محمية بينو: سياحة طبيعية وإحياء التوازن النباتي والحيواني
يرتفع التلّ ما بين 600 و 700 متر عن سطح البحر، فلم يكن جبلاً ضخماً، ولا سهلاً منبسطاً، فأطلق عليه سكان المنطقة لقب "ضهر نصّ العالي"، لكنه يُطِلّ على مساحات ومناطق واسعة، ويشرِفُ على البحر البعيد، غرباً، والساحل السوري شمالاً.
على تلّ يتوسط عدداً من القرى والبلدات في عكار، أقاصي الشمال اللبناني، تقوم محميّة حرجيّة طبيعيّة، تتبع عقارياً لبلدة "بينو"، تَغَطّى بأشجار السنديان، والصنوبر، وحرجيات متعددة، وكان حتى أواخر القرن الماضي مصدراً للحطب للتدفئة، أو لصناعة الفحم، وطغت عليه ممارسة عشوائية هدّدته بأن يصبح أجرداً، إلّا من بعض الجموم، وبقايا الأشجار التي تعرضت للقطع.
يرتفع التلّ ما بين 600 و 700 متر عن سطح البحر، فلم يكن جبلاً ضخماً، ولا سهلاً منبسطاً، فأطلق عليه سكان المنطقة لقب "ضهر نصّ العالي"، لكنه يُطِلّ على مساحات ومناطق واسعة، ويشرِفُ على البحر البعيد، غرباً، والساحل السوري شمالاً.
تحته، تنبسط بساتين المنطقة المتنوّعة الأصناف من فاكهة، وخضار، وأشجار متنوّعة، وكذلك بيوت البلدات والقرى المنضوية تحت اسم "الجومة"، منها بلدات بزبينا، والعيون، وبيت ملات، وتكريت، وعيات، وعين يعقوب، أمّا شرقاً وجنوباً فتحفّ به جبال عالية، هي جبال عكار.
قرب التلّ ممرٌ مائي لا يصحّ اعتباره نهراً، تصب فيه بعض الينابيع، وغالباً ما يجفّ صيفاً، رغم ذلك، تحوّل الموقع إلى وادٍ تحوّل إلى موقع سياحي على مستوى السياحة الريفية البسيطة أواسط القرن المنصرم، وعُرِف الموقع بوادي الأشقر، ملتقى العشاق الذين كانوا يؤمّونه للتزود من مياه ينابيعه، ويمضون "كزدورة" العصر، ولم تكن طرق الأسفلت قد انتشرت مع تطور الحداثة في لبنان.
اتّخذ كثيرون من الناس من الوادي متنفّساً، وكانوا يقصدون مقهىً أقيم بين جذوع مجموعة من صنوبراته، ويقيمون فيه مآدب بسيطة من التبولة وبعض العصائر؛ سياحة بسيطة ناشئة تنتظر تحوّل لبنان إلى أحد أهم المواقع السياحية في العالم.
أواسط الخمسينات، لم تكن فكرة المحميّات قد انتشرت، ولا مفهومها تبلور على أهميتها للحفاظ على البيئة، وتوازنات مخلوقاتها الحيوانية والنباتية، فانتهكت الممارسات العشوائية التلّ، والوادي بجواره.
سنة 2000، تملّك رجل الأعمال اللبناني، ونائب رئيس مجلس الوزراء سابقاً عصام فارس، التلّ البالغ زهاء مائة ألف متر مربع، كما الوادي بقربه، وحوّلهما إلى محميّة، ضمّت التلّ، وتحوّل الوادي بقربه إلى بحيرة للماء المتجمعة من الوادي، ومنتجعاً سياحياً مفتوحاً.
الهدف
هدف فارس من إقامة المحميّة إكثار الحيوانات، والطيور البريّة التي افتقدتها الطبيعة على مرّ السنين بفعل الصيد العشوائي، وبعد أن أدّى انتشار المبيدات والأدوية الزراعيّة إلى اختفاء أصناف عديدة من الطيور، والكائنات المفيدة، مسبّبة خللاً في التوازن البيئي كان له أثر سلبي كبير على أنواع عديدة من المزروعات، والمواسم، وعلى سبيل المثال لا الحصر، مواسم الزيتون والفاكهة التي تشكل مصدرا هاما يعتاش منه عشرات ألوف المواطنين.
استقدم فارس إلى المحمية خبراء بيئيين في أصناف الطيور والحيوانات التي تتلاءم مع موقعها بعدما تم تجهيزها بالأمكنة الملائمة لمبيتها كالمزارع، وبيوت الطيور، وزرائب الماعز، والأحصنة، والغزلان.
التلة المحمية
مع الوقت، شكّلت المحمية ملاذاًً آمنا للطيور المقيمة كالشحرور، والبلبل، والحسون، واستراحة للطيور المهاجرة بعيدا عن مرمى الصيادين مثل الحجل اللبناني، الfaisan، دجاج فرعون، الحمام، ال FLAMINGO، والحبش الابيض، والفري، والدجاج البلدي.
وزوّدت بيوت المحمية، بداية الطريق، بفقاسات وتجهيزات لإكثار الطيور، وأطلق فيها أعداد كبيرة من الطيور، وخصِّصن أمكنة فيها للنعام، مع فقاسات لبيوضها.
كما زوّدت المحميّة بمرصد للطقس يقيس اتجاه وسرعة الرياح، الرطوبة، وكميّات الأمطار.
وتحتوي المحميّة على أصناف متعدّدة من الحيوانات البريّة، وحوّطت بسور من الشريط القاسي الذي يمنع دخول الحيوانات المفترسة، مما مكّن من حماية أصناف ضعيفة من الحيوانات خصوصا الغزلان. و ابرزها: الغزال المتعدّد الأصناف، مثل الfellowdeer، وreddeer، وسيكا، والريم اللبناني المعروف ب Gazela,Gazela,Gazela المنقرض منذ مايزيد عن الخمسين عاما، إضافة إلى الأرنب البري، والسنجاب، والماعز، والقنفذ.
النباتات والزهور
تعج المحميّة بعشرات الاصناف من النباتات والزهور ابرزها: البربارة، القندول، الاقحوان البرّي، شقائق النعمان، بخور مريم، والنرجس.
وتتميّز بنبات "السيحان" الذي يزوّد النحل بالغذاء شتاء، ويعوّض النقص في رحيق الزهور والأشجار العطرية.
ومن النباتات الغذائيّة البريّة والمفيدة صحيّا: القصعين والصعتر المتعرضان لحملات اقتلاع من الجذور للتصدير إلى الخارج حيث يدخل القصعين في صناعة بعض العقاقير، والصعتر للحصول على زهرته بطريقة توفّر الوقت.
إضافة إلى الخبيزة، والزوفا، والبابونج، والختمية، والهيلون، والهندباء، وتوت العلّيق، والقطّيفة، والجرجير، ومختلف انواع الخضار البريّة.
البحيرة
قرب التل، أقيمت بحيرة اصطناعية من مياه الينابيع الطبيعية المجاورة، سعتها 75 ألف متر مكعب، شقت الطريق الواسعة حولها مع إنارة جميلة، ونباتات طبيعية مختلفة أضفت على المكان سحراً متجدداً. ونمت فيها الأسماك، ويعيش فيها البط والأوز، كما تستخدم مياهها لري بساتين البلدة.
أحيت المحميّة، خاصة البحيرة، المنطقة، وتحولت مقصد الناس من مختلف المناطق والبلدات، تجتمع عليه العائلات لتشكل نموذجا لحياة وطنية جامعة.
التلّ الآن
بعد حماية زادت على العشرين سنة حتى اليوم، عاد التلّ مكتسياً بأشجاره المختلفة، وغابت عنه البقع المجرّدة من الأشجار، وبات ملجأً للطيور العابر منها، والمقيم، وأعادت المحمية الكثير من التوازن البيئي النباتي والحيواني، وتحوّلت المنطقة-المحمية والبحيرة- إلى مساحة سياحية نظيفة ومرتبة قلّ نظيرها.