجاورة، مثل ترشيحا، حيث كنا نشحذ سكين تقطيع الدخان وفرمه، وأذكر كيف كنا نذهب إلى القرى القريبة مثل سحماتا أو ترشيحا، بسيارات شحن صغيرة، تقلنا عن الطريق العام، وفي العودة نمر إلى سعسع، ومنها إلى الحدود".
وألعاب الطفولة كانت الطابة التي "نصنعها بأيدينا من كتلة من الأقمشة (الشراطيط)، ونلعب عدة ألعاب بها مثل المقلاع، والكثير من اوقاتنا كنا نقضيها في أحراج البلدة التي تشبه أحراج أفريقيا حيث لم تكن الشمس تصل إلى أرضها لكثافة الأشجار، نجول فيها، ونبحث عن الفاكهة البرية كالإجاص، ونباتات عشبية متنوعة، وفي الصيف، في موسم التين، نصطاد العصافير بواسطة "الدبق" الذي نصبناه على الشجر، فتعلق العصافير عليه، وفي أيام الشتاء، استعملنا الفخ لصيد "السمن"، وفي اوائل الصيف، بعد أنتهاء درس القمح على البيادر، وبالمورج، كنا مجموعات من الأولاد وأبناء العمومة، نأخذ الفدادين (الثيران) لكي ترعى على ما تبقى من سنابل القمح المحصودة، أو في مراعٍ في أمكنة أخرى، ونبقى حتى ساعات متأخرة من الليل، ونقضي الوقت بالأغاني والاحتفالات وكل ما هو مفرح، وكثيرا ما كنا نتمتع بضوء القمر ينير المراعي، وكانت هذه الذكريات قمة المتعة”.
-
أطفال ما قبل النكبة في موطنهم
وفلسطين، بنظر معروف، كانت قلب العالم القديم، وكان المشرق العربي متواصلاً، لكن عقدة مواصلاته كانت فلسطين، منها تصل السعودية، ومصر، ولبنان وسوريا، فالعراق”.
لا يلبث أن تستيقظ الذكريات فيه محفزّة حنينه لها: "ماذا اخبرك عن فلسطين!! يعجز اللسان التعبير عما يجيش في القلب!! هي مهد السيد المسيح، وهي مهبط الأنبياء، وملتقى شعوب الأرض، وبعد سقوط الحكم الصليبي فيها، كثيرون من الأوروبيين لم يرجعوا إلى بلادهم في أوروبا، بل فضلوا البقاء فيها، وكل الشعوب التي أتتها، بقي منهم من لم يرغب في العودة إلى بلاده، وذلك لما تتمتع به من جمال مناخ، وخيرات الأرض”.
ويؤكد حتمية العودة، و"إذا لم أكن أنا، فابني،أو حفيدي، وهذا الصراع لا بد من أن ينتهي لمصلحتنا نحن. وهذا حق. ولا بد من عودة الحق لأصحابه”.
وجمال ضاهر، مثل معروف، يؤكد: "لن أتردد لحظة واحدة في العودة أنا وعائلتي لدير القاسي، إذا ما أتيحت لي الفرصة، ولا أستبدلها بكل بقاع الأرض مهما طال الزمن، وحقنا موجود، وإذا لم نستطع نحن العودة، فعسى أبناؤنا يستطيعون. وبالنهاية فلسطين عربية، وسترجع عربية كما كانت دائما وأبدا”.
ومحمد الشولي، رئيس اتحاد الفنانين الفلسطينيين في لبنان، من قرية دير القاسي، قال إن "قريته تنتمي إلى قضاء عكا، وتسميتها منسوبة إلى وجود دير كان على طريق قاسية صخرية عالية، فسميت بدير القاسي، هجر كل سكانها إلى لبنان، ولم يعد موجودا أي شخص فيها”.
-
مبنى متهدم جزئيا
ويرى أن "العودة هي أمل كل فلسطيني، مهما طال الزمن، ونحن سنعود إليها حتما، وسنعيد زراعتها”.
رابطة ضاهر - دير القاسي
أقام آل ضاهر من دير القاسي رابطة في لبنان، تحدث عنها محمد يوسف ضاهر، وقال: "شعرنا بضرورة تشكيل تجمع للاهتمام بقضايانا، فشكلنا رابطة أهلية تجمع أبناء العائلة منذ عشرين سنة، أهدافها زرع حب الوطن في نفوس أبنائه حتى التحرير والعودة، وذلك عبر لجان متخصصة، ونقوم باحتفاليات ومناسبات تصب بأهدافها، وفيها الفولكلور الفلسطيني، والشعر الوطني، ومسرحيات ورقصات معبرة، ووضعنا كتيبا عن القرية، وعن فلسطين، وتقدم الرابطة مساعدات تربوية وصحية لابناء العائلة، ونأمل بالعودة إلى بلدنا لنؤسس دولتنا، ونعيش كلنا فيها من دون شعور بالضياع، أواللجوء، أو الغربة، فلا غنى لنا عن فلسطين وديرالقاسي، ونحن الجيل الثاني والثالث، والرابع بعد النكبة، لم نر بلدتنا، ولا وطننا فلسطين، إنما عرفناه من آبائنا وأجدادنا، وتعلمنا منهم محبة الأرض".
موطني
-
فريق موطني في منزل ما تزال زينته صامدة عشرات السنين
منسقة فريق "موطني" ابتسام سليمان، تقيم في رام الله، قامت وفريقها بزيارة دير القاسي، وعبرت عن انطباعها بالزيارة: "عندما أوقفنا الباص، وصعدنا على التلة حيث موقع القرية المطل على جبال لبنان، شاهدت الغار المعمر، والتين المهمل، وعدد من البيوت المتبقية وهي سبعة، بعضها من طبقتين، ولفت نظري على جدران وسقف منزل رسوم جميلة، واضحة تدل على ثراء أصحابه، وبقايا المطبخ وحنفياته، وبعض خزائنه، والمجلى، والشبابيك، وساعة ما تزال على الجدار، وبعض من البيوت ما تزال جدرانها صامدة”.
-
ساعة جدارية في صراع البقاء
"غصة في الروح تركتها فينا مشاهد القرية، وكأنها ما تزال حية، حملناها في عودتنا،ولن تزول مهما طال الزمن"، تختم سليمان.