سماح إدريس يغادرنا.. رحيل مبدع ومناضل
ردود الفعل تتوالى على رحيل الكاتب والعضو المؤسس في حملة مقاطعة داعمي "إسرائيل"، سماح إدريس. الميادين استطلعت رأي اثنين من رفاق إدريس المقربين، واللذين عرفاه من مجالات نضاله.
غيّب الموت سماح إدريس، الكاتب والمثقف البسيط والمتواضع، والمناضل في جبهات متعددة، الحائز شهادة دكتوراه في دراسات الشرق الأوسط من جامعة كولومبيا في نيويورك، وصاحب الكتب المتعددة في أدب الأطفال والناشئة والنقد الأدبي والترجمة، ورئيس تحرير مجلة "الآداب". وكان الراحل في صدد إصدار معجمٍ عربي، هو أحد المؤلفين الرئيسيين له.
كرّس إدريس للأطفال جُلَّ إبداعه، وخصوصاً أن الاهتمام بأدبهم قليل جداً في اللغة العربية، ونجح في الوصول إليهم من خلال قناته عبر "يوتيوب"، بحيث كان يقرأ قصصه لهم. وذهب إليهم في المعارض والمدارس ومخيمات اللجوء، متحدثاً في كتبه بلغةٍ فصيحةٍ غير بعيدةٍ عن العامية، من أجل كسر الهوَّة، لدى الأطفال، بين اللغة التي يسمعونها في يومياتهم واللغة التي يقرأونها.
سماح المثقف والإنسان
ترعرع سماح إدريس في بيروت بين الكتب، متأثراً بوالدته الكاتبة والمترجمة عائدة مطرجي، ووالده الأديب سهيل إدريس.
وبحسب الصحافي والناشط المدني غسان بن خليفة، في حديثه إلى الميادين نت، فإن "سماح حافظ على إرث سهيل إدريس، وهو مجلة الآداب العريقة". وأضاف أن "المجلة كانت، منذ بداياتها، تحمل خطاً قومياً تقدمياً، وسماح حافظ على هذا الخط وجدّده وأعطاه روحاً شبابية. هو من قلائل رؤساء التحرير المهووسين باللغة العربية، وبإتقان العمل، وكان يضيف كثيراً من القيمة إلى المقالات التي يحرّرها".
وبشأن المجهود والالتزام في عمل إدريس، قال بن خليفة "هو كتيبة من الأفراد وليس فرداً واحداً، لأنه عمل في جميع الجبهات، وليس في جبهة واحدة. في جبهة مواجهة التطبيع، وجبهة الدفاع عن اللغة العربية وتطويرها، من خلال المعجم الذي كان يعمل عليه، وعبر نشر الكتب لليافعين والأطفال". وأكَّد بن خليفة أن إدريس "مدرسة متكاملة، مدرسة من الالتزام الثوري، من الصدق، من المبدئية؛ مدرسة المحافظة على مبادئ جورج حبش".
وكان للمثقف الراحل نشاط واسع في مجال أدب الأطفال. فبحسب بن خليفة "كان يعمل للأجيال الجديدة، فيقص الروايات على الأطفال أسبوعياً في مخيم شاتيلا، في الملتقى الفلسطيني، وكان كثير الاهتمام بالأطفال لأنه كان يرى فيهم المستقبل".
ومن صفات سماح الإنسان أنّ "ذاكرته قوية، وهو صاحب نكتة وبسيط جداً". وتابع بن خليفة "في الأيام الأخيرة عندما التقيته، كان يتحدّث على نحو عاديٍّ جداً، ومعنوياته عالية. كان يرفع معنوياتنا، يحلّل ويناقش ويحدّثنا حتى عن مشاريع مستقبلية".
وختم الصحافي والناشط المدني غسان بن خليفة حديثه بالقول "كان سماح مثابراً، وكان يواجه الإحباط والاستسلام. لكل هذه الأسباب، كان شخصاً عزيزاً، ويمثّل لكثيرين قدوةً وأستاذاً".
نضالٌ من أجل فلسطين
وسماح إدريس عضو مؤسس لحملة مقاطعة داعمي "إسرائيل" في لبنان، لمواجهة التطبيع العربي مع "إسرائيل". ونعاه عمر البرغوثي، وهو صديق مقرّب إليه من فلسطين، وعضو مؤسس في حركة مقاطعة "إسرائيل" وسحب الاستثمارات منها، وفرض العقوبات عليها (BDS). وقال في حديث إلى الميادين نت إن "سماح صديقي ورفيقي المبدئي في النضال، منذ ما يقارب أربعة عقود، منذ دراستنا في جامعة كولومبيا في نيويورك".
وأضاف البرغوثي "تعاونّا في عدة مشاريع ثقافية - سياسية، وخصوصاً في ملفات لمجلة "الآداب"، واشتركنا في نضالنا في مجال مقاطعة "إسرائيل"، ومناهضة التطبيع مع هذا النظام الاستعماري والأطر والشركات الداعمة له". وتابع "رحل سماح وبقي إرثه ليلهمنا ويلهم مَن بعدنا".
وأكمل البرغوثي قائلاً "وفاءً لاسمه، جسّد سماح مفهوم التسامح والمحبة والدعم لمن اعتبره ضمن معسكر الأصدقاء، وكانت قضية فلسطين هي بوصلته الأهم في تحديد عضوية هذا المعسكر. وكما كان صديقاً ومحباً، كان أباً حنوناً وصخرة لكل من احتاج إلى سند. لكنه كان عنيداً، لا يرحم من اعتبره متهاوناً في النضال لهزيمة الاستعمار، من أجل فلسطين حرة وأمّة عربية حرة وكريمة. فلطالما دخل في سجالات، و"طُوِش" في وسائل التواصل الاجتماعي مع من يستحق ومن لا يستحق، ممن اعتبرهم خارجين عن معسكر الأصدقاء".
وعن حياة سماح، أوضح البرغوثي قائلاً "في ملفٍّ خاصٍّ أعدّه في مجلة "الآداب" عن المبدع الراحل ناجي العلي، اختار سماح عنوان: سحر الكرامة. وإن كان ذلك، في رأيي المتواضع، أجمل عنوان يليق بناجي العلي - الذي استشهد بسبب رفضه التنازل عن كرامته - فهو أيضاً أجمل وصف يختزل حياة سماح".
أمّا بالنسبة إلى ما قدَّمه إدريس إلى الثقافة العربية، سواء بشغله منصب رئيس تحرير مجلة "الآداب"، أو كونه نجل سهيل إدريس، فقال البرغوثي إنه "لا يمكن اختزال عطاء سماح الثقافيّ في بضعة أسطر. ولدى سماح، كمثقّف تقدميّ أصيل، لا تنفصل الثقافة عن بيئتها السياسية، ولا عن رسالتها الإنسانية. لذا، لم يقبل يوماً أيَّ تمويل لمجلة "الآداب" مشبوه أو مشروط أو ملوّث باضطهاد المستضعَفين، حتى في أحلك ظروفها المالية".
وأنهى الناشط الفلسطيني عمر البرغوثي حديثه إلى الميادين شارحاً "من رئاسة تحرير مجلة "الآداب" العريقة، وفتح صفحاتها لإبداعاتٍ فكريةٍ وثقافيةٍ وسياسيةٍ من الأمة العربية، إلى نقده العميق لمثقفي البلاط، بالمعنى التقليدي أو الحديث، النيوليبرالي، إلى مؤلفاته ورواياته للناشئة، كان سماح مثقفاً عضوياً، يساهم في سيرورة التحرر والتحرير بالقول والفعل وتطوير الفكر. وسيظل إرثه الفكري وإرثه النضالي يُلهمان هذه السيرور المستمرة نحو العدالة والحرية".