مجزرة صبرا وشاتيلا ليست للنسيان

في كل عام يُحيي شُرفاء وأحرار العالم ومعهم حشد شعبي وحزبي فلسطيني ولبناني وبلدية الغبيري، ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا التي نفّذتها عصابات القوات الانعزالية اللبنانية بدعم وإسناد وتغطية مباشرة من قوات الغزو الصهيوني. فعلى مدار ثلاثة أيام أوغل هؤلاء القتلَة بالدم الفلسطيني واللبناني في المخيّمين وجوارهما. قتلوا وسحلوا ونحروا وذبحوا واغتصبوا وأحرقوا وحفروا الأرض ودفنوا ضحاياهم في الحفر، ومن الضحايا مَن دُفِن وهو حيّ. كل ذلك انتقاما لمصرع قائدهم بشير الجميّل الذي كان فتح بيته أثناء حصار بيروت صيف سنة 1982 للمجرم آرييل شارون ولقادة الغزو الصهيوني.

شهر أيلول أراه كل يوم شظايا تسكن جسدي وأعيشه طوال السنة آلاماً تذكّرني بالضحايا الأبرياء في المُخيّمين

كل عام وفي ذكرى المجزرة تحرص د. تسو شاي إنغ البريطانية من أصول ماليزية، وكذلك المُمرّضة الأميركية اليهودية ألين سيغل، والمُمرّضة النرويجية آنا ساندى.. اللواتي عملن أثناء المجزرة مع الهلال الأحمر الفلسطيني في مستشفيي غزّة وعكا في المخيّمين، على الحضور إلى بيروت. قبل عامين كان لي شرف اللقاء لأول مرة منذ إصابتي في ثاني أيام المجزرة بالطبيبة إنغ التي أنقذت حياتي وبالمُمرّضة التي ساعدتها في ذلك. وعندما طلبت مني قناة الميادين أن أكون ضيفاً في برنامج عن المجزرة وافقت فوراً وحضرت لأتحدّث في البرنامج أنا والدكتورة إنغ التي تفاجأت بوجودي في الاستديو، وكان ذلك أول لقاء لنا منذ إصابتي سنة 1982. وكان اللقاء مباشرة عبر أثير الميادين.

 

 للدكتورة إنغ كتابٌ هام بعنوان الطريق إلى القدس. بالرغم من تقدّمها في السن تحرص كل سنة في ذكرى المجزرة على المشاركة وزيارة معارفها في المُخيّمين. وهي من أهمّ نُشطاء التضامن مع فلسطين في بريطانيا وأوروبا. هذا العام سيحضر الوفد الطلياني كما في العام الفائتمن بدون المُناضل الأممي الكبير ماوريتسيو موسوليني.... الذي رحل عن عالمنا قبل سنتين. وكما رفيقه المُناضل اليساري الإيطالي وأحد أبرز الكتّاب في صحيفة «مانيفستو» الإيطالية، الراحل ستيفانو كاريني، مؤسّس لجنة  " كي لا ننسى صبرا وشاتيلا "... الذي رحل عن عالمنا قبل سنوات. لتفقّد لجنة كي لا ننسى إثنان عظيمان من قادتها ومؤسّسيها. سوف يشارك في الذكرى ممثّلون عن أصدقاء فلسطين في عدّة دول أوروبية وغربية. تماماً كما جرت العادة كل عام. وللأسف لن أستطيع المشاركة شخصياً في إحياء الذكرى في المُخيّمين بعد أيام، لأنني سأكون في نفس الوقت مُرتبطاً ومتحدّثاً في ندوة عن المجزرة في العاصمة الإيطالية روما، مدينة الشهيدين كاريني وموسوليني.  

 

تقوم الوفود المُتضامِنة مع جماهير المُخيّمات الفلسطينية في لبنان ومعها لجان "كي لا ننسى" العالمية المُتضامِنة مع الشعب الفلسطيني بإحياء ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا التي استمرت من 16 وحتى ومع نهاية يوم 18 أيلول سبتمبر 1982. وحصدت حيوات آلاف الضحايا. وتحضر وفود الحملة العالمية كل عام من عشرات دول العالمين الغربي والشرقي، كل على نفقته الخاصة، فمن يعمل منهم يأخذ إجازة من عمله ويشدّ الرحيل إلى بيروت، وذلك لإحياء هذه الذكرى في مكان النصب التذكاري لمقبرة شهداء المجزرة في المخيم، حيث كانت توقّفت الحياة في تلك الأيام السوداء، وحيث آلام أهالي الضحايا الذين قُتلوا أو غُيِبوا من قِبَل رفاق بشير الجميل وإيلي حبيقة وسمير جعجع وانطوان زهرا وأبو أرز وسعد حداد وفادي افرام وكل الفاشيين من المُتعاملين مع الاحتلال الصهيوني، ومن أركان الجبهة الانعزالية اللبنانية التي كان يقودها في ذلك الوقت الإرهابي الفاشي والعُنصري بشير الجميّل.

 

في شهادتها على المجزرة التي وردت ونشرت في الكتاب الموسوعي "صبرا وشاتيلا 1982" للدكتورة بيان نويهض الحوت تحدّثت المُمرّضة النرويجية آنا ساندي عن المجزرة وعن اضطرارها مع مُمرّضة فرنسية إلى إجراء عملية لأب جريح وصل مع ابنه الجريح أيضاً إلى مستشفى عكا حيث لم يكن هناك أطباء. وتضيف أن الكهرباء انقطعت أثناء العملية وأنهن اضطررن لمواصلتها على أضواء الشموع، بغية إنقاذ حياة الأب الجريح الذي كان مصاباً بصدره.

 

ذات يوم في أوسلو شاءت الصدفة أن ألتقي بالمُمرّضة آنا ساندي بعد 25 سنة من المجزرة، حصل ذلك في مؤتمر لجنة فلسطين النرويجية التي تُناصر الشعب الفلسطيني، والتي تُعتبَر ساندي من أعضائها الأساسيين مع الدكتورين المُناضلين النرويجيين مادس غلبرت وإريك فوسه. وكنت مدعّواً لإلقاء كلمة في المؤتمر المذكور. كان لقاء تاريخياً أعادنا إلى تفاصيل الزمن المرّ والمجزرة الفظيعة. في ذلك اليوم سألتني إحدى المُتضامِنات مع الشعب الفلسطيني عن مشاعري في شهر أيلول وبعد مرور 35 سنة على المجزرة في صبرا وشاتيلا. أجبتها باختصار: شهر أيلول أراه كل يوم شظايا تسكن جسدي وأعيشه طوال السنة آلاماً تذكّرني بالضحايا الأبرياء في المُخيّمين، وبالجزارين القتلَة الذين لم تتم مُحاسبتهم رغم أنهم معروفين وغالبيتهم لازالوا على قيد الحياة. ومنهم وزراء وأعضاء في البرلمان وقادة حزبيين وسياسيين في الكيان الصهيوني وفي لبنان.

 

الجانب الصهيوني حقّق في المجزرة وشكّل لجنة وقام ولو شكلياً بمحاسبة آرييل شارون وحمّله جزءاً من المسؤولية. يعني بالعربي الفصيح اتّخذوا قرارات ولو كما نقول في لغة الشارع العربي فقط لرفع العتَب. لكن الجامعة العربية لم تفعل شيئاً من أجل الضحايا وأهاليهم وخاصة أهالي المفقودين في المجزرة. كما أن الحكومات اللبنانية المُتعاقِبة التي لم تحترم مواطنيها والضحايا الذين سقطوا في صبرا وشاتيلا لم تفعل أيّ شيء يُذكَر. ولم تفتح تحقيقاً بالأمر لغاية يومنا هذا. أما منظمة التحرير الفلسطينية فلم تكن وليست أفضل حالاً من الحكومات اللبنانية المُتعاقِبة. فيما العالم الذي يُحقّق بجرائم الحرب الدولية في كل الدنيا تحايل على الدعوات التي أُطلِقت للتحقيق في مجزرة صبرا وشاتيلا وأفشلها عن سابق إصرار. حتى أن بعض الدول الأوروبية مثل بلجيكا وفرنسا وبريطانيا قامت عمْداً بتعديل القوانين المحلية من أجل عدم تمكين الضحايا الفلسطينيين واللبنانيين من رفْع دعوات قضائية وجلْب القادة الصهاينة لمحاكمتهم في محاكم مجرمي الحرب الدوليين.

 

في ذكرى المجزرة يجب ألا ننسى وكي لا ننسى علينا أن نتذكّر دائماً أن هناك في صبرا وشاتيلا مئات من الضحايا مازالوا في عِداد المفقودين. ومن الممكن أن سمير جعجع كقائد للجبهة اللبنانية أيّ قوات بشير الجميّل، وكسياسي يعرف ما هو مصير هؤلاء وأين دُفِنوا في حال أعدِموا بعد اختطافهم من المُخيّمين على يد ميليشياته أثناء المجزرة.

 

ترحب الصفحة الثقافية في الميادين نت بمساهماتكم بنصوص وقصص قصيرة وشعر ونثر، وكذلك التحقيقات التي تتناول قضايا ثقافية. بإمكانكم مراسلتنا على: [email protected]