الصوم مع الصيام

الصوم والصيام عند علماء اللغة كلاهما بمعنى واحد وهو مطلق الإمساك عن الفعل طعاماً كان أو كلاماً أو غير ذلك، ولكن القرآن الكريم فرّق ما بينهما حيث إن القرآن الكريم ليس به كلمات مترادفة أبداً، فعندما يذكر كلمة (صيام) بحرف الياء، فإنه لا يقصد بها كلمة (صوم) بحرف الواو، فالله تعالى في محكم كتابه يستعمل الكلمة بميزان أدق من ميزان الذهب والفضة ويختار اللفظ على الوجه الأكمل والأفضل والأدق.

الصيام لوحده دون صوم لن يحقق حتى الثواب المطلوب
وإذا تصفحنا هاتين الكلمتين (صيام وصوم) في كتاب الله تعالى نجد:

- أولا: إن كلمة (صوما) وردت مرة واحدة، حيث قال الله تعالى: {فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا} سورة مريم (26)، أي أن مريم عليها السلام قد نذرت (صوما) وهي تأكل وتشرب، والمراد بكلمة (صوما) هنا الإمتناع عن الكلام فقط بدليل ما جاء بعدها مباشرة، حيث قال الله تعالى: {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا}، فكلمة (صوم) تخص اللسان وقول الحق سواء في رمضان أو غيره وليس المعدة والإمتناع عن الطعام.

- ثانيا: أما كلمة (صياما) فقد وردت سبع مرات:

1 ـ قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} سورة البقرة (183).

2 ـ قال الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} سورة البقرة (187).

3 ـ قال الله تعالى: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْىِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِن صِيَام أَو صَدَقَة أَوْ نُسُك فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْي فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّام فِي الْحَجِّ وَسَبْعَة إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ واتَّقُواْ اللهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} سورة البقرة (196).

4 ـ قال الله تعالى: {فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} سورة النساء (92).

5 ـ قال الله تعالى: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ} سورة المائدة (89).

6 ـ قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} سورة المائدة (95).

7 ـ قال الله تعالى: {فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ۖ فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ۚ ذَٰلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ۚ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۗ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} سورة المجادلة (4).

ومن خلال هذه الآيات نجد أن كلمة (الصيام) أراد الله بها في الآيات السبع السابقة،  العبادة المخصوصة التي لا تتحقق إلا بالإمساك عن الطعام والشراب وشهوة الفرج بنية من طلوع الفجر إلى غروب الشمس،  أي فريضة (الصيام) المعروفة خلال شهر رمضان المبارك.

وهكذا نرى أن (الصوم) يخص اللسان و(الصيام) يخص المعدة، لهذا فإن (الصوم) يكون في كل زمان ومكان (كل الأوقات) ويأتي مع (الصيام) وبعده وقبله،  و(الصيام) لوحده دون أن يرافقه (الصوم) لا يؤدي الغرض المطلوب تماما لقوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في حديثه الشريف: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في إن يدع طعامه وشرابه) أي لابد من (الصوم) مع (الصيام)،  فمن السهل على الإنسان الجوع والعطش من الفجر للمغرب،  لكن من أشد الصعوبات عليه قول الحق خاصة إذا كان على نفسه وأن لا يسمع منه الناس إلا الكلام الطيب والجميل والمؤدب بدل الكلمات القاسية الجارحة،  لأن الصبر الحقيقي هو في أسلوب وطريقة التعامل مع الناس، حيث قال تعالى: {وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً} سورة الفرقان (20).

فالذي يتذرع بالصيام من أجل أن يعامل الآخرين بجفاء وعصبية وسوء خلق فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه، فالمطلوب أن يتلازم (الصوم) مع (الصيام) لتكون تصرفاتنا وسلوكنا خلال رمضان أفضل من أي وقت آخر، فالصوم هو أن نقول للآخرين القول الحسن والكلمات اللطيفة المهذبة، حيث قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنكُمْ وَأَنتُم مُّعْرِضُونَ} سورة البقرة (83)، أما ما نراه من تصرفات وأقوال غير لائقة بحجة (الصيام) فقط فهذا ليس من الدين في شيء، فالصيام لوحده دون صوم لن يحقق حتى الثواب المطلوب.

أما الحديث القدسي: (كل عمل إبن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) فالأهم ما في الموضوع هو فهمه جيدا والإنتباه لكلماته بدقّة أيضا، حيث نلاحظ أنه ذكر (الصوم) ولم يقل (الصيام) لأنه (بالصوم) تنتهي المشاكل، أما (الصيام) مع سوء الخلق فإنه يزيد المشاكل، فصوموا (صوما) و(صياما) لتعم الفائدة.

ويجدر الذكر هنا أن الله سبحانه وتعالى دوما يقول في القرآن الكريم: (يا أيها الذين آمنوا) قاصدا بذلك الرجال والنساء معا، ولا يوجد في القرآن كله آية تقول: (يا أيها الذين آمنوا ويا أيتها اللواتي آمنتنّ) ما عدا قوله تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} سورة الأحزاب (35)، حيث فصلت هذه الأية المذكر عن المؤنث، والسـبب في ذلك هو أن الله تعالى في هذه الآية لا يعدد بل يصنف درجات الإيمان من المرتبة الأدنى إلى المرتبة الأعلى.

أما قوله تعالى: (وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ) فالمقصود هنا (الصوم) بحرف الواو وليس (الصيام) بحرف الياء، لأن (الصيام) يأتي مع المرتبة الأولى (الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ) لأنه ركن من أركان الإسلام وهو في شهر رمضان، أما (الصوم) هنا فمعناه قول الحق مع الآخرين، ويأتي الصوم بهذا المعنى في كل أيام السنة، وبتحقيق (الصوم) يتخلّص المجتمع من الكثير منَ المشكلات والخلافات ولكن مع (الصيام) نجد إزدياد المشكلات وضيق الخلق في المجتمع.