"التوراة اليهودية مكشوفة على حقيقتها" .. كتاب يكذّب أسطورة أرض الميعاد
أصبح هناك تيار غير قليل من الاَثاريين الجدد الذي يكذّب "أسطورة أرض الميعاد"بالحجة والدليل على غرار "المؤرخين الجدد" في دولة الاحتلال الذين بدأوا مع "بني موريس واَفي سليم".
يعتبر صدور كتاب: "التوراة اليهودية مكشوفة على حقيقتها" بمثابة زلزال علمي وثقافي وحتى ديني لمشروع الاحتلال الإسرائيلي.
يقول مترجم الكتاب سعد رستم في مقدمته: "فمنذ عصر النهضة والتنوير في أوروبا، وضعت الكتب المقدسة اليهودية والمسيحية على بساط البحث وصارت تُشرح وتُدرس دراسة موضوعية علمية. لكن أن ياتي هذا الإقرار على لسان محققين يهوديين؛ أحدهما إسرائيلي وهو "إسرائيل فنكلشتاين وهو أبو الآثار (وهو لقب يطلق عليه في إسرائيل)، والاَخر أميركي هو فيل أشر سيلبرمان، صاحبي خبرة طويلة في التنقيبات الآثارية، وعلم الآثار، بأنَ التوراة الحالية ليست كلها كلمة الله. بل كتبها كهنة يهود في عهد الملك (يوشيا) ملك يهوذا في القرن السابع ق.م. فهذا بلا شك يعطي لإقرارهما وزناً كبيراً، لا يعادله شيء لأن شائبة التحامل بريئة منهما تماماً".
ويوضح مؤلفا الكتاب أن النص التوراتي كُتب أولاً عند نهايات مملكة يهوذا، أي بحدود القرن السابع قبل الميلاد، وأكمِل خلال فترة السبي البابلي بعد ذلك، وخلال العودة الأولى من بابل في القرن السادس قبل الميلاد.
ويخلص إلى القول إن "قسماً كبيراً من التوراة كان دعائياً وأسطورياً". أما القسم الذي كتب من التوراة في زمن يوشيا، فكان بهدف دعم مملكة هذا الأخير، وليس المقصود - كما يؤكد فنكلشتاين - عدم تطابق الآثاريات في المحيط، في مصر وآشور مع نص التوراة، وإنَّ النص - التوراتي اليوشاوي - كان مبتدَعاً كلياً.
وقد أكد فنكلشتاين وسيلبرمان، في كتابهما "التوراة اليهودية مكشوفة على حقيقتها"، أن "علم الآثار الحديث، لم يثبت صحة القصة التوراتية بكل تفاصيلها، بل أثبت أنّ العديد من أحداث التاريخ التوراتي لم تحدث لا في المكان ولا في الطريقة التي وصفت بها في الكتاب المقدس العبري، بل إن بعض أشهر الحوادث في الكتاب المقدس العبري، لم تحدث مطلقاً أصلاً".
ويشكك مؤلفا كتاب "التوراة اليهودية مكشوفة على حقيقتها" الصادر عن دار صفحات للنشر في دمشق، بكون أورشليم - القدس الحالية ليست هي أورشليم التي تحدثت عنها التوراة، بالطريقة التي تكلمت بها عنها، لعدم العثور على أدلة آثارية حاسمة في هذا الصدد.
يؤكد فرج الله صالح ديب في كتابه: "اليمن وأنبياء التوراة..هل جاء المسيح الى صنعاء"، أن علم الاَثار في "إسرائيل" يكذب مرة أخرى "أسطورة أرض الميعاد" وخطأ إسقاط جغرافية التوراة على فلسطين. ويضيف: بعد تحقيق مجلة تايم (الأميركية) في 18 كانون الاول/ ديسمبر 1995 بعنوان "هل التوراة واقع أم خيال" جاءت مجلة "لونوفيل أوبزرفاتور" الفرنسية في 24 تموز/ يوليو 2002 لتنشر تحقيقاً على امتداد عشر صفحات بعنوان: "الطوفان.. إبراهيم.. موسى.. الخروج.. التوراة الحقيقية والأسطورة. الاكتشافات الجديدة لعلم الاثار"، كتبه فيكتور سيغلمان وجان لوك لوتييه وصوفيا لوران.
ويوضح ديب: إضافة الى نحو سبعة كتب نشرت في فرنسا منذ 1998 حول المضمون نفسه وملخصه، فإن أن علم الاَثار في فسطين لم يؤكد ما جاء في أسفار التوراة وبالتالي فإن "أرض الميعاد" الكنعانية ليست في فلسطين. وعليه فالأسطورة الصهيونية عن أرض الأجداد باطلة.
ويعتبر عصر مملكة داوود وسليمان التي لا يكل التوراة عن مديحه واعتباره العصر الذهبي لـ"إسرائيل"، أنها كانت أعظم إمبراطوريات المشرق العربي؛ وأن حدودها امتدت لتغطي كل بلاد الشام، ولم تقتصر على فلسطين، فحسب. ولهذا كان من الطبيعي أن يتوقعوا، العثور على أثر واحد على الأقل، يعود إلى تلك المرحلة.
ولقد هيمنت تلك "الحقيقة" المزعومة، على خطاب الدراسات التوراتية، خلال معظم القرن الحالي؛ وأتاحت مجالاً لتطوير كثير من فرضيّات التراث التوراتي؛ وأسهمت هذه "الحقيقة" المزعومة، أكثر من أي شيء آخر، في إهمال وتحقير الشعب الفلسطيني، وثقافتُه؛ مع إغفال التاريخ، الذي بقي آلافاً من السنين ميراثاً لفلسطين؛ ذلك التاريخ الذي تعامى عنه علماء الآثار، بالمعنى الحِرَفي لكلمة التعامي.
إن جهود الباحثين التوراتيين، في البحث عن ما يسمى "المملكة الداودية ـ السليمانية"، ليست ذات أهمية تاريخية، وأثرية، فقط، إذا ما أخذنا في الإعتبار أن دولة الاحتلال "إسرائيل" الحديثة، ترجع مطالبتها التاريخية، والطبيعية، إلى دولة العصر الحديدي تلك. فقد أشار إعلان الاستقلال لدولة "إسرائيل"الحديثة – الذي أصدرهُ مجلس الأمّة المؤقّت في تل أبيب، بتاريخ 14 أيار/ مايو 1948 – إلى "إعادة بناء الدولة اليهوديّة" (re-establishment of the Jewish state).
لكن الحقيقة، أنه حتى هذه اللحظة، لم يتمكن الآثاريون من العثور، على أي دليل، يشير صراحة، أو كناية، إلى "مملكة داود وسليمان"، في فلسطين. وبينما تقول رواية سِفر صموئيل الثاني، وسِفر المُلوك الأول، بأن الملك داود، أقام إمبراطورية، تمتد بين النيل والفرات، أورثها إلى سليمان بعد وفاته، إلا انه لم يتمكن رجال الآثار، من العثور على ذكر واحد، لأي من ملكي "بني إسرائيل"، رغم وجود 300 موقِع، تقوم فيها البعثات الأثرية، بأعمال الحفر، في فلسطين المحتلة.
يقول المؤرخ الأميركي توماس طومسن، في كتابِهِ "الماضي الخرافي (التوراة والتاريخ)": لا يتوافر دليل على وجود مملكة متحدة، ولا دليل على وجود عاصمة في أورشليم، أو وجود أي قوة سياسية موحّدة متماسكة، هيمنت على فلسطين الغربيّة، ناهيك عن إمبراطوريّة، بالحجم الذي تصفهُ الحكايات الأسطورية".
ولقد انزعجت مجلة "bar" الأميركية التي تعتني بشؤون آثار فلسطين، من هذا الاتجاه؛ لأنها مُتخصصة في الدعاية لـ"إسرائيل"، وخاصة في مجال الحفريات؛ فجمعت العلماء من الاتجاهين المختلفين؛ حيث كان يمثل مدرسة كوبنهاغن شيفلد، الأستاذان؛ طومسن، ونائل بيتر ليمش، وكلاهما من جامعة كوبنهاغن. فيما كان يمثل الطرف الثاني؛ الأستاذ وليم ديور، من جامعة أريزونا؛ وهو يعتبر ذا شهرة عالمية، في مجال دراسة الآثار، في فلسطين؛ والأستاذ كائل ميك آرثر، من جامعة جون هوبكنز. ولقد نشرت المناقشات التي دارت بين الفريقين، على صفحات مجلة "bar" نفسها، في تموز - يوليو/ آب - أغسطس 1997.
وكرر طومسن نفيه أن تكون "أورشليم" عاصمة للمملكة الموحدة، في القرن العاشر قبل الميلاد.
واستنتج ليمش أن داود الملك المذكور في العهد القديم، لا يمكن إثباته تاريخياً.
وقال ديور في مناقشته: لم لا تقول، إنه من الممكن أن يكون، ومن الممكن، كذلك، أن لا يكون؟
وقال ليمش، رداً عليه: لأن العهد القديم يصوّره إمبراطوراً، كان يحكم، من الفرات إلى النيل. وقد أضاف سليمان، إلى هذه الإمبراطورية، مساحات أخرى؛ لذلك لا يمكن أن يكون داود شخصية تاريخية. ووافق ديور نفسه، على هذا القول، واتفق مع ليمش، بأنه لا "يوجد داود ولا سليمان"، بهذا المفهوم.
وعلى غرار " المؤرخين الجدد" في دولة الاحتلال الذين بدأوا مع "بني موريس واَفي سليم"، أصبح هناك تيار غير قليل من الاَثاريين الجدد الذي يكذّب "أسطورة أرض الميعاد" بالحجة والدليل.
وقد انضم العديد من كبار علماء الآثار الإسرائيليين إلى فنكلشتاين، مؤيدين لنظريته، وهذا ما يؤكده التقرير الذي نشرته مجلة "جيروزاليم ريبورت" الإسرائيلية في 5 اَب/ أغسطس 2011- الذي يقول: "إن علماء الآثار اليهود لم يعثروا على شواهد تاريخية أو أثرية تدعم بعض القصص الواردة في التوراة بما في ذلك قصص الخروج والتيه في سيناء، وانتصار يوشع بين نون على كنعان"، مفككاً بذلك وسيلة وزعماً من أخطر الوسائل والمزاعم التي تلجأ اليها الدولة الصهيونية لترويج روايتها حول "يهودية المدينة المقدسة"، وهي تلك المتعلقة بثلاثية الأساطير المؤسسة للدولة الصهيونية؛ وهي"أرض الميعاد"، و"شعب الله المختار" و"الحق التاريخي لليهود في القدس وفلسطين".
ويجب ألا نقلل من معارضة العديد من رجال الدين اليهود في دولة الاحتلال حتى وإن كانوا قلة، لما يسميه اليهود "الصعود لجبل الهيكل". وعلى رأسهم الحاخام إلياهو كوفمان، المحسوب على تيار الحريديم الرافض ، الذي سبق وشكك في الرواية الإسرائيلية والمزاعم بالمكشوفات الأثرية اليهودية والتلمودية التي عثر عليها. وهو يجزم بأنه تم زرعها لتثبيت واقع جديد تحت الأرض "لأن عقلية القومية الصهيونية ترتكز على مصادرة المقدسات والآثار وإلحاقها بالديانة اليهودية".
ويؤكد كوفمان أن أي اقتحامات للمسجد للأقصى خطوة تصعيدية من قبل حكومة نتنياهو "التي لطالما تمادت في توظيف الرموز الدينية اليهودية.
ويكشف كوفمان أن الهدف تدشين الكنيس الخراب في القدس القديمة هدفه الأساسي جذب اليهود والسياح الأجانب ليمكثوا أطول فترة تحت الأرض، في حين تواصل سلطات الاحتلال توظيف عوامل الطرد للفلسطينيين لدفعهم للرحيل والهجرة القسرية عن البلدة القديمة.