غاليانو.. "صيّاد القصص" مهووس بإحياء ماضي أميركا اللاتينيّة
يقول إنه كاتب مهووس بالتذكّر، وبخاصة تذكر ماضي أميركا اللاتينيّة المحكوم عليها بالنسيان. من هو إدواردو غاليانو الذي شكّل صوتاً مزعجاً للرأسمالية والديكتاتوريات العسكرية؟
حظيَ إدواردو غاليانو (1940 – 2015) باهتمام نقدي أقلّ بكثير مقارنة مع غيره من عمالقة أدب أميركا اللاتينية. يعود هذا الأمر من جهة إلى شكل الكتابة الذي اختاره، أو إلى عدم وجود شكل واحد. في أعماله اللاحقة على وجه الخصوص، مزج بين الروبورتاج والحكاية والتاريخ والأسطورة والشهادة والرحلات.. في كتاب واحد. كما يعود ذلك أيضاً إلى حرص غاليانو على ربط طموحاته الأدبية بسياسته الراديكالية، والتي شعر بعض القرّاء- ولا سيما النقّاد في العالم الناطق بالإنكليزية - أنها كانت صريحة ومثيرة للجدل.
جعلت منه، مواقفه الراديكالية، شاهداً مميّزاً على العديد من نقاط التحوّل الرئيسية في سياسات أميركا اللاتينية على مدار ال 75 عاماً الماضية. حتى عندما سعى إلى استحضار هويّة مشتركة لشعوب قارّة عنّفت ولكنها لم تذعن، فإن سيرته الذاتية رسمت تاريخ المنطقة.
***
ولِدَ الكاتب والصحافي والشاعر والرسّام الأوروغوياني إدواردو هيوز غاليانو Eduardo Hughes Galeano لعائلة من أصول أوروبية مختلطة. كانت الفترة التي نشأ فيها - من أواخر الأربعينيات إلى أوائل الستينيات - تمثّل ذروة ما عرف بالاقتصاد "التنموي".
خلال هذه الحقبة، نفّذ العديد من حكومات أميركا اللاتينية، ولا سيما حكومة خوان پيرون في الأرجنتين، تجارب قومية في بناء البنية التحتية المحلية وحماية الأسواق الداخلية، واستبدال التصنيع المحلي بالواردات. وشكّل المخروط الجنوبي بؤرة للتنمية، حيث ضمّت الأرجنتين وأورغواي وتشيلي طبقات وسطى كبيرة بشكل غير عادي، ما شكّل اعتقاداً لدى نخب هذه البلدان إلى أنها متساوية مع الدول الأوروبية الصاعدة.
كان غاليانو تلميذاً موهوباً ونشطاً. ترك المدرسة الثانوية بعد عامين فقط وسرعان ما أصبح صحافياً. في سن الرابعة عشرة، نشر رسوماً كاريكاتورية سياسية في صحيفة إل سول El Sol الاشتراكية. وفي سن العشرين، عيِّن مديراً عاماً ل"مارشا Marcha "، وهي صحيفة أسبوعية مرموقة في الأوروغواي. كما أسَّس أيضاً صداقة مع سياسي تشيلي صاعد آنذاك يدعى سلڤادور أليندي.
تقول إيزابيل الليندي: كان كتاب "الأوردة المفتوحة لأميركا اللاتينيّة"، واحداً من كتابين فقط، إلى جانب بعض الملابس، وصور عائلية وحقيبة صغيرة فيها قليل من تراب حديقتي، من ضمن ما أخذته معي أثناء هروبي من تشيلي بعد أن استولى پينوشي على السلطة.
بحلول الستينيات، كانت هناك إشارات مزعجة بأن دولة الأمن القومي الاستبدادية آخذة في الازدياد في أميركا اللاتينية، وأن الصحافة الحرّة ستصبح واحدة من أولى ضحاياها.
بسبب كتاباته وآرائه، سرعان ما وجد غاليانو نفسه معتقلاً في مونتيفيديو. كتب قائلاً: "وضعوني في سيارة.. نقلوني وحبسوني في زنزانة.. حفرت إسمي على الحائط.. سمعت صرخات في الليل.. كانت أياماً.. كنت دائماً محظوظاً".
بعد ذلك بوقت قصير، غادر الأوروغواي هرباً أولاً إلى الأرجنتين ــ حيث ساعد في تأسيس وتحرير مجلة كريزيس Crisis ذات النفوذ، ثم بعد أن سيطر الجيش على السلطة في ذلك البلد - وبعد ثلاث سنوات، رحل إلى إسبانيا. إجمالاً، قضى غاليانو ما يقارب من 12 عاماً في المنفى.
"إن كتاب "الأوردة المفتوحة لأميركا اللاتينيّة"، تحكي الكاتبة إيزابيل الليندي، "كان واحداً من كتابين فقط، إلى جانب بعض الملابس، صوَر عائلية وحقيبة صغيرة فيها قليل من تراب حديقتي - من ضمن ما أخذته معي أثناء هروبي من تشيلي بعد أن استولى بينوشي على السلطة".
من جانبه، أبدى غاليانو سعادته بالزعم أن الرقابة الحكومية كانت أفضل المروّجين لعمله. في كتابه "صيّاد القصص"، كتب قائلاً، إنه كان من حُسن حظ كتاب "الأوردة المفتوحة لأميركا اللاتينيّة" أن نال ثناءً كبيراً من طرف العديد من الديكتاتوريات العسكرية التي حظرته. الحقيقة هي أن هذا ما منح الكتاب مكانة مرموقة".
من خلال وضع كل أميركا اللاتينية داخل اقتصاد سياسي مشترك، تكشف "الأوردة المفتوحة لأميركا اللاتينيّة" كيف أنه تمّ - خلال خمسة قرون من النهب من قِبَل الغزاة الأوروبيين والشركات الأميركية - استخراج الموارد الطبيعية الوفيرة في المنطقة لإثراء عدد قليل من النخب المحلية والعديد من المصالح الأجنبية. من شرايين المنطقة تدفّقت فضّة پوطوسي وذهب أورو پريطو ونترات پامپّاس في تشيلي وسكّر جزر الكاريبي.
في منفاه، حقّق غاليانو بعضاً من أعظم نجاحاته الإبداعية. خلال هذه الفترة كتب مذكّرات مؤثّرة عن فترة "الحرب القذرة"، تحت عنوان "أيام وليالي الحبّ والحرب"، التي تبدأ باقتباس من كارل ماركس، يقول فيه : "في التاريخ، كما في الطبيعة، التعفّن هو مصدر الحياة"، وهو قول لطالما أحببته بسبب التفاؤل الذي يشعّ منه. عندما ترجم الكتاب إلى الألمانية، سألني المترجم، الذي كان يعرف أعمال ماركس من الألف إلى الياء، من أين أخذت هذه الجملة، لأنّه لم يتذكّرها ولم يستطع تحديد مكانها في أيّ كتاب".
أبدى غاليانو سعادته بالزعم أن الرقابة الحكومية كانت أفضل المروّجين لعمله. وقال إنه: "كان من حُسن حظ كتاب "الأوردة المفتوحة لأميركا اللاتينيّة" أن نال ثناءً كبيراً من طرف العديد من الديكتاتوريات العسكرية التي حظرته. الحقيقة هي أن هذا ما منح الكتاب مكانة مرموقة".
"يجب أن أشير إلى أنني واحد من الكائنات الحيّة النادرة التي قامت بهذه الإنجازات الأربعة: قرأت كلاً من الكتاب المقدّس ورأس المال من الغلاف إلى الغلاف؛ عبرت كلاً من لوس آنجلس ومكسيكو سيتي مشياً من أقصاهما إلى أقصاهما. اعتقدت أنّ هذه العبارة كانت في رأس المال، بحثت عنها أيضاً، لكن من دون جدوى. ومع ذلك، كنت متأكّداً من أنّ ذاكرتي لم تخنّي في هذا التركيب المثاليّ للفكر الديالكتيكيّ للملتحي الألماني العظيم، لذلك قلت للمترجم:ـ "العبارة لماركس، لكنّه نسي أن يكتبها". (غاليانو، صيّاد القصص).
بعد وقت قصير من نشر "الأوردة المفتوحة لأميركا اللاتينيّة"، أصبح غاليانو مقتنعاً بأن الاقتصاد السياسي منحه نظرة ضيّقة للغاية. كتب قائلاً: "أنا لست نادماً"، "ومع ذلك أخشى أن "الأوردة المفتوحة لأميركا اللاتينيّة" قد تختزل التاريخ في بُعد اقتصادي واحد. وإذا كنت أقصد بالتاريخ الواقع - ذاكرة حيّة للواقع - فأنا أقصد.. حياة تغني بأصوات متعدّدة".
من بين أهمّ أعمال غاليانو كانت سلسلة طويلة من المقالات القصيرة التاريخية، نشرت في ثلاثة أجزاء بين عامي 1982 و 1986 تحت عنوان "ذاكرة النار" وهي عبارة عن 3 أجزاء لتاريخ الأميركيتين (وأحياناً لندن ومدريد)، يتمّ سردها عاماً بعد عام في سلسلة رائعة من الحكايات.
يغطّي الجزء الأول - الذي نشر في مدريد عام 1982 تحت عنوان "سفر التكوين"، عندما كان لا يزال في إسبانيا - فترات ما قبل كولومبوس والتاريخ اللاحق حتى عام 1700. ويتناول الجزء الثاني، وجوه وأقنعة(1984) القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، بينما يواكب الجزء الثالث، المُعنوَن بـــ "قرن الريح" (1986)، القصة حتى يومنا هذا.
"ولِدَت ثلاثيّة "ذاكرة النار" من قصيدة لقسطنطين كڤافيس. وأنا أقرأ شاعر الإسكندرية اليونانيّ العظيم، أخذت تحدّيه على محمل الجدّ: لماذا لا أنظر إلى العالم عبر ثقب مفتاح؟ لماذا لا أكتب قصّة الماضي الكبيرة من خلال المحكيات الصغيرة؟ في قصيدة كفافيس، يروى انتصار مارك أنتوني في اليونان من وجهة نظر تاجر فقير ممتطياً حماره، يحاول بيع شيء ما، ولا أحد يعيره اهتماماً". (غاليانو، صيّاد القصص)
كانت "ذاكرة النار" محاولة من غاليانو لالتقاط هذه الأصوات وتقديم الأميركيتين بكل تنوّعهما المترامي الأطراف. ولتنظيم جوقته الكبيرة، تبنّى شكلاً أدبياً جديداً، وجمع تاريخاً موسّعاً وانطباعياً لنصف الكرة الأرضية في مئات الحلقات القصيرة، معظمها أقلّ من صفحة واحدة.
"أنا كاتب مهووس بالتذكّر، بتذكّر ماضي أميركا قبل كل شيء، وقبل كل شيء ماضي أميركا اللاتينيّة، الأرض الحميمة المحكوم عليها بالنسيان". (غاليانو)
في التسعينيات، مكّنته انتقاداته من أن يصبح صوتاً واضحاً في حركة العدالة العالمية الناشئة، والتي عبّر عن منظورها العام في كتابه "مقلوب رأساً على عقب: مدرسة العالم بالمقلوب".
يقدّم غاليانو نفسه كمساهم في محاولة لإنقاذ سكان المنطقة من فقدان الذاكرة القسري. في صميم رؤيته للبلدان الأميركية كانت الفكرة، أو ربما الأمل، أن هناك إمكانات تحرّرية في أعمق ذكريات القارّة. كتب في وقت لاحق في "كتاب العناق"، قائلاً: "الجماعة - النمط الجماعاتي للإنتاج والحياة - هو أقدم التقاليد الأميركية". "إنها تنتمي إلى الأيام الأولى والشعوب الأولى، ولكنها أيضاً تنتمي إلى الأزمنة المقبلة وتتوقّع عالماً جديداً.. من ناحية أخرى، الرأسمالية أجنبية: فهي مثل الجدري، مثل الأنفلونزا، أتت من الخارج"...
كان من الممكن أن يكون كل من كتابيّ "الأوردة المفتوحة لأميركا اللاتينيّة"، و"ذاكرة النار"، بطريقتهما الخاصة، كافيين لمعظم الوظائف. لكن غاليانو استمر في الكتابة لثلاثة عقود أخرى، وتفرّغ لفن المقالة القصيرة. يمكن القول إن "كتاب العناق" هو بلا شكّ أفضل مثال على هذا الأسلوب: تركيب لتجارب غاليانو السابقة. بين مقاطع سيرته الذاتية، أدرج غاليانو رسومات تاريخية، وتحليلات سياسية، وقصائد نثرية، وحكايات نقلها إليه آخرون، وكلها مقدَّمة في شكل لقطات مختصرة. كتبت الكاتبة الأميركية من أصل مكسيكي ساندرا سيسنيروس في تكريم غاليانو، قائلة "ما أجده رائعاً، في قراءتي لأعمالك، هو عدم قدرتي على تصنيف ما أقرأه". اختلاط اليوميات والتاريخ والشهادة والتعليق.
تمّ تنظيم بعض أعمال غاليانو اللاحقة حول موضوعات محدَّدة، من قبيل "كرة القدم في الشمس والظل"(1995) ومرايا (2008)، والتي وسّعت مشروع "ذاكرة النار" ليشمل تاريخ العالم. حتى أكثر من معظم الأعمال الفنية، يمكن القول إن الآلاف من المقالات القصيرة يمكن اعتبارها عملاً منفرداً. ليست كل هذه اللقطات فعّالة بنفس القدر: في لحظاته الأضعف، يمكن أن يكون غاليانو عاطفياً، أو عادياً، أو محرِّضاً بشكل فظّ، ومن الأفضل قراءة نصوصه جنباً إلى جنب مع القصص الأخرى. ولكن في كثير من الأحيان، تقدّم مقتطفاته ذات الألوان المتغيّرة تقلّبات ومنعطفات جديدة وتثير فضول القارئ حول القصّة، سواء كانت معروفة أو مجهولة.
في كل أعماله اللاحقة، احتفظ غاليانو بإحساس قوي بالالتزام السياسي. عندما عاد إلى الأوروغواي في منتصف الثمانينيات، جاء مرتاباً من القيود التي تمّ فرضها على الديمقراطيات المستعادة حديثاً في المنطقة. كانت البلدان الخارجة من الحكم العسكري مثقلة بالديون وتخضع لإملاءات "صندوق النقد الدولي"، الذي كان يتحكّم في حصولها على الائتمان الدولي. تبنّى العديد من هذه الحكومات الجديدة دور إدارة برامج التقشّف والخصخصة والأسواق المفتوحة. لقد بدأ عصر العولمة النيوليبرالية.
في التسعينيات، مكّنته انتقاداته من أن يصبح صوتاً واضحاً في حركة العدالة العالمية الناشئة، والتي عبّر عن منظورها العام في كتابه "مقلوب رأساً على عقب: مدرسة العالم بالمقلوب". حضر لقاء زاباتيستا الأول في عام 1996، وكان شخصية بارزة في المنتديات الاجتماعية العالمية في بورتو أليغري في بدايات عام2000. بينما كان حضورغاليانو مرغوباً في تلك السنوات، لم يقدّم نفسه كمتحدّث رسمي أو حتى كصحافي. بدلاً من ذلك، فضّل أن يقدّم نفسه كراوٍ للقصص.
"لم أحظ بفرصة مقابلة شهرزاد، ولم أتعلّم أيضاً فنّ الحكي في قصور بغداد. كانت جامعاتي هي المقاهي القديمة في مونتيفيديو.كل ما أعرفه تعلّمته من رواة قصص مغمورين". (غاليانو، صيّاد القصص )
كان غاليانو شخصية جذَّابة، ويتمتَّع بشعبية في المحافل السياسية والصحافة المكتوبة، مع حماس لا يكلّ، وإن كان حزيناً في بعض الأحيان، للاشتراكية والتحرّر الوطني. كصحافي، أجرى مقابلات مع معظم الشخصيات الشهيرة في القارّة، بما في ذلك فيدل كاسترو، پيرون، تشافيز وسلفادور ألليندي، الذي كان صديقاً مقرَّباً.
عندما توفّى غاليانو في العام 2015 عن عُمر يناهز 74 عاماً، أرسل عدد من قادة المنطقة تعازيهم لعائلته. ذكر الرئيس البوليفي إيفو موراليس، أنه عندما سافر آخر مرة إلى مونتيفيديو، توقّف مع خوسي موخيكا لرؤية غاليانو، في إطار زيارة مجاملة بسيطة بين كاتب ورئيسي دولة.
***
نصوص
رائد الرأسماليّة
إنكلترا، هولندا، فرنسا ودول أخرى مدينة له بتمثال. جزء كبير من سلطة الأقوياء يأتي ممّا سرقه من ذهب و فضّة، ممّا أحرقه من مدن، ممّا نهبه من سفن شراعيّة وممّا اصطاده من عبيد.
يجب على أمهر نحّات أن ينحت مجسَّماً لهذا الموظّف المسلّح للرأسماليّة الناشئة: سكّين بين أسنانه، رقعة على عينه، ساق خشبيّة، خطّاف في يده وببّغاء على كتفه.
***
فيلسوف الحرّية
مرّت قرون ومازال تأثير الفيلسوف الإنكليزي جون لوك على الفكر العالميّ يتزايد. لا عجب في ذلك. فبفضل لوك، نعلم أنّ الله أهدى العالم إلى ملاّكه الشرعيّين، "المجتهدين والعقلاء".
كان لوك هو من وضع الأساس الفلسفيّ لحرّية الإنسان في جميع أبعادها: المشاريع الحرّة، التجارة الحرّة، المنافسة الحرّة، التعاقد الحرّ والطرد من العمل.
وحرّية الاستثمار كذلك. أثناء كتابته لـــ "مقالة في الفَهْم الإنساني"، ساهم لوك في فَهْم الإنسان من خلال استثمار مدّخراته في شراء مجموعة من الأسهم في شركة "رويال أفريكان".
كانت هذه الشركة، المملوكة للتاج البريطانيّ و"المجتهدين والعقلاء"، تصطاد وتأسر العبيد في أفريقيا وتبيعهم في أميركا.
وفقًا لشركة "رويال أفريكان"، فإنّ جهودها ضمنت "إمداداً ثابتاً وكافياً من الزنوج بأسعار معقولة".
***
عادات همجيّة
ظلّ الغزاة البريطانيّون في حيرة من أمرهم. أتوا من أمّة متحضِّرة حيث كانت النساء مِلكاً لأزواجهنّ وتدنّ لهم بالطاعة، كما يوصي بذلك "الكتاب المقدّس"، ولكن في أميركا وجدوا الأمر مختلفاً تماماً.
اشتبهوا في أنّ نساء قبيلة الإيروكوا كنّ فاسقات، حيث كانت لهنّ آراءهنّ وممتلكاتهنّ الخاصّة. وكان لهنّ الحقّ في الطلاق والمشاركة في صنع القرار المجتمعي، لدرجة لم يكن للأزواج حتى الحقّ في معاقبتهنّ.
لذا لم يعد بمقدور الغزاة البيض النوم بسلام، خوفاً على نسائهم من عدوى عادات المتوحّشين الوثنيّين.
***
الحذاء
في عام 1919، اغتيلت الثوريّة روزا لوكسمبورغ في برلين. ضربها قَتَلَتها بالبنادق وألقوا بها في قناة مياه.
على طول الطريق، فقدت فردة حذائها. التقطت يد ما فردة الحذاء الملقاة في الوحل. تاقت روزا إلى عالم لا تتمّ فيه التضحية بالعدالة باسم الحريّة، ولا بالحريّة باسم العدالة.
كل يوم، تلتقط يد ما هذه الراية. التي سقطت في الوحل كفردة الحذاء.
***
1967 مضيق يورو، سقطة تشي
رصاص رشّاش يكسّر ساقيه. يجلس ويواصل القتال حتى تطير بندقيّته من بين يديه.
يتشاجر الجنود على ساعته، مطرته، حزامه وغليونه. يستنطقه عدّة ضبّاط، الواحد تلو الآخر. يلزم تشي الصّمت بينما دمه يتدفّق. نائب الأميرال أوغاريتشي، الذئب البرّي الجسور، قائد البحريّة في بلد بلا بحر، يهينه ويهدّده. يبصق تشي في وجهه.
من لاباث، يأتي الأمر بتصفية الأسير. يخترقه طلق ناريّ. يموت تشي بالرصاص، بالخيانة قبل أيام قليلة من عيد ميلاده الأربعين، وهو العُمر نفسه الذي مات فيه زاباتا وساندينو، بالرصاص والخيانة أيضاً.
في بلدة إغيراث الصغيرة، يقدّم الجنرال باريينتوس غنيمته للصحافيّين. يتمدّد تشي في حوض غسيل. تقتله أضواء الكاميرا للمرّة الأخيرة. كانت على وجهه نظرة اتهام وابتسامة حزينة.
***
في ولادة الهيمنة الذكوريّة *
في الأزمنة البعيدة جلست النساء في مقدّمة القارب والرجال في مؤخّرته. كانت النساء هنّ مَن يصطدن الحيوانات والأسماك. غادرن القرى وعدن متى استطعن أو أردن. أمّا الرجال فبنوا الأكواخ، وأعدّوا الوجبات، وأبقوا على النيران مشتعلة ضدّ البرد، واعتنوا بالأطفال، ودبغوا الجلود لارتدائها.
هكذا كانت حياة هنود الأونا والياگان في تيّيرّا ديل فويغو، إلى أن جاء يوم قتل فيه الرجال جميع النساء وارتدوا الأقنعة التي اخترعتها النساء لإخافتهم.
وحدّهنّ الفتيات حديثات الولادة نجون من الإبادة. وبينما هنّ يكبرن، استمرّ القَتَلة في إخبارهنّ بأنّ قدرهنّ خدمة الرجال. صدّقن ذلك. صدّقته بناتهنّ أيضاً، وكذلك بنات بناتهنّ.
***
وجهات نظر/ 6
لو كانت حوّاء هي من كتبت سفر التكوين، فماذا كانت ستقول عن الليلة الأولى من الحبّ البشريّ؟
كانت ستبدأ بتوضيح أنّها لم تولد من ضلع أحد، ولم تقابل أيّة أفعى، ولم تقدّم تفّاحاً لأحد، وأنّ الله لم يقل لها قطّاً إنّ الولادة ستؤلمها أو أن زوجها سيتحكّم فيها. وأنّ كل هذه القصص كانت مجرّد أكاذيب قالها آدم للصحافة.
***
استلاب/ 1
كنت في شبابي صرّافاً في بنك. ومن بين زبائن هذا البنك أتذكّر صانع قمصان كان المدير يجدّد قروضه من باب الشفقة.
كان هذا الصانع المسكين دائماً على حافّة الإفلاس. لم تكن قمصانه رديئة، ولكن لم يشترها أحد.
ذات ليلة، زار ملاك صانع القمصان. ولمّا استيقظ ذلك الصباح كان قد فَهِم اللعبة. قفز من سريره، وكان أوّل شيء فعله هو تغيير إسم شركته إلى أوروغواي سوثييداد أنونيما Uruguay Sociedad Anónima ، وهو إسم وطنيّ، مكوّن من الحروف الأولى: U.S.A. وعلى ياقات قمصانه خاط ملصقات مكتوب عليها، وبكل صدق، صنع في الولايات المتّحدة الأميركية. بعدها باعها بسرعة كبيرة جداً، ثمّ سدّد ديونه وكسب الكثير من المال.
***
جوع/ 2
نظام الفرز: وحده الثور يلعق نفسه بشكل أفضل.
جارك ليس أخاً لك أو حبيباً. جارك منافس، عدوّ، عقبة يجب تخطّيها أو أداة للاستخدام.
النظام الذي لا يوفّر الطعام، لا يوفّر الحبّ أيضاً: كثيرون هم الذين حكم عليهم بالجوع بسبب نقص في الخبز وآخرون كثيرون بسبب نقص في العناق.
***
أفريقياي
26 فبراير
في نهاية القرن التاسع عشر، اجتمعت القوى الاستعمارية الأوروبية في برلين لتقسيم أفريقيا.
كان الصراع طويلاً ومحتدماً على الغنائم الاستعمارية، والغابات، والأنهار، والجبال، والأراضي، وباطن الأرض، إلى أن رسّمت حدود جديدة، وفي مثل هذا اليوم من عام 1885 تمّ التوقيع على قانون عام "باسم الربّ العظيم."
كان اللوردات الأوروبيون يتمتّعون بذوق جيّد ناهيك عن الذهب والماس والعاج والزيت والمطّاط والقصدير والكاكاو والقهوة وزيت النخيل.
منعوا تسمية العبوديّة باسمها.
أطلقوا على الشركات التي زوّدت السوق العالمية باللحم البشريّ إسم" مؤسّسات خيريّة."
ونبّهوا إلى أنّهم تصرّفوا بدافع الرغبة في "تعزيز تنمية التجارة والحضارة."
وحتى لا تحوم حول الأمر أدنى ريبة، أوضحوا أنّهم اهتمّوا ب"تعزيز الرّفاهية المعنوية والمادّية للسكّان الأصليّين."
وهكذا رسمت أوروبا خريطةً جديدةً لأفريقيا.
لم يحضر تلك القمّة ولو أفريقيّ واحد، ولا حتى على شكل ديكور.
***
المقصلة
3 نوفمبر
ليس الرجال وحدهم مَن قطعت المقصلة رؤوسهم. النساء أيضاً قطعت رؤوسهنّ ونسيتهنّ، لأنّهنّ لم تكنّ بنفس أهمّية ماري أنطوانيت.
هذه ثلاث حالات نموذجيّة:
قطعت الثورة الفرنسيّة رأس أوليمبيا دو غوج في عام 1793 حتى لا تعد تؤمن بأنّ النساء مواطنات أيضاً؛
وفي عام 1943، أعدمت ماري لويز جيرو لقيامها بعمليات إجهاض "باعتبارها أعمالاً إجراميّة ضدّ الأسرة الفرنسيّة"؛
وفي نفس العام، في ميونيخ، قطعت المقصلة رأس الطالبة صوفي شول لتوزيعها منشورات مناهضة للحرب ولهتلر.
" من المؤسف أن أرحل في يوم مشمس جميل كهذا"، قالت صوفي لحظة إعدامها.
***
من نار إلى أخرى
2 يناير
في مثل هذا اليوم من عام 1492 سقطت غرناطة، وسقطت معها إسبانيا المسلمة.
انتصرت محاكم التفتيش المقدّسة: كانت غرناطة آخر مملكة إسبانية يمكن أن تتعايش فيها المساجد والكنائس والكنس جنباً إلى جنب في سلام.
في نفس العام بدأ غزو أميركا، عندما كانت لا تزال لغزاً غامضاً.
وفي الأعوام التي تلت ذلك، في محارق بعيدة، التهمت نفس النار كتب المسلمين واليهود والشعوب الأصليّة في أميركا.
كانت النار هي المصير الوحيد لكلمات ولِدَت في الجحيم.
***
العار
3 ماي
في مثل هذا اليوم من نهاية عام 1979، غزت القوات السوڤياتيّة أفغانستان. كان التبرير الرسميّ هو الدفاع عن حكومة علمانيّة تحاول تحديث البلاد.
كنت أحد أعضاء المحكمة الدوليّة التي تولّت القضيّة في ستوكهولم عام.1981
لن أنسى أبداً الذروة الدراميّة لتلك الجلسات.
كانت هناك شخصية دينيّة قياديّة، تمثّل الأصوليّين الإسلاميّين المعروفين في ذلك الوقت باسم "مقاتلي الحرّية" والذين تطلق عليهم الآن صفة "إرهابيّين"، تدلي بشهادتها، وتصرخ:
" لقد لطّخ الشيوعيّون شرف بناتنا! علّموهنّ القراءة والكتابة!"
***
جحيم
28 يونيو
في مثل هذا اليوم من عام 960، غزا المبشّرون المسيحيّون الدّول الإسكندناڤية وهدّدوا الڤايكينغ، قائلين: إذا استمرّيتم في عاداتكم الوثنيّة، سيكون مصيركم الجحيم حيث تشتعل النيران الأبديّة.
رحّب الڤايكينغ بالخبر السار
كانوا يرتجفون من البرد، وليس من الخوف.
***
دين شخص آخر
14 ماي
في مثل هذا اليوم من عام 1948 ولدت دولة إسرائيل.
في غضون بضعة أشهر، رحّل أكثر من 800 ألف فلسطينيّ، وحوّلت أكثر من 500 قرية إلى ركام.
تلك القرى، حيث نمت أشجار الزيتون والتين واللّوز وأشجار مثمرة أخرى، هي الآن مدفونة تحت الطرق السيّارة ومراكز التسوّق ومدن الملاهي. محيت ولم تتمّ تسميتها على الخريطة التي أعادت لجنة الأسماء الحكوميّة تسميتها.
لم يبق الكثير من فلسطين. تمّ التذرّع بألفي سنة من الاضطهاد الذي عانى منه الشعب اليهوديّ لتبرير هذا الجشع العنيد، مصحوباً بسندات ملكيّة ممنوحة من التوراة بسخاء.
لطالما كان اضطهاد اليهود رياضةً أوروبيةً. واليوم، يدفع الفلسطينيّون الفاتورة.
***
الرأسمال
14 مارس
في مثل هذا اليوم من عام 1883، حضر حشد من الناس جنازة كارل ماركس في مقبرة في لندن. كانوا أحد عشر شخصاً بما في ذلك متعهّد الدفن.
على شاهدة قبره نقش أحد أشهر أقواله:
" كل ما قام به الفلاسفة هو تفسير العالم بطرق مختلفة، لكنّ المهمّ هو تغييره".
قضى نبيّ التغيير العالميّ هذا حياته هارباً من الشرطة ودائنيه.
قال معلّقًا على رأسماله:
"لا أحد كتب كثيراً عن المال بهذا القدر الضئيل من المال".
ولن يعوّضني الرأسمال حتى عن ثمن السيجار الذي دخّنته وأنا أكتبه.
***
أصل منظّمة التجارة العالميّة
كانوا بحاجة إلى إله للتجارة. ومن على عرشه في أوليمپّوس، قام زيوس باختبار عائلته. لم يكن عليه أن يفكّر طويلاً. كان هيرميس هو الإله المناسب لهذه المهمّة.
أعطاه زيوس صندلاً بأجنحة ذهبيّة صغيرة وكلّفه بتعزيز تبادل السّلع، توقيع المعاهدات وحماية التجارة الحرّة.
اختير هيرميس، الذي عرف لاحقاً في روما باسم ميركوري، لأنّه كان أفضل كذّاب.
***
الإضراب الأوّل
شنّ أوّل إضراب في مصر، في وادي الملوك، يوم 14 تشرين الثاني/نوفمبر من عام 1152 ق.م.
كان أبطال هذا الإضراب الأوّل في التاريخ هم قاطعو الحجارة، النجّارون، البنّاؤون والرسّامون الذين كانوا يبنون الأهرامات، وأضربوا عن العمل إلى أن حصلوا على أجورهم المستحقّة.
منذ زمن بعيد، تمتّع العمّال المصريّون بحقّ الإضراب وبرعاية طبّية مجّانية عن حوادث العمل.
وحتى وقت قريب كنّا نعرف القليل أو لا شيء تقريباً عن هذا.
ربّما خوفاً من انتشار العدوى.
***
الشيطان أنثى
أصدر البابا هونوريوس الثالث مرسوماً، يقول: "لا ينبغي للنساء أن يتكلّمن. فشفاههنّ تحمل وصمة عار حوّاء التي قادت الرجال إلى الهلاك."
بعد ثمانية قرون، ماتزال الكنيسة الكاثوليكيّة تحرّم على النساء الصعود إلى منبر الوَعظ.
نفس الخوف يدفع المسلمين الأصوليّين إلى ختانهنّ وتغطية وجوههنّ.
والشعور بالارتياح يدفع الرجال اليهود الأرثوذكس إلى بدء كل يوم، قائلين بصوت هامس:
" شكراً يا الله لأنّك لم تخلقني امرأةً."
***
التلاميذ
عندما تسأل المعلّمة الفتيات عمّا يردن أن يصبحن عندما يكبرن، يتردّدن في الإجابة. ثمّ يعترفن بهدوء: أريد أن أكون أكثر بياضاً، أن أغنّي في التلفزيون، أن أنام حتى الظهر، أن أتزوّج رجلاً لن يضربني، أن أتزوّج رجلاً يمتلك سيّارةً وأن أذهب بعيداً حيث لن يجدني أحد.
يقول الأولاد: أريد أن أكون أكثر بياضاً، أن أكون نجم كرة قدم، أن أكون سبايدرمان وأمشي على الجدران، أن أسرق بنكاً ولا أضطر أبداً إلى العمل، أن أشتري مطعماً وآكل طوال الوقت وأن أذهب بعيداً حيث لن يجدني أحد.
يعيشون بالقرب من مدينة توكومان، لكنهم لم يروها أبداً. سيراً على الأقدام أو على ظهر حصان، يذهبون إلى المدرسة يوماً، ثمّ يتغيّبون في اليومين المواليين، لأنهم يتناوبون مع أشقّائهم على ارتداء زوج الأحذية الوحيد. والسؤال الذي يطرحونه غالباً على المعلّمة هو: متى يحين وقت الغداء؟
***
عندما يحسم لاروس الجدل*
في عام 1885، صدر للهايتيّ الأسود جوزيف أنتينور فيرمين في باريس كتاب يضمّ أكثر من 600 صفحة بعنوان: "المساواة بين الأعراق البشريّة".
كان العمل ضعيف التوزيع ولم يثر أيّة ردّ فعل سوى الصّمت. في ذلك الوقت، كانت الكلمة الأخيرة لمعجم لاروس الموسوعي الكبير، الذي فسّر الأمر قائلاً: "دماغ العرق الأسود أقلّ تطوّراً من دماغ العرق الأبيض."
***
رحلة البنّ
أثناء إبحاره، أنشد القبطان جون نيوتن ترانيم، وهو يقود سفنه المكتظّة بالعبيد المقيّدين بالسلاسل.
"ما أعذب وقع إسم يسوع ..."
ظهر البنّ في إثيوبيا، منذ آلاف السّنين، ولِدَ من الدموع السوداء للإله واكا.
ربّما كان الإله يبكي مسبقاً البؤس الذي سيجلبه البنّ، مثل السكّر، لملايين العبيد الذين هجّروا من أفريقيا واستغلّوا حتى الموت باسم آلهة أخرى في مزارع أميركا.
***
أبناء الطريق
الپّاطيرات والقوارب الصغيرة المثقوبة التي يبتلعها البحر هي حفيدات سفن العبيد.
يتمتّع عبيد اليوم، على الرغم من عدم نعتهم بهذا الإسم، بنفس الحريات كأجدادهم الذين قادهم السّوط إلى مزارع أميركا.
إنّهم لا يرحلون، بل يتمّ إجبارهم على ذلك. لا أحد يهاجر باختياره.
من أفريقيا ومن أماكن أخرى كثيرة، يفرّ اليائسون من الحروب، الجفاف، الأراضي المستنزفة، الأنهار المسمومة والجوع.
شحنات اللحم البشريّ في أيّامنا هذه هي أكثر الصادرات نجاحاً من جنوب العالم.
***
دم أسود
استخدمت عمليات نقل الدّم الأولى دم الخرفان. وسرت شائعة تقول إنه يتسبّب في ظهور صوف على الأجساد. في عام 1670، حظرت هذه التجارب في أوروپا.
بعد ذلك بوقت طويل، حوالى عام 1940، طوّر تشارلز درو تقنيات جديدة لمعالجة وتخزين الپلازما.
بناءً على اكتشافاته، التي من شأنها أن تنقذ ملايين الأرواح خلال الحرب العالميّة الثانية، تمّ تعيينه كأوّل مدير لبنك الدّم التابع للصليب الأحمر في الولايات المتّحدة.
غير أنّه لم يستمر في عمله سوى ثمانية أشهر.
في عام 1942، حظر أمر عسكريّ اختلاط الدّم الأسود بالدّم الأبيض في عمليات نقل الدّم.
دم أسود؟ دم أبيض؟ " هذا غباء تام "، وأنّه لن يميّز بين الدماء، قال درو.
فهم الأمر: لقد كان عالماً، وكان أسود.
وبعد ذلك استقال أو أقيل.
***
(*) عناوين من وضع المترجم
المراجع التي اقتطفت منها النصوص المترجمة
-Eduardo Galeano Book of Embraces. Translated by Cedric Belfrage. WW Norton Editions,1992
-Eduardo Galeano: Genesis: Memory of Fire. Trilogy, Part 1. Translated by Cedric Belfrage. W. W. Norton & Company Editions 1998
-Eduardo Galeano: Hunter of Stories. Translated by Mark Fried, Editions Bold Type Books 2017
- Eduardo Galeano: Children of the Days: A Calendar of Human History. Translated By Mark Fried. Nation Books; 1st edition 2013
-Eduardo Galeano: Voices of Time: A Life in Stories.Translated By Mark Fried. Picador; 1st edition 2007
-Eduardo Galeano: Mirrors: Stories of Almost Everyone. Translated by Mark Fried. Nation Books; Reprint edition 2010
(*) Eduardo Galeano obituary: https://www.theguardian.com/books/2015/apr/15/eduardo-galeano
*إشارة: كل النصوص من ترجمتنا. [عبد النور زياني]