في الذكرى التاسعة لوفاة عبد الوهاب المسيري: قصة لقائه مع السيد نصر الله وعماد مغنية
قبل تسعة أعوام، في مثل هذا اليوم، الثالث من تموز يوليو 2008، رحل المفكر المصري عبد الوهاب المسيري عن 70 عاماً.
-
الكاتب: محمد علي فقيه
- 3 تموز 2017 23:54
المفكر المصري عبد الوهاب المسيري
المسيري،
من مواليد تشرين الأول أكتوبر 1938، وهو أحد مؤسسي حركة "كفاية" المعارضة
ورئيسها حتى وفاته، وهو صاحب أهم موسوعة عربية عن "اليهودية والصهيونية"
بعد معاناة مع مرض السرطان.
سُئل
الإسكندر المقدوني: "لماذا لا تكثر نسلك فيخلد ذكرك؟"، فأجاب: "إنما
يحيى الذكر الأفعال الحميدة والأقوال الجميلة".
صحيح
أن المسيري رحل الى الرفيق الأعلى، إلا أنه ترك تراثاً علمياً عميقاً قد خلّد ذكره
ونحتاج سنيناً وعقوداً لتفكيكه والاستفادة منه، إذ تنتشر كتبه في كل أرجاء العالم العربي
فلا يخلو بيت من بيوت المثقفين العرب من كتاب من كتب المسيري.
فإذا
أردنا أن نعرف الصهيونية واليهودية معرفة عميقة ونطلع على كل تفاصيلهما فمن أفضل من
المسيري شارحاً ومفككاً. فعندما تبحث عن الأصول الفكرية التي جعلت كل المثقفين العرب
يرفعون له القبعة، تقفز الى ذهنك الآية الكريمة (ذرية بعضها من بعض). فصاحب الموسوعة
اليهودية التي تضم ثمانية مجلدات ضخمة وتشكل أفضل خريطة علمية معرفية إدراكية لفهم
إسرائيل واليهود في العالم، فهو الإبن الشرعي لكل من كتب بمنهج علمي عن المشروع الصهيوني
ابتداء من نجيب عازوري(1873-1916)، صاحب كتاب يقظة الأمة العربية، والمطران غريغوار حجار، وجرجي زيدان مؤسس دار الهلال
المصرية، ووزير المعارف المصري الأسبق الدكتور محمد عوض محمد(1895-1972)، صاحب كتاب
"الصهيونية في نظر العلم، وصولاً الى عالم السياسة المصري الدكتور حامد ربيع،
والكاتب المصري المبدع محمد حسنين هيكل، والمفكر جمال حمدان، صاحب "شخصية مصر"
الذي كتب له المسيري مقدمة كتابه "اليهود أنثربولوجياً" في طبعته الثانية،
والتي تؤكد أنه الوريث الشرعي له وتفسّر علاقته ومدى تأثره به. فالمسيري قد قدم استقالتة
من جامعة عين شمس عام 1990 على غرار أبيه الفكري جمال حمدان الذي استقال من الجامعة
ليتفرغ لإنجاز لمشروعه المعرفي.
يقول
المسيري في مقدمة كتاب حمدان المعنون "اليهود أنثربولوجياً": "قرأت
هذا الكتاب حينما كنت أكتب "موسوعة المصطلحات والمفاهيم الصهيونية: رؤية نقدية"
التي صدرت عام 1975. كنت أحس نحوه بإعجاب شديد
سواء في أسلوب حياته أم في أسلوب كتابته: هذا الزهد العلمي الشديد، هذا الإعراض عن
الدنيا الذي مكّنه من إنجاز جوانب مهمة من مشروعه المعرفي الضخم. ومن المفارقات التي
تستحق التأمل أن هذا الأستاذ الجامعي الذي ترك الجامعة، والمثقف الذي اعتزل الحياة
الثقافية قد ألقى بظلاله على كل من الجامعة وحياتنا الثقافية".
يضيف
المسيري: "تعلمت من جمال حمدان رفض الواحدية المادية العلمية والتعصب للمناهج
الرياضية، وإعادة الاعتبار للخيال والمجاز والحدس في عملية التفكير العلمي. ومن أهم
ما تعلمته منه هو الخروج بالظواهر اليهودية والصهيونية من دائرة التوراة والتلمود والدراسات
اليهودية وإدخالها في نطاق العلم الإنساني العام ووضعها في عدة سياقات تاريخية لتصبح
ظواهر مختلفة ذات أبعاد مختلفة وليست ظاهرة واحدة مغلقة تتسم بالوحدة. ولكن أهم ما
تعلمته منه، وهو ما تعلّمته أيضاً من أساتذتي (مثل د. إميل جورج، د. نور شريف، د. ديفيد
وايمر)، أي طريقة التفكير والنظر وكيفية التأمل في المعلومات وتفسيرها. لقد تعلمت من
جمال حمدان كيف تكتشف الأنماط داخل ركام التفاصيل المتغيرة وكيف نجرد الحقيقة من الحقائق،
ولا أدري هل تعلمت منه شيئاً من الصلابة والقدرة على المقاومة؟".
لعل
المرة الأولى التي عرفنا فيها المفكر عبد الوهاب المسيري كانت غداة الانتفاضة
الفلسطينية الأولى حيث لمع نجمه ككاتب يملك منهجاً علمياً جعله قادراً على تفكيك الصهيونية
واعتبارها مجرد مشروع استعماري، وإبراز الإبداع الجمعي للشعب الفلسطيني كان من خلال
ما كتبه. فكانت تتسابق الصحف العربية لنشر مقالاته التي ينتظرها القراء على أحر من
الجمر. فقد عود المسيري قراءه أن يكتب لهم اجتهادات واستنباطات لا يعيرها غيره من الباحثين
أهمية مثل فقه الانحياز والنظرة الروحية والنظرة المادية للتاريخ فيبدأ بتفسيرها للقارئ.
عام
1997 زار عبد الوهاب المسيري بيروت بدعوة من "المؤتمر الدائم لمناهضة الغزو الثقافي
الصهيوني"، الذي يترأسه هاني مندس، وذلك للمشاركة في ندوة حول المشروع الصهيوني
بمناسبة مرور 100 عام على مؤتمر بازل الذي دعا إليه المنظر الصهيوني تيودور هيرتزل.
فوفقاً لمصادر مطلعة، فقد التقى المسيري في هذه الزيارة الأمين العام لحزب الله السيد
حسن نصرالله وأطلعه على مشروعه "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية"
التي كان يعمل على إصدارها وقد صدرت لاحقاً عام 1999، والتي قضى أكثر من 25 عاماً لإنجازها.
وبحسب
هذه المصادر، فقد عرض أحد مسؤولي حزب الله على المسيري أن تشتري مؤسسات الحزب
نسخاً من الموسوعة لدعم هذا المشروع الثقافي، وأن يشارك الحزب في التحضير عبر إحدى
مؤسسات الحزب الثقافية لإقامة احتفال في بيروت بمناسبة صدور الموسوعة. إلا أن بعض
الظروف السياسية حالت دون أن يتم ذلك.
وتذكر
هذه المصادر أن المسيري التقى خلال هذه الزيارة بالقائد العسكري لحزب الله الشهيد عماد
مغنية في جلسة خاصة دامت لساعات وحضرها عدد محدود من قيادات المقاومة، حيث جرى
نقاش حول الصراع مع الكيان الإسرائيلي.
في
عام 2000 زار المسيري بيروت مجدداً للمشاركة في ندوة لمناقشة موسوعته "موسوعة
اليهود واليهودية والصهيونية". وعلى هامش الزيارة زار المسيري السيد نصر الله
مرة أخرى، وقدم له الموسوعة وقدم له اقتراحات فكرية وبحثية في مجال الصراع مع
الصهيونية.
إن
استقبال السيد نصر الله للمسيري الذي يعد أهم الباحثين العرب في الشأن
الصهيوني واليهودي هو من باب إعادة الاعتبار لفكره من أهم حزب عربي مقاوم، وذلك يؤكد
حرص "المقاومة الإسلامية" على المعرفة العلمية التي تشكّل خريطة
طريق لكيفية الانتصار على الكيان الصهيوني.