مهارة التفكير الناقد وحلّ المشكلات في القرن 21
من الطبيعي أن تكون عمليّة تطبيق المعرفة مُستندة إلى المعرفة المُتاحة، وصولاً الى إعلان الباحِث قبوله الحلّ، واستعداده لتعديله في ضوء المعلومات الجديدة.
يواجه الإبداع والابتكار العديد من المعوّقات، لكنّ أبرزها يكمن في التردّد، والخَجَل، وعدم ثقة الفرد بنفسه، وخوفه من تكرار الخطأ، ما يجعله فاقِد القدرة على تحديد أهداف ووسائل حلّ المشاكل التي تعترضه. هذا ويجعل الخوف من الخروج عن المألوف، كالعادات والتقاليد المُجتمعيّة، الفرد مُكبَّل اليدين، خاصّةً إذا انعدمت عوامِل التحفيز لديه.
ففُقدان الطموح والحماس واللامُبالاة يؤدّيان إلى تأجيل الفرد المهام التي يريد تنفيذها أو إلغائها كليّاً. هذه العوامل قد تحوّل الفرد المُبْدِع إلى شخصٍ آخر يعمل ضمن منهجيّة أشخاصٍ آخرين، مُتبّعاً نهجهم الخاص. لذلك، إنّ حاجة الشخص إلى مهارة التفكير الناقِد وحل المُشكلات أصبحت حاجة مُلحّة وضرورية في القرن الحادي والعشرين لتخطّي الصِعاب التي تُعيق تقدّمه وتحقيق أهدافه.
ويتمّثّل هذا النوع من التفكير في قُدرة الفرد على الفحص الدقيق للمواقف التي يتعرَّض لها، والتمييز بينها، وتفسيرها، وتقويمها، والعمل على استخلاص النتائج منها عن طريق استخدام المنطق والموضوعيّة، من خلال قُدرة الفرد على فحص الوقائع والبيانات التي تتعلَّق بموضوعٍ ما، بحيث يبني الفرد رأيه على أنّ افتراضاً ما وارِد أو غير وارِد من خلال تحليله الوقائع المُعطاة له، ومن ثم يقوم بتفسيرها، وتمييز نُقاط القوَّة والضعف فيها من خلال قُدرة الفرد على معرفة العلاقات بين وقائع مُعيّنة تُعطى له، يستطيع من خلالها الوصول إلى نتيجةٍ ما، وصولاً إلى النتائج التي تتمثل في قُدرة الفرد على التمييز بين درجات احتمال صحّة أو خطأ نتيجةٍ ما تبعاً لدرجة ارتباطها بوقائع مُعيَّنة تُعطى له.
وتتحقَّق خطوات التفكير الناقِد من خلال جَمْع كافة المعلومات التي يستطيع الفرد جمعها عن موضوع البحث، بعيداً عن الأحكام الشخصيّة. وتتكوَّن الخطوة الأولى من الدافعية للعمليّات المعرفيّة التي تؤثّر على جَذْب الانتباه من خلال الرغبة في مجال التفكير، أي الظاهرة التي أثارت فضول الفرد ودفعته إلى أخذ قرار التفكير بها لتحليلها، ودراستها، ومعرفة الأسباب التي أدَّت إلى وجودها. فضلاً عن استثمار الوقت، وبذل الجهد لحلّ التناقُض في التفكير، عبر ترتيب الأولويّات، وكتابة مجموعة من الأهداف اليوميّة، وتحديد الأولويّات بهدف القيام بالأشياء الهامّة، والوقت الذي يلزم لكل مهمّةٍ، من ثمّ جَدْوَلتها من خلال وضع الخطط القصيرة والطويلة بمهامها المختلفة في أوقاتٍ مُحدَّدة لتجنّب التسويف.
بالإضافة إلى الرغبة في المعرفة، عِلماً أنّ الفضول المعرفي هو المُحرِّك القوي للمعرفة والاكتشاف؛ فكل المُخترعات البشريّة أساسها الفضول. إنّك لن تجد عاِلماً مُخترعاً مُستكشفاً ليس لديه فضول معرفي قويّ، فقد قال أينشتاين مُكتَشِف نظريّات النسبة:"أنا لست موهوباً، أنا فضوليّ"، وتعود أهميّة الفضول إلى أنّه يُثير العالِم فيجتهدُ بحثاً وتجارب ليَخرُجَ لنا باختراعٍ يُفيد البشرية، وهذا الفضول هو الذي تتقدَّم به الدول.
أما الخطوة الثانية وتتمثّل في البحث عن المعرفة والتي تتكوَّن من نتاج خبرات التعلّم السابقة، إذ لا يحدث إداركٌ أو تفكير من دون انتباه وأية عمليّة عقليّة تحتاج إلى الانتباه. يحدث الانتباه عندما تكون هناك مُثيرات حول الفرد تنبّهه بطريقةٍ ما ويُدرِك أنّ بعضها مهمّ وبعضها الآخر غير مهمّ. ويختلف المفهوم باختلاف الحقل أو التخصّص، ويمكن إدراكه بالحواس.
وعندما تترابط المفاهيم في ما بينها في البناء المعرفي، تكون المبادئ، ومن المعروف أنّه لكلّ مفهومِ علميّ مجموعة من الخصائص المُميّزة التي يشترك فيها جميع أفراد فئة المفهوم، وتميّزه عن غيره من المفاهيم العلميّة الأخرى؛ وعمليّاً، تتكوَّن المفاهيم العلميّة من خلال عمليّات ثلاث هي: التمييز، والتنظيم (التصنيف)، والتعميم. كما أنّ تنظيم المعرفة أمرٌ بالغ الأهميّة لأنّها تُعْتَبر المستودع الذي تُخزَّن فيه المعلومات بهدف استخدامها مستقبلاً، وكلما استخدم الفرد (الذاكرة)، دلّ ذلك على التعلّم التنظيمي، والفاعليّة العالية أيضاً.
وصولاً إلى معرفة استخدام المصادر والمراجع وهي من أهمّ الأشياء التي يحتاجها الباحِث لتجهيز بحثه وتعزيزه بالمعلومات الدقيقة والصحيحة، سواءً في بحثٍ لحلّ مشكلة ما على صعيد العمل أو الدراسة، أمْ لجهة نشر بحثٍ علمي في ما يتعلّق بظاهرةٍ ما.
وفي الخطوة الثالثة يحتاج الفرد إلى البحث عن المعلومة التي تمّ تحديدها، وهذا يعني بأن يقوم المُفكِّر بالنظر إلى الجوانب الإيجابيّة في البدائل المطروحة، ومن ثمّ إلى أوجه القصور، وكيفيّة تعديلها أو تحسينها عبر خطّةٍ واضحة في تحليل البدائل وتطويرها، ومن ثم تحويل المعرفة إلى عمليّات تنفيذية، للتحسين من الأداء المنظّمي في حالات صنع القرار والأداء الوظيفي.
إذ أنّه من الطبيعي أن تكون عمليّة تطبيق المعرفة مُستندة إلى المعرفة المُتاحة. وصولاً الى إعلان الباحِث قبوله الحلّ، واستعداده لتعديل هذا الحلّ في ضوء المعلومات الجديدة، في حال وجودها.
وعليه فإنّ كل ما ذُكِر سابقاً هو ليتمكَّن الباحِث عن الحقيقة والساعي إلى حل المشكلة بطريقةٍ علميةٍ ومنطقيةٍ أن يقول: "لقد فَهِمت".