ما هي التداعيات السلبية لانسحاب ترامب من اتفاقية المناخ؟

يصف ترامب فكرة "الاحتباس الحراري العالمي" بالخدعة، واتفاقية باريس للمناخ بأنها غير عادلة ومنحازة"، ويضيف "لن تخرب الولايات المتحدة صناعاتها بينما تطلق الصين العنان للتلوث مع الإفلات من العقاب"!

  • ما هي التداعيات السلبية لانسحاب ترامب من اتفاقية المناخ؟
    تعمل اتفاقية باريس للتغيّر المناخي بشكلٍ أساسي على مواجهة مشكلة انبعاثات الغازات الدفيئة

في اليوم الأول لتسلّمه مهام رئاسة الولايات المتحدة الأميركية وقّع الرئيس دونالد ترامب على قرار انسحاب دولته من "اتفاقية باريس المجحفة"، كما وصفها، وهي ضمن قرارات عديدة مثيرة قد وقعّها.

ولكن لماذا تعمّد ترامب الانسحاب من الاتفاقية في فترة رئاسته الأولى، ثم في مطلع ولايته الحالية، لا بل في أولى قراراته؟

ما هي الاتفاقية؟   

ما يُعرف بـ "اتفاقية باريس" أو "كوب 21" هو أول اتفاق عالميّ بشأن المناخ، وقد جاء تتويجاً لمفاوضات معقّدة رافقت لسنوات مؤتمر الأمم المتحدة 21 للتغيّر المناخي في باريس في 2015، وصادَق على الاتفاق كل الوفود 195 الحاضرة، وبحسب وزير ما قال الخارجية الفرنسي لوران فابيوس الذي قدّم يومها مشروع الاتفاق النهائي في الجلسة العامة، فإن هذا الاتفاق "مناسب ودائم ومتوازن وملزم قانونياً". 

ويهدف الاتفاق إلى احتواء الاحترار العالمي لأقل من 2 درجات وسيسعى لحده في 1.5 درجة، وسيتم إعادة النظر في الأهداف المعلنة بعد 5 سنوات، وأهداف خفض الانبعاثات، ووضع حدٍ أدنى بقيمة 100 مليار دولار أميركي كمساعدات مناخية للدول النامية سنوياً وسيتم إعادة النظر في هذا السعر في 2025 على أقصى تقدير.

ولمناسبة يوم الأرض الذي يتم الاحتفال به في 22 نيسان/ أبريل، وقّع 175 من رؤساء دول العالم في عام 2016 في مقر الأمم المتحدة تحت مسمى اتفاقية باريس للتغير المناخي، وكان ذلك الحدث الأكبر على الإطلاق لاتفاق عدد كبير من البلدان في يوم واحد.

مخاض بيئي عسير

بنود هذه الاتفاقية جاءت بعد مخاض عسير انطلق في عام 1995 حين بدأت البلدان مفاوضات من أجل تعزيز الاستجابة العالمية لتغيّر المناخ. وبعد ذلك بعامين، اعتمد بروتوكول كيوتو وذلك الاتفاق يهدف إلى خفض الانبعاثات الغازية.

تعمل اتفاقية باريس للتغيّر المناخي بشكلٍ أساسي على مواجهة مشكلة انبعاثات الغازات الدفيئة، وكيفية إيجاد الحلول للتكيّف معها، والتخفيف من حدة ضررها على البيئة، والنظر بجدية للآثار الواضحة للتغيرات المناخية، والحد من ارتفاع الحرارة إلى أقل من درجتين مئويتين، حيث أن متوسط درجات الحرارة العالمية ارتفع بمقدار 0.85 درجه مئوية من 1880-2012.

ونظراً للتركيزات الحالية والانبعاثات الغازية، فمن المرجّح أن تشهد نهاية هذا القرن زيادة من 1-2 درجه من درجات الحرارة العالمية، أي حوالى 1.5 – 2.5 درجة مئوية فوق مستوي ما قبل العصر الصناعي.

وتلك الاستنتاجات تؤجج المخاوف لدى العلماء حيث سينتج عنها ارتفاع في مستوى سطح البحر بسبب زيادة ذوبان الجليد في القطبين.

من المسؤول عن تدهور حال المناخ ؟

يبدو أن المسؤول الأول عن تدهور حال المناخ عالمياً هي الدول الصناعية، خاصةً الصناعات الملوثة والتي لا تراعي معايير السلامة والحماية، والتي تتسبب في ارتفاع درجات الحرارة وتدهور الحياة على هذا الكوكب، بهدف زيادة الانتاج والربح على حساب مستقبل الاجيال والبشرية جمعاء.

حالياً،تصنّف الولايات المتحدة كثاني أكبر مصدر للغازات المسببة للاحتباس الحراري في العالم بعد الصين، وخروجها من هذا الاتفاق يقوّض الطموح العالمي لخفض هذه الانبعاثات.

إذّ، وللمرة الثانية خلال عقد، يعلن ترامب انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس للمناخ، ما يعني غياب أكبر مصدر في العالم على الإطلاق لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون عن الجهود العالمية لمكافحة تغيّر المناخ.

ويصف ترامب فكرة "الاحتباس الحراري العالمي" بالخدعة، واتفاقية باريس للمناخ بأنه غير عادلة ومنحازة"، ويضيف "لن تخرب الولايات المتحدة صناعاتها بينما تطلق الصين العنان للتلوّث مع الإفلات من العقاب"!

وهنا يبطل العجب حين نعرف السبب الحقيقي لكل هذا الهجوم على اتفاقيات تحد من الخطر على البشرية جمعاء، إذ تتربع الولايات المتحدة على عرش أكبر منتجي النفط والغاز الطبيعي في العالم بفضل طفرة تنقيب مستمرة منذ سنوات في تكساس ونيو مكسيكو وأماكن أخرى، بدعم من تكنولوجيا التكسير الهيدروليكي والأسعار العالمية المغرية منذ اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا.

الخلاصة: تشبثوا!

في النقاش والحديث عن اتفاقيات ذات منحى انساني عام وشامل، يجد معظم سكان الأرض أنفسهم بمواجهة الأقلية المهيمنة على العالم، والتي تعمل للمزيد من السيطرة والهيمنة وفرض نظرتها الربحية المادية على العالم. 

فإذا كان هدف الاتفاقية هو الوصول إلى تثبيت تركيزات الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي عند مستوى يسمح للنظام البيئي بان يتكيّف بصورة طبيعية مع تغيّر المناخ وبالتالي حماية الإنسان من خطر يصل إلى النقص في الغذاء والماء، تُبدع المخيلة الرأسمالية في الهروب من الاستحقاق عبر اختراع مخارج تناسبها ومنها مثلاً فكرة "آبار الكربون"، أي تعويض التلوث عبر زراعة غابات في بعض الدول النامية لامتصاص الغازات، والهروب من عملية تخفيض الانبعاثات والتي ستزيد حتماً من كلفة الصناعة مادياً.

اقرأ أيضاً: ماذا تشمل اتفاقية باريس للمناخ التي انسحب منها ترامب مجدداً؟

قرار دونالد ترامب اليوم يشكّل نموذجاً فاقعاً للأطماع البشرية على حساب الطبيعة والحياة والاجيال القادمة، ويمثّل عنواناً لهيمنة الأقلية المتمكنة على الأكثرية العاجزة في الكوكب، واللوحة البيئية القادمة ضبابية لا بل سوداء، فهل من معجزة تنقذ كوكبنا أم أننا جميعاً بانتظار الكوارث كي يعمّ الوعي وبالتالي الثورة على من يدمر وينهب ثرواتنا .. وحياتنا؟