لي الأرض ... وغرفة وحيدة في العراء

هذه كلُها أرضي وليس لي سوى غرفةٍ وحيدةٍ في وسط عراءٍ أبحثُ فيه عن إنسانٍ يحملُ ظلاًّ.

كان هذا مزاجنا ونحن نحاول أن نعثر على طفولتنا، طفولتنا التي كبُرَتْ في العُمر أكثر منّا. لقد لعبوا بها كثيراً حتّى حطّموا الحياةَ داخلها، لا بُدَّ من أنّ ذلك كان تحطيماً للرغبات والآن وقد غادرتْهم أيّة رغبةٍ باتت تُمسكنا في حلقنا وتشتعلُ من ذلك الذي في داخلنا.

كان ذلك تحطيماً لبقيّة الحياة المُختزنة فيها، وهي بعد أن اعتادت جبروت يدهم باتت تستحثّهم على أن يزيدوا من ألمِها ويتركوا قذارتهم في داخلها. كانوا في الغالب يتركون لها شيئاً من رائحتهم لتنتشيَ به.

طفولتنا نشأت منذ البداية كبيرة، خاطئة في عالمٍ مصنوعٍ من أخطاء، نفعلُ أقلّ ما يُمكن لنُخطىء أقل ما نستطيع. كان صوتُها عميقاً لكنّه بالكاد يلمسُ السماء، يخرجُ من كل الزوايا يحاولُ الضحكَ ولا يعرفُ كيف يضحك.

هذه كلُها أرضي وليس لي سوى غرفةٍ وحيدةٍ في وسط عراءٍ أبحثُ فيه عن إنسانٍ يحملُ ظلاًّ، هو يحملُ نصفَهُ وأحملُ أنا النصف الآخر.

هذه كلُها أرضي ولستُ سوى نصفِ ابتسامةٍ خفيّةٍ عن أسنانٍ صفراءٍ أشعرُ أني أستحقُّها.

هذه كلُّها أرضي ولستُ سوى وجهٍ مُتورّمٍ من النُعاس بملامح الباكين؛ أنا المنبوذُ الممسوسُ الذي يحملُ شيطاناً يشتركُ معه في لعنتِه.

ذات مرةٍ وجدْتُ رأساً منزوعاً من دُميةٍ، نظرْتُ إليها فعثرْتُ على طفولتي في داخلِها وشعرْتُ كأنها تُغبّشُ عينيَّ ثمّ لسببٍ لا أعرفُهُ أردْتُ أن أعبثَ بما تبقّى منها، فرقصْتُ وقفزْتُ على أطرافِها وجعلْتُ صريرَها المخنوق يخرجُ من تحت حذائي.

أردْتُ في الغالب أن أُعاقبَها ربمّا على قساوةِ العظامِ الظّاهرةِ في جسدي. لم تفاجئْني قسوتي.

كنتُ فقط أنتظرُها وحين خرجَتْ تمرّغتُ بها إلى أن هدأَ شهيقي. لم أكُنْ أعرفُ إنها ستزورُني في فراشي كلَّ ليلةٍ وترقصُ على جُثّتي كما فعلْتُ. تركْتُ نفسي أعتادُ ألَمَها إلى أن صرْتُ أستمتعُ به وعرفْتُ أنَّ هذه هي النهاية ولن يكونَ هناك شيء بعدها، ولن أنتظرَ شيئاً.

 

ترحب الصفحة الثقافية في الميادين نت بمساهماتكم بنصوص وقصص قصيرة وشعر ونثر، وكذلك التحقيقات التي تتناول قضايا ثقافية. بإمكانكم مراسلتنا على: [email protected]