الأمم المتحدة والصحراء الغربية

أهم ما جاء في قرار مجلس الأمن رقم (S/2019/2468) بشأن الحالة في الصحراء الغربية وولاية بعثة المينورسو.

القرار ركّز بشكل كبير وشدّد عدّة مرات على أهمية العملية السياسية

صادَق اليوم مجلس الأمن الدولي على قرار أعدّته الولايات المتحدة الأميركية، لتمديد بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية لمدة 6 أشهر، أي إلى غاية 31 تشرين أول/أكتوبر، بعد اجتماعات مُكثّفة بين البلدان الأعضاء، كان الطرفان البارزان فيها هما أميركا باعتبارها مَن أشرفت على صوغ المسودّة ثم فرنسا الداعِم الأول للإحتلال المغربي، التي حاولت قدر الإمكان الضغط لتمديد المدة إلى سنة، وجعل هذه القضية طيّ النسيان، كواليس سلسلة الإجتماعات والمناقشة كانت بعيدة عن أنظار الإعلام، وأغلب التسريبات جاءت إما عن طريق موظّفين داخل الهيئة أو دبلوماسيين. وبالعودة إلى جوهر المسودّة المُصادَق عليها تحت رقم (S/2019/2468) وعلى الرغم من أنها لا تختلف كثيراً عن سابقتها أي (القرار 2440)، إلا أنها ركّزت بشكل كبير على نقطتين أساسيتين، وهما "العملية السياسية وإتفاق وقف إطلاق النار"، وذلك نظراً لارتباطهما القوي في ضمان الهدوء ولو نسبياً في المنطقة، أو بلغة أخرى باعتبارهما الضامِن الوحيد لاستمرار مصالح البلدان القوية والمسيطرة على السياسة والإقتصاد العالميين.

 

 

العملية السياسية وتقرير المصير:

هذه المرة كانت مُقدّمة القرار مُتميّزة نوعاً ما، ويمكن أن نعتبرها كحد أقصى، بمثابة وضع النقاط على الحروف، من خلال الإشارة إلى أن العملية السياسية الحالية في ما يخصّ قضية الصحراء الغربية، تشارك فيها أطراف النزاع وهي المغرب وجبهة البوليساريو، والبلدان المجاوران موريتانيا والجزائر، وكذلك الغاية من مباحثات جنيف أو الطاولة المستديرة، حيث ينصّ القرار في الفقرة الثانية من المُقدّمة "يُعرِب المجلس عن دعمه الكامل للمبعوث الشخصي للأمين العام إلى الصحراء الغربية، الرئيس الألماني السابق هورست كولر، ويُرحِّب بالتزام الأطراف والدول المجاورة" إلى جانبه في جهوده الرامية، موضحاً الغاية من هذا التوجّه ألا وهي "تسهيل المفاوضات المباشرة‘‘. ذات النقطة يُعيد القرار الإشارة إليها في الفقرة 4، حين يقول (أي المجلس) "ندعو الطرفين إلى استئناف المفاوضات تحت رعاية الأمين العام من دون شروط مُسبَقة وبحُسن نيّة…".

أما ما يتعلق بموضوع مباحثات جنيف الأخيرة في شهري كانون أول/ديسمبر وآذار/مارس، يرى القرار أنها كانت إيجابية، ما يكعس وصفه لنتائجها بالزُخم الجديد، هذا المُعطى الجديد يُحتّم علينا العودة إلى الوراء قليلاً، تحديداً الندوة الصحفية التي جاءت عقب اجتماع الطاولة المستديرة الثانية شهر آذار/مارس، التي أثير فيها مناقشة الوفود لمسألة تقرير المصير أو كيفية تطبيقه في الصحراء الغربية، وهو ما تعكسه الفقرة الآتية من القرار، "وإذ يُرحّب بالزُخم الجديد الذي أوجدته المائدة المستديرة الأولى يومي 5 و6 كانون أول/ديسمبر 2018 والمائدة المستديرة الثانية يومي 21 و22 آذار/مارس 2019، وكذلك التزام المغرب وجبهة البوليساريو والجزائر وموريتانيا المشاركة في العملية السياسية للأمم المتحدة حول السياسة في الصحراء الغربية بطريقة جادّة، من أجل تحديد عناصر التقارُب".

وأمام هذا التحوّل الحديث، كان لابد للمجلس أو بالأحرى الولايات المتحدة الأميركية، من أن تضع بصمتها من داخل المجلس نحو الدفع بالعملية السياسية في تجاه حل يحترم إرادة الشعب الصحراوي وحقّه في الاختيار، وهو ما يُلخصّه في إحدى الفقرات بعبارة "تأكيد المجلس على عزمه المساعدة على إيجاد حل سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين يقوم على أساس توافقي يمكّن شعب الصحراء الغربية من تحقيق تقرير المصير وفقاً لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة وأهداف الأمم المتحدة". إلا أنه أي مجلس الأمن يشترط على طرفي النزاع  "المغرب وجبهة البوليساريو، إظهار المزيد من الإرادة السياسية في تجاه الحل، بما في ذلك توسيع نطاق مناقشتهما لمقترحات بعضهما البعض والالتزام بجهود الأمم المتحدة وبروح من الواقعية، وإذ يشجّع الدول المجاورة على تقديم مساهمات في المعالجة السياسية"، إلا أن هذه الفقرة التي يشترط فيها مجلس الأمن ضرورة وجود إرادة سياسية من قِبَل الطرفين أيّ التخلّي عن الشروط السابقة، تعدّ إشارة مُبطّنة إلى المغرب أو بمفهوم آخر إسقاط أوتوماتيكي لأحد شروطه (بأن لا تفاوض إلا على الحكم الذاتي)، أما في ما يخصّ مساهمة الدول المجاورة، فهي التي لا طالما عبّرت أكثر من مرة وعديد المناسبات عن مواقفها التي تتماشى ومبادئ الأمم المتحدة، أي إعطاء الشعب الصحراوي فرصة التعبير عن رأيه واختيار مستقبله عبر استفتاء لتقرير المصير، وهو ذات التوجّه المُعبَّر عنه في الفقرة 2 من القرار، التي جاء فيها "يُشدّد المجلس على الحاجة إلى التوصّل إلى حل سياسي واقعي وعملي ودائم لمسألة الصحراء الغربية، يقوم على حل وسط وأهمية مواءمة التركيز الاستراتيجي للبعثة وتوجيه موارد الأمم المتحدة لتحقيق هذه الغاية".

وأعاد التذكير بذلك وبالطرفين المعنين بالملف في الفقرة 4 بالقول: "يدعو المجلس الطرفين إلى استئناف المفاوضات تحت رعاية الأمين العام من دون شروط مُسبقة وبحُسن نيّة، مع مراعاة الجهود المبذولة منذ عام 2006 والتطوّرات اللاحقة بهدف التوصّل إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول من الطرفين ينص على حق شعب الصحراء الغربية في تقرير مصيره في سياق ترتيبات تتماشى مع مبادئ ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة، وتلاحظ دور مسؤولية الأطراف في هذا الصَدَد".

 

 

 

 

الوضع الأمني وإتفاق وقف إطلاق النار

في ما يتعلّق بمسألة الوضع الأمني واتفاق وقف إطلاق النار بين جبهة البوليساريو والمغرب، أعرب المجلس عن قلقه إزاء انتهاكات الإتفاقيات القائمة بشأن وقف إطلاق النار، رغم أنه لم يشر إلى الطرف المُنتهك عكس تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، إلا أن في نفس الفقرة يُرحّب بالوضع الهادئ نسبياً والإشارة إلى ضرورة احترام جبهة البوليساريو والمغرب لولاية بعثة المينورسو، والتشديد على ذلك في الفقرة 6 مطالباً فيها بـ"ضرورة الاحترام التام للإتفاقيات العسكرية التي توصّل إليها مع بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية في ما يتعلق بوقف إطلاق النار، ويدعو الأطراف إلى التقيّد التام بهذه الإتفاقيات، وتنفيذ التزاماتهم تجاه المبعوث الأممي، وكذا الامتناع عن أية أعمال من شأنها تقويض المفاوضات التي تسيّرها الأمم المتحدة أو زيادة زعزعة إستقرار الوضع في الصحراء الغربية". وكذلك إلى الحاجة للتعاون مع البعثة لسير عملها، كما جاء في الفقرة 8 وإذ "أهيب بجميع الأطراف بأن تتعاون مع عمليات بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية، بما في ذلك تفاعلها الحر مع جميع المحاورين، واتخاذ الخطوات اللازمة لضمان الأمن وكذلك الحركة من دون عوائق، والوصول الفوري للأمم المتحدة والأفراد المرتبطين بها للقيام بولايتهم بما يتماشى مع الإتفاقيات القائمة "هذه النقطة هي الأخرى رسالة تنبيه مُبطّنة من قِبَل مجلس الأمن إلى المغرب، الذي (عارَض عدّة مرات وصول أفراد من البعثة لتقييم وتحليل الحال في الصحراء الغربية بما فيها الأمنية منها، وكذلك إشتراطه استعمال المركبات للوحات ترقيم مغربية عكس ما تمّ الإتفاق عليه مسبقاً بين الهيئة والحكومة المغربية)، كما أقرّ بذلك الأمين العام في الفقرتين 55 و56 من تقريره الأخير لمجلس الأمن في 1 نيسان/أبريل.

خلاصة: بالرغم من أن القرار ركّز بشكل كبير، وشدّد عدّة مرات على أهمية العملية السياسية، وحدّد سقف الحل أي باحترام حق تقرير المصير للشعب الصحراوي، يظل  مُجحفاً وغير مُتّزن ولم يكن بمستوى التقدّم الحاصل في العملية السياسية، لم يبرز مجموعة الخروقات التي ارتكبها المغرب ضد البعثة واتفاق وقف إطلاق النار ومسألة حقوق الإنسان، وفقاً لما أشار إليه الأمين العام في تقريره الأخير، هذه المعالجة تقود الولايات المتحدة الأميركية إلى استنتاج بسيط، وهو أن موقف الولايات المتحدة الأميركية بشأن قضية تصفية الإستعمار في الصحراء الغربية، لم يكن يوماً مؤسّساً على قاعدة قانونية أو لتطبيق الشرعية الدولية، بل هو موقف جديد تجاه كل بعثات حفظ السلام في العالم الغاية منه كسب ورقة ضغط على المجتمع الدولي لأخذ الريادة والتأثير في كل قرارات مجلس الأمن، خاصة  إذا ما ركّزنا على ما جاء في الفقرة الثامنة من مقدّمة القرار، والتي جاء فيها بالحرف ما يلي: "وإذ يرّحب بجهود الأمين العام لرَصْد جميع عمليات حفظ السلام عن كثب، بما في ذلك بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية، وإذ يشير إلى أنه ينبغي على المجلس اتباع نهج إستراتيجي صارِم في عمليات نشر بعثات حفظ السلام، والإدارة الفعّالة للموارد".