ليت ماركس يعود

ليتك يا ماركس تعود لترى كيف قامت ارتباطات معسكر الحق بمحو كل أوهام الحدودية والمكانية التي أنشئت من غير سلطان.

  • ليت ماركس يعود
    ليت ماركس يعود

كم أودّ أن يعود كارل ماركس يوماً أو بعض يوم، لا ليرى ما آلت إليه الشعوب والأنظمة الحالية، ولا ليُعاين انفراط الاتحاد السوفياتي وتلاعُب "الديمقراطية" العالمية على وتَر الجَشَع والانحدار الأخلاقي، ولا ليدرس أسباب فشل النظام الاشتراكي الأوتوبي أو ليُعدِّل "المانيفستو" الخاصة به ، لا .. ولا ليرى الهيمنة والغطرسة الإمبريالية تتلطَّى بشعاراتٍ رنَّانةٍ كالحرية والديمقراطية.

عليه أن يعود ليكون شاهِداً كيف أن الاشتراكية الفكرية الحقيقية تتجسَّد عبر تلاحُم الأمم من مختلف الطوائف والعادات واللغات تحت لواء الحرية الحقيقية ومقاومة الظلم ومحاربة الغطرسة الامبريالية.

ليت البشرية عامة، ومُحتكري الأقلام الغربية خاصة، يلحظون انتصار قوَّة الروح الأبيَّة على جماديّة الامبريالية المادية. هكذا تحلّ المسائل بغير أسلوب الحسابات الحصري، آخذة في الحسبان كفاءة معسكر ذي عتاد متواضع وجمهور مُضطَهد في وجه معسكرٍ مُتجبِّرٍ مُتغطرِسٍ جَشِع، هيمن على العالم طمعاً في ثروات الآخرين وعلى حساب أنّات الشعوب. 

هل يُعقَل أن يقف الشاب اليافِع أمام الملك الظالِم ويتحدَّاه فيردّ على ظلمه بصفعةٍ تكسر هيبة المُستبِد؟ لكن الذي أطاح بنمرود كان في عين النمرود عينه ضعيفاً مُستصغراً. ألا نقرأ التاريخ الماضي أن الدماء المخلصة المظلومة تثمر مواسم معطاءة سخيّة للأرض وتورِث أجيالاً مُتلاحِمة؟

أما فاعِل القتل والاغتيال ومُصمّمهما يورِث تلاحُماً أيضاً، لكن في المعسكر المقابل فيقوّي أرواحهم الفدائية ويثبّتهم في مواجهته.

كيف لمَن ورث علومنا المادية التي رفعته من قرونه الوسطى المُظلمة أن يبقى جاهلاً في مدرسة الموت والدماء الخاصة بنا. فصدق قوله تعالى "ولا يتمنّونه أبداً بما قدّمت أيديهم والله عليم بالظالمين".

ليت ماركس يعود ليرى هشاشة القومية العِرقية والبروليتاريا المادية أمام كَدْحِ وثورة المقاومين ليس من أجل لقمة عيشهم ودفاعاً عن حقوق ترفهم، بل تحصيناً لحريتهم وحفاظاً على كرامتهم والدفاع عن مُقدَّسات وحُرمات الفئة ككل وليس للأنا.

ليت مهندسي سايس - بيكو يعودون ليروا أن ما رسموه وجزّأوه بأقلامهم منذ أكثر من 100 عام، قد ظهرت فئة تحمل الممحاة لأول مرة في تاريخ البشرية الحديث. إننا ولأول مرة نرى تلاحُماً تخطّى العِرقية، والمذهبية، والحدودية، والمناطقية، والقومية.. ولأول مرة نرى أحرار المشرق والمغرب من كافة الألوان والأعراق يتّحدون وينضوون تحت راية واحدة، هي راية مُقارعة المُتكبِّر.

ليتكم ترون كيف أن تراكم مُكركم وكذبكم على شعوب العالم أفضى إلى وضوح الراية وانقسام المشاهدين من البشر إلى ثلاثة أقسام واضحة. إما سامِع بفعلكم فموافق وراضٍ به، وإما مُمانِع حرّ مقاوِم له، وإما نعامة غارسة رأسها لا تريد إلا النفاذ بريشها لفَرْطِ "أنانيّتها".

ليتك يا ماركس تعود لترى كيف قامت ارتباطات معسكر الحق بمحو كل أوهام الحدودية والمكانية التي أنشئت من غير سلطان. ليس المكانية فحسب بل والزمانية أيضاً فتصبح دماء ثورة مسكوبة منذ أكثر من 1400 عام ما زالت تغلي في وجدان الأحرار وكأنها سُكِبَت أمس. ما تعرفون عن هذه التضحية؟ إنها أسمى أنواع التضحية تلك التي تكون بإكرام ضيف الوجود الإنساني بطعام الحرية، ببذل كل ما يمتلك هذا المضياف الكريم: الدم، الأنا، الوجود.