تداعيات كورونا على خطط التسليح والصناعات العسكرية في "إسرائيل" وأميركا
تداعيات جائِحة كورونا ألقت بثقلها على الخطة العسكرية العامة التي أعلنها رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوهافي، في شباط/فبراير الماضي، والخاصة بالإستراتيجية العامة للجيش الإسرائيلي في مجال التسليح.
تأثّرت بشكل كبير عمليات التصنيع العسكري المختلفة، جرّاء تفشّي جائِحة كورونا حول العالم، لكن المُفارَقة تكمن في أن درجات هذا التأثير تفاوتت ما بين دولة وأخرى، فبعض الدول بدأت في التفكير جدياً في تعليق بعض برامجها الصناعية المتعلقة بالشأن العسكري أو تأجيلها وتقليص الميزانيات المخصّصة لها، والبعض الآخر رأى في هذه الجائِحة، فرصة ذهبية للترويج بشكل أكبر لمنتجاتها العسكرية.
جيش الإحتلال الإسرائيلي .. إلغاء بعض الألوية والأسراب
تداعيات جائحة كورونا على الداخل الإسرائيلي، ألقت بثقلها على الخطة العسكرية العامة التي أعلنها رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوهافي، في شباط/فبراير الماضي، والخاصة بالإستراتيجية العامة للجيش الإسرائيلي في مجال التسليح، وهي خطة ممتدّة على مدار السنوات الخمس المقبلة، وأقرّها وزير الدفاع نفتالي بينيت في كانون الثاني/يناير الماضي.
الخطة استهدفت بشكل أساسي الإستعداد التسليحي والتدريبي لمواجهة تهديدين رئيسيين تراهما تل أبيب في المرحلة المقبلة، الأول هو التهديد الإيراني، والثاني هو ملف غاز شرق المتوسّط، وحماية عمليات التنقيب المستقبلية التي ستنفذها "إسرائيل" في المنطقة الاقتصادية لفلسطين المحتلة.
تشمل هذه الخطة شراء وتصنيع طائفة واسعة من المنظومات التسليحية، وعلى رأسها المنظومات الصاروخية، والطائرات من دون طيّار وبطاريات الدفاع الجوي، والمركبات المدرّعة والمروحيات القتالية والقطع البحرية الهجومية، هذا بجانب تحديث الترسانة الإسرائيلية الحالية من هذه المنظومات.
تستهدف هذه الخطة، التي تمّت تسميتها بإسم (تينوفا)، الاستفادة الكاملة من مواضع التفوّق العسكري الإسرائيلي، وتحديداً القوّة الجوية والحرب الإلكترونية، بالإضافة إلى تحسين القدرة على التحديد الدقيق للمواقع المعادية الأكثر أهمية، واستهداف أكبر عدد ممكن منها بشكل سريع وفعّال، وكذا تحسين وتطوير المعدّات والأسلحة المتوافرة، على مستوى الكم والنوع، و إعادة التنظيم الداخلي للهيكل الرئيسي لبنية الجيش الإسرائيلي القيادية والإدارية.
هذه الخطة، تتطلّب زيادة قياسية في الميزانية المخصّصة لوزارة الدفاع، وهي زيادة لم يتم إقرارها حتى الآن نظراً للتعقيدات التي سبقت عملية تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، فقد تم وضع هذه الخطة، على أساس أن يتم تمويلها من ميزانية وزارة الدفاع، المرصودة عام 2019، بعد إعادة توزيع بنودها، مضافة إليها المنحة الأميركية السنوية، التي تُقدر بنحو 3.8 مليار دولار، على أن تتم في ما بعد زيادة الميزانية الجديدة المخصّصة لوزارة الدفاع، بنحو 2 مليار شيكل، أي ما يعادل 538 مليون دولار، لكن جاءت تداعيات جائِحة كورونا، لتضع عراقيل جديّة أمام تنفيذ هذه الخطة، بالشكل الذي تم التخطيط له وقت إعلانها.
السرب 117 إلى غياهب النسيان
لم تؤد تداعيات جائحة كورونا إلى منع وزارة الدفاع الإسرائيلية من إيجاد التمويل اللازم لتنفيذ هذه الخطة فقط، بل أدّت أيضاً إلى التعجيل ببعض البنود التقشّفية التي كان من المفترض أن يتم تنفيذها في مراحل لاحقة. فقد أعلنت قيادة سلاح الجو هذا الشهر، عن نيّتها إنهاء عمليات السرب الهجومي رقم 117، الذي يضم مقاتلات من نوع (أف-16)، ويقع مقرّه في قاعدة رامات ديفيد الجوية شمال فلسطين المحتلة، وذلك بهدف توفير النفقات، وضخّها لاحقاً في برنامج مقاتلات (أف-35). ومن المقرّر أن يستمر هذا السرب في الخدمة والتدريب حتى موعد إنهاء عملياته المقرّر في تشرين الأول/أكتوبر المقبل.
جدير بالذكر أن هذا السرب يُعدّ من أهم أسراب سلاح الجو الإسرائيلي على مستوى التاريخ العملياتي، فقد شارك في كافة النزاعات والحروب التي خاضها الجيش الإسرائيلي خلال تاريخه، ونفّذ الغارة الشهيرة على المفاعل النووي العراقي عام 1981، كما أن إحدى طائراته كانت الطائرة الأولى من نوع (أف 16) التي تنفّذ اشتباكاً جوياً ناجحاً عام 1981.
بالإضافة إلى ذلك، بدأت القيادة العسكرية الإسرائيلية، في التجهيز لإنهاء عمليات سرب مقاتل آخر من أسراب سلاح الجو، بالإضافة إلى لواء مدرّع كامل، سيتم إخراج كافة دباباته وعرباته المدرّعة من الخدمة نظراً لتقادمها. تداعيات جائحة كورونا وجهت ضربة قوية للجانب التسليحي المستقبلي من هذه الخطة، وتسبّبت في تجميد كافة البنود التي نصّت عليها هذه الخطة، في ما يتعلق بالمنظومات الدفاعية والهجومية الواجب الحصول عليها خلال الأعوام المقبلة، لضمان تحديث القوة العسكرية الإسرائيلية، ومواكبتها لأهداف هذه الخطة. فقد تضمّنت هذه الخطة على مستوى سلاح الجو، تحديث سربين مقاتلين من أسراب سلاح الجو، وتزويدهما بطائرات متقدّمة من نوعيّ أف-15 وأف-35، بجانب إخراج أسطول سلاح الجو من مروحيات النقل العتيقة (أس أتش-53)، واستبدالها بأنواع أخرى حديثة.
في ما يتعلق بالقوات البرية، تستهدف الخطة إنشاء فرقة قتالية جديدة، تحت إسم الفرقة 99، تتضمّن ضمن تشكيلاتها لواء مشاة ميكانيكي، وهذا اللواء سيحتاج بطبيعة الحال إلى ناقلات جند مدرّعة جديدة، وعربات وشاحنات فنية وإدارية، وهي غير متوافرة حالياً. كما تنص الخطة على إنشاء لواء آخر تحت إسم (اللواء الهجومي)، سيتم فيه تطبيق بعض التكتيكات القتالية الجديدة، التي تجمع ما بين الوحدات البرية والجوية.
أما الدفاع الجوي والصاروخي، فقد نصّت هذه الخطة على إعادة هيكلة قيادة منظومات الدفاع الجوي المنضوية تحت لواء القوات الجوية الإسرائيلية، مع ضمان النشر التدريجي لبطاريات الدفاع ضد الصواريخ في كافة مناطق فلسطين المحتلة، وتحديثها بصواريخ وبطاريات جديدة.
بحرياً، لا تتضمّن الخطة تحديثاً أساسياً للقوات البحرية الإسرائيلية، لكنها تنصّ على تصنيع أربعة زوارق صاروخية من الفئة (ساعر 6)، للمساعدة في تأمين مواقع استخراج الغاز الطبيعي، قرب ساحل فلسطين المحتلة.
برغم هذه المصاعب المالية الواضحة التي تواجهها وزارة الدفاع الإسرائيلية، تم التوقيع خلال شهر نيسان/أبريل الماضي، على عقدين خارجيين، الأول سيتم بموجبه تأجير ست طائرات هجومية مُسيّرة من نوع (هيرون) لليونان، لمدة ثلاث سنوات. العقد الثاني، وقّعته شركة (إلبيت) للصناعات الدفاعية، مع وزارة الدفاع الفلبينية، تحصل مانيلا بموجبه على 12 مدفع هاوتزر ذاتي الحركة من نوع (أتموس 2000).
مشروع مقاتلات أف -35 في مهب كورونا
كنتيجة مباشرة لغياب تركيا عن برنامج تصنيع مقاتلات أف -35، والصعوبات المالية المُصاحبة لتفشّي جائحة كورونا في الولايات المتحدة، جاء قرار تأجيل عمليات الإنتاج الشاملة للمقاتلات من هذا النوع حتى آذار/مارس المقبل، خاصة بعد الصورة القاتمة التي أبرزها تقرير مكتب المحاسبة والرقابة الحكومية الأميركية، الذي تم تقديمه هذا الشهر إلى الكونغرس، والذي أشار إلى سلسلة من المشاكل التي يواجهها برنامج تصنيع هذه المقاتلة في الوقت الحالي، من بينها النقص الحاد في قطع الغيار المنتجة، حيث لا يتم فعلياً تصنيع سوى أقل من ثلث القطع التي تحتاجها عملية تصنيع كل طائرة من هذا النوع، وعلى الرغم من إيجاد بدائل لمعظم القطع والتجهيزات التي كانت تصنعها تركيا، إلا أن نحو 15 قطعة أساسية لم يتم إيجاد بدائل لها حتى الآن، وهو ما يعني بالضرورة تأخير عمليات التصنيع بشكل كبير، وبالتالي عدم الإيفاء بجداول التسويق والبيع، وتهديد سمعة هذه المقاتلة في الأسواق الدولية.
يضاف إلى ذلك بعض القصور في برامج الصيانة وتقييم الجودة، وهو ما أدّى إلى وجود احتمالات جدية، ألا ترتقي الطائرات المنتجة حالياً من هذا النوع، بالمعايير المحدّدة للجودة والفعالية القتالية، خاصة أن تكاليف الإنتاج قد تضاعفت نتيجة لهذه العوامل السابق ذكرها، وأصبحت تكلفة تصنيع الطائرة الواحدة حوالى 12.1 مليار دولار، بدلاً من نحو 1.5 مليار دولار.
رغم الجائِحة .. صفقات جديدة للصناعات العسكرية الأميركية
The #SB1Defiant team has been pushing the flight envelope during recent testing. We’re demonstrating this #FVL aircraft can maneuver and fly fast at low altitudes, critical for the @USArmy’s mission success.
— Boeing Defense (@BoeingDefense) May 12, 2020
🎥: @Sikorsky pic.twitter.com/PmyqJs4yTB
برغم ما سبق، شهد الشهر الجاري بعض النشاط في ما يتعلق بالتصنيع والتصدير العسكري الأميركي، فقد أعلنت شركة (بوينغ)، عن قرب انتهاء اختبارات التحليق الخاصة بمروحيتها المستقبلية العمودية التحليق (إس بي - 1 ديفانت)، والتي تتميّز بخصائص فريدة، من بينها سرعة التحليق غير المسبوقة في عالم المروحيات، حيث تصل سرعتها القصوى إلى 460 كيلومتراً في الساعة.
The first #FA18 Block III #SuperHornet test jet has rolled out of final assembly. Two of these test jets will head to the @USNavy, where they’ll help pilots familiarize themselves with the updated jets and be used in carrier flight tests. pic.twitter.com/ojmn7Uy4Z0
— Boeing Defense (@BoeingDefense) May 8, 2020
أعلنت شركة بوينغ أيضاً عن خروج أول مقاتلتين مطوّرتين من نوع (أف إيه-18 سوبر هورنيت بلوك 3)، من خط التجميع النهائي، تمهيداً لتسليمهما إلى البحرية الأميركية. جدير بالذكر أنه في نيسان/أبريل الماضي، أعلنت الحكومة الألمانية أنها ستطلب شراء 45 مقاتلة من هذا الطراز، بواقع خمسة عشر مقاتلة من النسخة البحرية، وثلاثين مقاتلة من نسخة الحرب الإلكترونية المُسمّاة (جراولر).
البحرية الأميركية كان لها النصيب الأكبر من عمليات إعادة التسليح، فقد أعلنت هذا الشهر، عن توقيعها اتفاقاً مع شركة (مارينيت مارين)، للبدء في تصميم وإنشاء فئة جديدة من فرقاطات الصواريخ الموجّهة، وذلك في عودة لهذا النوع من القطع البحرية، بعد عقود من التركيز على اقتناء الغوّاصات الإستراتيجية وحاملات الطائرات. تخطط البحرية الأميركية لبناء عشر فرقاطات كمرحلة أولى، وتُعدّ العوامل المالية محركاً أساسياً في هذا التوجّه، نظراً للتكاليف الباهظة التي تحتاجها عمليات تشغيل وصيانة القطع البحرية الكبيرة مثل حاملات الطائرات، والتي تحتاج بالضرورة أيضاً إلى أعداد كبيرة من سفن الحراسة والدعم والتموين.
التوجّهات الجديدة للبحرية الأميركية، تتضمن أيضاً التزوّد بعدّة سفن للإنزال البرمائي من الفئة (أميركا)، حيث تمتلك حالياً سفينتين من هذه الفئة، وقامت هذا الشهر بمنح شركة (هنتنغتون إنغالز)، دفعة مقدّمة بقيمة 187 مليون دولار، لدعم العمليات الجارية حالياً، لبناء السفينة الثالثة من هذا النوع، كما منحت أيضاً شركة (بوينغ)، عقوداً بقيمة ثلاثة مليارات دولار، لدعم المبيعات الخارجية لأنظمة صواريخ (هاربون) و(إيه جي إم-84).
على مستوى الطائرات من دون طيّار، تمّ أوائل هذا الشهر، تسليم الدفعة الأولى من صفقة تم توقيعها منتصف العام الماضي، بين شركة (بوينغ) الأميركية وكل من ماليزيا وإندونيسيا وفييتنام والفلبين، بقيمة 48 مليار دولار، لتوريد 34 طائرة من دون طيّار من نوع (سكان إيجل)، حيث حصلت البحرية الماليزية على هذه الدفعة، التي تكوّنت من ست طائرات.