"حماة الباب الأخير".. شهادات من اعتصام الدراز في البحرين

بعد إعلان السلطات البحرينية إسقاط الجنسية عن الشيخ عيسى قاسم في حزيران/يونيو 2016، خرج مئات الشبان في الدراز وعدة مدن بحرينية للاعتصام رفضاً لهذا القرار. أيام الاعتصام الممتدة على 11 شهراً شهدت أحداثاً عاصفة ودامية يرويها كتاب "حماة الباب الأخير".

  • "حماة الباب الأخير".. شهادات من اعتصام الدراز في البحرين

لم يكن الاعتصام الذي شهدته مدينة الدراز البحرينية عابراً في ذاكرة البحرينيين. الحدث الذي هزّ البلاد بشعبه وسلطاته، ثمّ ما تبعه بعد ذلك من دماء في الطريق، استمدّ روحيته من ثورة دوار اللؤلؤة في العام 2011، لينضج بعد سنوات بين مئات الشباب والرجال والنساء أمام باب دار الشيخ عيسى قاسم، لحظة إعلان السلطات البحرينية إسقاط الجنسية عنه. 

تفاصيل الواقعة الممتدة على 11 شهراً متواصلاً، بكل ما في فيها من عزيمة وروح ثورية ومقاومة وثبات وظلم واعتقال ودماء.. عرضها كتاب "حماة الباب الأخير" الصادر عن "مركز أوال للدراسات والتوثيق" في العام 2020، الذي يروي شهادات من ساحة الفداء في الدراز خلال الفترة الممتدة من 20 حزيران/يونيو 2016، تاريخ إعلان إسقاط الجنسية عن الشيخ قاسم، حتى 23 أيار/مايو 2017، تاريخ واقعة الدراز أمام باب بيت الشيخ قاسم، ومنها خرج عنوان الكتاب.

كان يوماً من أيام شهر رمضان. الشمس تُرخي بأشعتها الحارقة على جباه المارّة. كان يوماً عادياً حتى ساعة إعلان الخبر. يروي عدد من الشباب ورجال الدين الذين شاركوا في الاعتصامات في مدينة الدراز كيف فار الدم في عروقهم لحظة تلقيهم إعلان السلطات البحرينية. لم يخرج الناس إلى الشوارع حينها بأمر من أحد، ولم تكن التظاهرات منظمة. كل شيء خرج بصورة عفويّة. شيء واحد مشترك دفع مئات الشباب الغاضبين إلى باب بيت الشيخ عيسى قاسم، للدفاع عن الرمز الديني والوطني وحماية وجودهم في البلاد. 

وفق الشهادات الواردة في الكتاب، كلّ الذين خرجوا للمشاركة في الاعتصامات التي يحفّها الخطر، كانوا يعتبرون أنهم إذا ما صمتوا عن حقّ الشيخ قاسم، فإنهم بذلك سيهددون وجودهم. وبسماحهم للسلطات البحرينية باعتقال الشيخ قاسم، فإنهم بذلك سيسلّمون رقابهم للقوات الأمنية في أي ساعة تشاء، الأمر الذي أبوا أن يرضوا به. 

على الرغم من خروج الشيخ عيسى قاسم إلى ساحة الاعتصام أمام داره، وطلبه من الشباب فضّ التظاهرات حقناً للدماء، غير أن رؤيته أمامهم زادتهم قوة وصلابة وحماسة، فرفضوا الامتثال لطلبه بالرحيل، إنما صارت أعداد المشاركين تزداد يوماً بعد يوم. لم تتحرك السلطات الأمنية في بدايات الاعتصام، لكن الشباب في الساحات كانوا متنبّهين طوال الوقت إلى أي هجمة مفاجئة. 

يروي عدد من الشهود أن اللُحمة بين الشباب كانت عالية جداً في تلك الليالي الرمضانية. تحملوا برفقة بعضهم البعض تعب الصيام وعطشه، حتى إن وجبات الإفطار في تلك الليالي صارت تقدم في الساحات، وعمدت العائلات والمطاعم المجاورة إلى مدّهم بوجبات الطعام والشراب بين ساعات الإفطار والسحور. 

إعلان السلطات البحرينية آنذاك لم يلق استنكاراً شديداً من البحرينيين فحسب، فالكثير من الدول العربية والشخصيات السياسية والدينية عبّرت عن رفضها لهذا القرار، من بينهم المرشد الإيراني السيد علي خامنئي، الذي دعا إلى "عدم السكوت عن هذا الظلم"، وأيضاً قائد قوة القدس الفريق الشهيد قاسم سليماني الذي قال: "التعرض لحرمة آية الله الشيخ عيسى قاسم هو خط أحمر لدى الشعب، يشعل تجاوزه النار في البحرين والمنطقة بأسرها".

حزب الله بدوره دان القرار، ووصفه بـ"غير المسبوق"، واعتبر أنه "بالغ الخطورة، نظراً إلى ما يمثله سماحته من مقام ديني وموقع كبير على مستوى الوطن والأمة، وضمانة حقيقية لحاضر البحرين ومستقبله". 

كذلك، هاتف المرجع السيد علي السيستاني الشيخ قاسم قائلاً: "مكانكم في القلوب، وما حصل لا يضركم". هذا التعاطف الكبير شحذ منه المشاركون في ساحات الدراز الهمّة والعزيمة لاستكمال ما بدأوه.

تجمع شهادات عدّة في الكتاب على أن العمود الفقري للاعتصام كان رجال الدين المشاركين، وذلك لقدرتهم على تنظيمه وتحديد برامج ثقافية وخطب دينية وسياسية، مستفيدين من وجود الأعداد الكبيرة في الساحات، وكذلك لضمان استمرارية الاعتصام، وخصوصاً أن أشهر الاعتصام تزامنت مع مناسبات دينية مختلفة، مثل إقامة صلاة الجماعة، وليالي القدر، وعيدي الفطر والأضحى، وعاشوراء، وغيرها.

بعد ذلك، بدأت الأحداث تأخذ مساراً تصاعدياً. السلطة البحرينية صارت ترسل مخبرين لها وتدسّهم بين المعتصمين بغية تصويرهم وملاحقتهم. كما أنها عمدت إلى تطويق مداخل ساحات الاعتصام كلها، منعاً لانضمام المزيد من الشبان إليهم، لكن الشباب كانوا دوماً يجدون طرقاً للعبور والانضمام، ثم بدأت القوات الأمنية بعد ذلك باعتقال رجال الدين بهدف تفريق الاعتصام وضربه، وعمدت إلى قطع الكهرباء والإنترنت عن المنطقة.

عندها، عمد الشبان إلى التواصل مع طلبة العلوم الدينية حتى لا تتأثر البرامج الثقافية المثبتة، وبالتالي عدم السماح بإضعاف عزيمتهم. لكن الأمور اتجهت نحو المواجهات المباشرة، وخصوصاً بعد دخول القوات الأمنية بالمدرعات وسلاح الشوزن وإطلاق القنابل المسيلة للدموع بكثافة على المعتصمين، وعلى فترات متفرقة من أشهر الاعتصام، إضافة إلى إطلاق الرصاص الحي عليهم.

ويروي بعض الشبان كيف تحول المنزل المجاور لمنزل الشيخ قاسم إلى مكان للتعذيب والضرب المبرح، سعياً إلى استنطاقهم ومعرفة أسماء منظمي الاعتصام، لكن يوم 23 أيار/مايو 2017 كان الأعنف، بعدما قررت السلطات الأمنية فضّ الاعتصام بالقوة.

وصل إلى مسامع الشباب أن القوات الأمنية ستداهم بيت الشيخ عيسى قاسم، فما كان منهم إلا أن استنفروا وهرعوا إلى منزله بالمئات، حاملين أكفانهم بين أيديهم، رفضاً لاعتقاله، لكن الشرطة لم تكن تنوي اعتقاله، بل كانت تتجه لاعتقال الشبان الموجودين في بيته.

في ذلك اليوم، حصلت مواجهات دامية سقط على إثرها 5 شهداء، هم: محمد كاظم محسن زيد الدين، محمد علي إبراهيم الساري، أحمد جميل العصفور، محمد عبد الكريم العكري، ومحمد أحمد حمدان.

الكتاب يوثّق مرحلة مفصلية من تاريخ البحرين، وتحديداً لدى الطائفة الشيعية في البلاد، التي تتعرض بشكل مستمر للتضييق بسبب معارضتها السياسية للنظام البحريني، ويتم اعتقال شبانها وسجنهم وإطلاق أحكام مؤبدة على بعضهم. ويرد فيه بشكل أساسي كيف سعى هؤلاء المعتصمون للدفاع عن إرثهم الديني والوطني والثقافي المتمثل بالشيخ عيسى قاسم ضد الحكم الظالم الذي أصدرته السلطات البحرينية بحقه.