تقسيمات شعبية لحرارة الصيف: "تموز.. تغلي المياه بالكوز".. و"آب اللهّاب"
يعيش العالم اضطراباً مناخياً متعدّد العناصر والوجوه، وتسود بعض المناطق من العالم أجواء غير مسبوقة، مثل ارتفاع الحرارة في دول أوروبية بطريقة غير معهودة، ومثل انخفاض مستوى مياه الأنهار، أو ارتفاع مستوى الموج، وما شابه.
لا يختلف اثنان أنّ أسباب ارتفاع درجات الحرارة تكمن في الاحتباس الحراري الذي رفع حرارة الأرض أكثر من درجة، والذي حذّر العلماء من تفاقمه، ما يهدّد مناحي متعددة من الحياة البشرية، ومنها التصحّر، والفيضانات، والحرائق، وما يرافق ذلك من تداعيات.
رغم محاولات العديد من المرجعيات العالمية، وتحذيراتهم من مخاطر عدم ضبط الانبعاثات الدخانية المشبعة بثاني أوكسيد الكربون، وعناصر أخرى، لكنّ الدول الصناعية الكبرى ترفض اتخاذ تدابير تحدّ من الانبعاثات من مصانعها لأنّ من شأن ذلك تباطؤ الإنتاج، وبالتالي تراجع مستوى الربح، وعلى رأس البلدان الرافضة لضبط الانبعاثات الولايات المتحدة الأميركية.
انعكاس الاضطراب المناخي
ينعكس الاضطراب المناخي سلباً على مناحٍ كثيرة من الحياة، ويتأثر العالم العربي بصور متفاوتة من انعكاس الخلل المناخي، خصوصاً الارتفاع الكبير بدرجات الحرارة حيث تبلغ في بعض المناطق درجات غير مسبوقة قد تصل أحياناً إلى ما يزيد على الـ 50 درجة مئوية.
سكان بعض المناطق الجبلية في لبنان، والتي زاد ارتفاعها عن الـ 1000 متر عن سطح البحر، بدأوا مؤخّراً تجهيز منازلهم بمكيفات، بعد أن بلغت الحرارة عندهم مستويات لا تُطاق، واليوم، يعانون، كما المناطق كافة خصوصاً الساحلية، والداخلية.
في الواقع، فإن مستويات درجات الحرارة لم تختلف كثيراً عن السابق، وبقيت ضمن المعدلات السنوية، وإن كان ثمة تجاوز للمعدلات، فهي بمتسويات متدنية بحسب خبراء الطقس، لكن اللافت هذا العام هو امتداد الموجة لفترة طويلة بصورة استثنائية، فبينما كانت الموجة تمتد سابقاً أسبوعاً أو 10 أيام، ثم تتبدّل الحالة، سحبت موجة الحر هذا العام لأكثر من شهر، وطال أمدها منذ أواسط حزيران/يونيو وحتى غالبية أيام تموز/ يوليو، وهي مستمرة...
في المشرق العربي لم يأبه السكان سابقاً لموجات الحرّ الشديد لأنه أمر اعتيادي، ومحمول في ظل مناخهم المعتدل، خصوصاً أن قسماً كبيراً من المشرق جبليّ الطابع الذي يجعل المناخ لطيفاً، لذلك لم يولوا للحرّ حسابات الطقس والمناخ ومتغيّراته، كما اعتادوا على ذلك في الشتاء، حيث وضعوا تقسيمات مناخية استندت على تجارب السنين المتراكمة، ومنها تقسيم المناخ إلى قسمين شتاءً، أي "المربعانيات"، وهي 40 يوماً تبدأ في الـ 20 من كانون الأول/ديسمبر، ثم تليها "الخمسانيات"، وهي 50 يوماً، وتقسم إلى 4 "سعودات"، كل منها 12 يوماً ونصف اليوم.
أمّا العالم العربي الصحراوي الطابع، الممتد في شبه الجزيرة العربية وحتى بادية الشام، فترتفع الحرارة فيه إلى درجات كبيرة، لذلك عمد خبراؤه إلى تقسيم المناخ الصيفي على غرار تقسيمات موازية لتقسيمات الشتاء، ويتم التداول بها في الخليج، وبعض المناطق الواقعة شماله.
تقسيمات الصيف
فصل الصيف: يقسم، كما الشتاء، إلى قسمين:
١- "مربعانية الصيف": ومدتها 39-40 يوماً تبدأ من 21 حزيران/يونيو إلى نهاية شهر تموز/ يوليو، وتعرف بـ "مربعانية القيظ" وتبدأ بطلوع نوء الثريا، وتستمر لثلاثة أنواء:
-نوء الثريا (مجموعة نجوم): للثريا 6 نجوم، وأسماها العرب بالثريا لأنهم كانوا يستبشرون بشروقها، ويقولون إن المطر الذي يحدث أثناء شروقها أو غروبها يجلب الثروة. جوّ نوء الثريا جاف قليل الرطوبة، تزرع الخضار والبقوليات فيها، وبعض أنواع الحبوب.
-نوء الدبران: الدبران هي 7 أنجم تشبه شكل الدال، واحد منها مضيء أحمر عظيم النور يسمى الدبران. تشتد في هذا النوء الحرارة، وتسود الرياح الجافة المحمّلة بالغبار.
-نوء الهقعة: وهو عبارة عن 3 نجوم نيّرة يسمى أحدها، والعملاق منها، الهقعة. تشتد الحرارة، وتميل الشمس نحو الجنوب. رياحه حارة جافة مُغْبَرّة.
الزمن حالياً يقع ما بعد منتصف أربعينية الصيف المستمرة حتى نهاية شهر تموز/يوليو.
الخُمسانية الصيفية: مدتها 50 يوماً ، تبدأ من 1 آب/أغسطس، وحتى 21 أيلول/سبتمبر ، وعملياً هي 53 يوماً، وتقسم هذ الخمسانية إلى 4 سعودات. وبينما تقسم سعودات الشتاء إلى 12.5 يوماً، يبلغ سعود الصيف 13.25 يوماً، والسبب أن شباط/فبر اير شتاءً فيه نقص يومين عن بقية الشهور، وفي الصيف هناك شهرَا تموز/يوليو وآب/أغسطس وكل منهما 31 يوماً رغم أنهما شهران متتاليان.
" السعودات" هي :
-سعد اليباس : من 1 آب/أغسطس إلى 13 منه ، وفيه تيبس الزروع ، وينتهي الحصاد.
-سعد الشوب : من 14 آب/أغسطس وحتى 27 منه ، وفيه شدّة الحرارة الصيفية.
- سعد اللهاب : من 28 آب/أغسطس وحتى 9 أيلول/سبتمبر ، وفيه يقع عيد الجوزة.
- سعد الخبايا : من 10 أيلول/سبتمبر وحتى 21 منه ، ويتميّز بلطافة جوّه، ووقوع " الندى " الصباحيّ، وفيه نهاية "الخمسانية"، فيعتدل الجو، ويبدأ تساقط ورق الأشجار إيذاناً بقدوم الخريف.
أقوال مأثورة
علّق الناس على ظواهر الطبيعة بطرق مختلفة، وأبرزها بالأمثال ذات الطابع الفكاهي، ومن الأمثلة والأقوال في الصيف: "بتموز/يوليو بتغلي الميّ بالكوز"، و"آب اللهّاب"، وبحلول "عيد التجلّي" في 6 آب/أغسطس، يقولون: "عيد التجلّي بيقول للصيف ولّي".
ومن الرائج أنه بعد عيد الصليب في الرابع عشرمن أيلول/سبتمبر، يبدأ الطقس بالميل نحو الخريف، والبرودة، وبعض الأمطار، ويُقال إن الأفاعي تختفي بعد هذا التاريخ، كإشارة إلى بدء موسم السّبات الشتوي، وبداية موسم البرد.