"حيّ".. شكل جديد لمقاومة التطرف
مركز "كريديف" في تونس يخطو بجرأة نحو الخروج من العمل البحثي الأكاديمي، إلى الفن كوسيلة لمخاطبة الشباب حول ظاهرة العنف والإرهاب. ماذا في التفاصيل؟
نظم "مركز البحوث والدراسات والتوثيق حول المرأة" المعروف بــ "كريديف" أمس الثلاثاء، ندوة صحفية لتقديم العمل الفني التوعوي وهو أغنية "حيّ" للفنان مهدي الصغير، والتي تلخص ما ورد في صفحات دراسة بحثية بخصوص ظاهرة التطرف العنيف.
وتقوم فكرة البحث الذي أنجزه المركز على دور الشباب من الجنسين في مقاومة ودحر التطرف العنيف في العديد من الجهات في تونس على غرار القيروان وجربة وولاية تطاوين.
واللافت في هذا الحدث هو أن أي تشخيص أولي يجعل القارئ أو الباحث يلاحظ أن البحوث تتحول عادة إلى كتب أو ورقات سياسية أو غيرها، فتبقى قراءتها مقتصرة على النخب أو قلة قليلة من الرأي العام المهتم بالموضوع، على عكس الروايات والجرائد، ومن هنا وردت الفكرة عند القيمين على المركز لملامسة مروحة واسعة من الجمهور من خلال الفن.
وقالت مديرة المركز نجلاء العلاني إن "المشروع يؤسس لثقافة المساواة بين الجنسين وتفسير ظواهر اجتماعية بمحمل فني".
وبحسب وحدة البحث في المركز فإنه يبدو بعد 7 سنوات من العمل البحثي على ظاهرة الإرهاب والتطرف، لم يحدث أي تأثير حقيقي وملموس، ولذلك صار الرهان هو كيفية الوصول إلى جمهور كبير وتحقيق نتائج محسوسة وفعل حقيقي بدلاً من التزام المركز بتقاليد بحثية. كأن يكون البحث من أجل البحث أو أن البحث هو نتيجة لظاهرة.
هكذا سعت المؤسسة إلى تحويل البحوث إلى سياسات عمومية وإلى المشاركة المجتمعية والرأي العام وعلى رأسه الشباب.
وأثبت البحث أن الشريحة العمرية المعنية بالأمر تقع بين 18 و35 سنة، الأمر الذي يحتم التوجه إليها باعتماد اللغة والوسيلة الأقرب، كالأفلام والأغاني والتسجيلات على تطبيقات مثل sound cloud أو "يوتيوب" وصولاً إلى الغرافيتي والرسوم لتصل الرسائل من خلال الثقافة.
وانتهج المركز مساراً نحو سوسيولوجيا الصورة وهي فكرة اجتهدت فيها المؤسسة، حيث قررت أن تضيف تفسيراً لظاهرة التطرف العنيف إلى الأغاني الشبابية التي تتمحور في معظمها عن الحب أو الهجرة أو ربما استهلاك المخدرات.
وذكرت العلاني أن "كريديف" يثمّن دور الثقافة في التغيير وقدرتها على إيصال الرسائل والتغيير الاجتماعي مثل جائزة زبيدة بشير التي انطلقت سنة 1995 وهي جائزة سنوية تقام تزامناً مع الاحتفال بــ "العيد الوطني للمرأة" في 13 آب/أغسطس، وهو "اليوم الوطني للمرأة" في تونس.
زإلى جانب تتويج أفضل الكتابات النسائية تم إستحداث جائزة جديدة هي "أفضل سيناريو للأفلام القصيرة" المخصصة للشباب من كلا الجنسين، وأضافت أن الهدف من إحداث الجوائز والانتاجات هو إثراء المشهد الثقافي وتحفيز الشباب على الإبداع والمشاركة مهما تنوعت محامل مختلفة.
وأنتجت "كريديف" في العام 2020 فيلم "بسكلات" وكان أول فيلم من إنتاج هذا المركز منذ تأسيسه، وقد جاء بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان في إطار البرنامج المشترك لتحسين خدمات التعهد بالنساء والفتيات ضحايا العنف.
أما بالنسبة لأغنية "حي" فأشارت العلاني إلى أن هذا العمل الفني التوعوي لمهدي الصغير "يهدف إلى ترسيخ ثقافة السلم والمواطنة وإخراج الكريديف من صورة تقديم البحوث للنخبة الضيقة نحو أفق الجمهور العريض وشرائحه المختلفة"، مؤكدة أنه "ليس غريباً على المركز الاشتغال على مجال البحوث، إلا أن المسار الذي اعتمده منذ سنوات يتجه نحو التركيز على البعد الثقافي والتبسيط لتفسير الظواهر وتسليط الضوء على أسبابها".
وستعرض "حي" على وسائل الإعلام المختلفة والمؤسسات التربوية لما تحمله من رمزية دور التنشئة الاجتماعية في مقاومة التطرف العنيف والوقاية منه كعملية استباقية.
وحول الاستعانة بالشباب قالت العلاني إنها ليست المرة الأولى التي يسعى فيها المركز لتطوير آليات عمله وقد أثبتت التجربة أهمية ذلك اقتراناً بضرورة تحيين وتنويع المحامل باختلاف مواضيع البحوث والجمهور المستهدف، وختمت بالقول إن "المحمل القادم قد يكون المسرح".
من جانبه، يضع مهدي الصغير المعروف باسم "سي المهف" وهي تعني باللهجة التونسية شديد الذكاء، يضع الرهان بالاشتغال على قضية التطرف العنيف مع مركز البحوث بتاريخ الكريديف، رغم أنه كان من فناني الثورة بإنتاج أغنيته "واقف عالبلار" التي عرفت رواجاً كبيراً آنذاك، وفي رصيد الفنان الشاب ألبومات على غرار ألبوم "أبدايت" و"حس" و"خارج المحيط".
وذكر "سي لمهف" في كلمة ألقاها خلال الندوة أن اختيار الموسيقى والكلمات جاء بعد قراءة وتمحيص للبحث، فحاولت الفرقة الموسيقية بعد ذلك ترجمته بلغة تصل إلى كافة الشرائح العمرية والاجتماعية.
وأضاف أن سيناريو الفيديو كليب تمت كتابته بالشراكة مع "كريديف" بكلمات محددة ومختارة بعناية حتى يتماهى مع الموسيقى لبلوغ الهدف المرجو، وهو تشريك الجمهور في معالجة الظاهرة.
وتعرض فكرة الأغنية لدور المرأة بصفتها الساهرة الأولى على التنشئة الاجتماعية والثقافية للأطفال، وتتلخص فكرة الفيديو كليب أيضاً حول أهمية الحفاظ على الشباب وحياتهم وانقاذهم من اغراءات المال والتغرير بهم نحو صفوف الارهاب، ولعل ما حدث إبان مع تونسيين سافروا للالتحاق بتنظيمات إرهابية مثل "داعش" وغيره خير دليل على ذلك.
من جهته ثمّن ممثل وزارة المرأة والأسرة وكبار السن نبيل ولاة الحاضر نيابة عن الوزيرة آمال موسى، ثمّن هذه المبادرة والتفكير في إحداث ديناميكية في عمل المركز، ثم ذكر أنه يمكن إنتاج نسخ من المشروع والبحث في إطار العمل على التقاطع بين البعد الثقافي والمساواة والتشاركية وبين الفنانين ومراكز البحوث.