جون كيري في مذكراته: نتنياهو زوّر مسودة اتفاق وقف النار مع "حماس"
يتهم كيري في مذكراته نتنياهو بأنه زوّر مسودة اتفاقية وقف إطلاق النار مع "حماس"، خلال عدوان "الجرف الصامد" ضد قطاع غزة المحاصر، عام 2014، وعرضها على أنها مطالب حماس، رغم أنها في الأساس كانت مطالب "إسرائيل".
في مذكرات وزير الخارجية الأميركي الأسبق جون كيري التي صدرت أخيراً ترجمتها العربية عن دار شركة المطبوعات للنشر والتوزيع في بيروت، بعنوان "كل يوم هو إضافة، يتحدث كيري عن تجربته الدبلوماسية وخدمته على مدار ثلاثة عقود فى مجلس الشيوخ الأميركي.
وتعرض فصول الكتاب العشرون تفاصيل مختلفة عن قضايا مهمة عاصرها كيري، وارتبط بها بصفته الشخصية، كحرب فيتنام، وخدمته فى مجلس الشيوخ الأميركي، وما تلاها من تسلّمه منصب وزير الخارجية، كالصراع العربي - الإسرائيلي وإشرافه على التفاوض مع إيران وصولًا إلى الاتفاق النووي، والتوصل إلى اتفاق باريس للمناخ، ومواجهة تنظيم "داعش" الإرهابي، والتعامل مع الحرب الدائرة في سوريا.
ويعطي كيري مساحة كبيرة من مذكراته للعلاقة بينه وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في سنواته الأربع لوزارة الخارجية الأميركية، ويصفها بأنها "معقدة"، ثم أصبحت علاقة فُقدت فيها الثقة الشخصية بعد حرب غزة "الجرف الصامد" عام 2014، الحرب التي بدأتها "إسرائيل" واستمرت 51 يوماً، راح ضحيتها أكثر من 1850 فلسطينياً، بينهم 527 طفلاً و238 امرأةً.
ويؤكد كيري أن نتنياهو لم يكن مغرماً بإدارة الرئيس السابق باراك أوباما، وكان يتعمّد تسريب المعلومات إلى وسائل الإعلام للإضرار بمصالح أميركا فى المنطقة.
ويكشف الوزير فى مذكراته حادثة مهمة تكشف لنا المستوى الذي وصل إليه نتنياهو. يقول: "تلك المرة من المرات القليلة التي أرى فيها نتنياهو مقهوراً للغاية، ولايظهر نشاطه وطاقته وشجاعته المعتادة، وبدا كما لو كانت أسوأ كوابيس الإسرائيليين تتحقق، وفي هذه اللحظة، رأيت نتنياهو ضعيفاً بشكل لم أعهده فيه، فكان محاصراً طيلة الـ51 يوماً خلال الحرب، وقابلته بعد انتهاء حرب "الجرف الصامد". وهنا يؤكد كيري بأن هذا "ما دفعه للتعاطف معه، ومحاولة إخراجه من هذا الحصار".
ويتهم كيري في مذكراته رئيس الوزراء الإسرائيلي بأنه زوّر مسودة اتفاقية وقف إطلاق النار مع حركة"حماس"، خلال العدوان ضد قطاع غزة المحاصر عام 2014، وعرضها على أنها مطالب "حماس"، رغم أنها في الأساس كانت مطالب "إسرائيل".
ويروي كيف أفسد نتياهو علاقته مع أوباما بشكلٍ نهائي، ففي منتصف المفاوضات انقلب الأمر على كيري وحكومته، وأدى ذلك بشكلٍ غريب إلى تعكير العلاقات بين "إسرائيل" وواشنطن، وجلب انتقادات لاذعة لكيري نفسه.
"عنصر الثقة الشخصية ضاع"
كذب نتنياهو بالقول إنه هو من من اقترح الهدنة، فهو من سرّبها لوسائل الإعلام، ومن أشعل نار الداخل الأميركي، مُظهرًا كيري كشخص يحاول تعزيز موقف حماس. لذا ينقل لنا كيري غضبه عبر محادثة دارت بينهما يخبر فيها نتنياهو بأن فعلته مشينة، يقول لنتنياهو: "كنا في منتصف المفاوضات على أساس أطروحاتك، الآن أرى التسريبات في الصحافة، هذا أمر مشين، وقف إطلاق النار الإنساني هو فكرتك، والآن تسرّب هذه الوثيقة لتجعلني أظهر وكأنني أحاول تعزيز موقف حماس". وكانت الإتفاقية محاولة لوقف إطلاق النار مع "حماس" أو "هدنة إنسانية" كما وصفها كيري.
ويخلص إلى أن "عنصر الثقة الشخصية ضاع"بينه وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي بعد هذه النقطة.
ويعدد كيري الوقائع التي اصطدم بها مع الجانب الإسرائيلي، فيتذكر محادثة أجراها مع نتنياهو - عقب خطاب ألقاه أوباما في فندق الملك داوود في القدس المحتلة عام 2013، أخبره فيها أن "الجميع في منطقة الشرق الأوسط يكذب"، لكن لم يخطر في بال كيري أن يكون هو ضحية الكذب القادمة.
ويضيف: إن "إسرائيل" لا تتوقف عن خلق العقبات التي تعيق تقدم المفاوضات، مثل رفضها الشرط الفلسطيني الأهم وهو إطلاق سراح السجناء من "فلسطينيي عام 1948" المُحتجزين قبل توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993.
رفض نتنياهو الخطة الأميركية التي أعدّها الجنرال الأميركي جون ألين، والتي تقضي بانسحاب القوات الإسرائيلية من الضفة الغربية وحلول القوات الأميركية مكانها، مع أحقية الجيش الإسرائيلي بالانتشار خلال ساعات إذا استشعر تهديداً، لكن نتنياهو أصر على أن "إسرائيل" بحاجة إلى الحفاظ على وجود عسكري طويل الأمد في الضفة الغربية.
ومن خلال هذه الصدامات أدرك كيري صواب رأي أوباما الذي اعتبر عملية السلام منذ بدايتها إيماءة طيبة من الولايات المتحدة لـ"إسرائيل". لكنها لن تثمر عن أي شيء، حتى لم تشفع تلك الإيماءة من رد "إسرائيل" على القرار 2334 الذي يعتبر المستوطنات في الضفة الغربية غير شرعية ويطالب "إسرائيل" بإزالتها. ومنذ عام 1979 لم تُعطِ الولايات المتحدة ضوءاً أخضر لمشروع قرار يدين بناء المستوطنات الإسرائيلية، لكن أوباما قرر فعلها في الأسابيع الأخيرة لحكمه بعدم استخدام حق النقض "الفيتو" ضد القرار 2334.
ويوضح كيري بإن ما دفع أوباما لهذا القرار كان تمرير "إسرائيل" لقانون يسمح بتقنين المستوطنات. ويرجع غضبه بأن أوباما كان متشككاً منذ البداية في نية نتنياهو، لكن تصريحات نتنياهو عن استعداده لتقديم تنازلات قاسية لصنع السلام، وحتى المخاطرة بائتلافه الحكومي أقنعت كيري، ما دفع الأخير إلى إقناع أوباما "المتشكك" في نيات نتنياهو، بأن عملية السلام تستحق الاستئناف.
ولا يجد كيري أية مشكلة في كون كل من تعاملوا من المسؤولين الأميركيين مع المسيرة السلمية في المنطقة كانوا أشخاصاً متحيزين إلى "إسرائيل". بل يذكر بأنه عيّن مارتن أنديك موفداً خاصاً لعملية السلام في المنطقة، وأشاد بخبرته الطويلة في هذا المجال على رغم عمله البحثي في مراكز أبحاث تابعة للوبي الصهيوني. ويذكر كيري في كتابه إن الرئيس الفلسطيني محمود عباس "كان على علم بأني مساند قوي لإسرائيل".
وللتوسع في هذا الموضوع لا بأس أن نحيل القارئ إلى كتاب "وسطاء الخداع" للباحث الأميركي من أصل فلسطيني رشيد الخالدي.
ويسرد في مذكراته كيف سعت إدارة اوباما للتوصل إلى اتفاق مع إيران حول برنامجها النووي، وكيف أمّن ضغوط دول عدة للتوصل إلى اتفاق.
ويتحدث عن دور سلطنة عُمان في إتمام الصفقة. ويشيد بالسلطان قابوس ودوره البناء للتوصل إلى هذا الاتفاق.
ويكشف كيري في مذكراته بأن شخصاً عمانياً يدعى سالم الإسماعيلي اقترح عليه، بعد نجاح وساطته من أجل إطلاق سراح المتسلقين الأميركيين في إيران، التعاون في قضايا أخرى. وبالفعل نقل كيري الذي كان في ذلك الوقت رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، الرسالة إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما داعياً إياه إلى تفعيل الحوار مع إيران عبر الوساطة العمانية.
ويصف ساعات طويلة من المفاوضات الدقيقة والمفصلة من دون نوم والتوترات التي ظهرت بشكل دوري خلال المحادثات التي دامت نحو عامين، خاصة معارضة هيلاري كلينتون للمفاوضات مع إيران، ومخاوف أوباما من حق إيران في التخصيب، فضلاً عن التوترات بين إيران وروسيا.
وفي نهاية المطاف تم التوصل إلى الصفقة النووية رغم الضغوط الهائلة من حكومة نتنياهو، وهي ضغوط عززت الفجوة بين إدارة أوباما و"إسرائيل"، ووصلت إلى نقطة اللاعودة مع خطاب نننياهو أمام الكونغرس الأميركي الذي اعتبرته إدارة أوباما "ضربة تحت الحزام".
ويوضح كيري أن قرار نتنياهو المثير للجدل بالتحدث أمام الكونغرس عام 2015 ضد رغبات البيت الأبيض، ومعارضته الحادة للاتفاق النووي الإيراني أصابتاه بخيبة أمل كبيرة وقال: "ظننت أننا نستحق أفضل من ذلك".
يعتبر أن من الإنجازات الأساسية له ولإدارة أوباما هو الاتفاق النووي الإيراني واتفاقية باريس للمناخ؛ لذلك اشتبك كيري والرئيس الأميركي دونالد ترامب في الأشهر الأخيرة مراراً على خلفية الملف الإيراني، وذلك بعدما اتهم ترامب كيري بالانخراط في "دبلوماسية ظل" غير قانونية لإنقاذ الاتفاق النووي مع إيران، وذلك في إشارة إلى الاتصالات الهاتفية التي أجراها كيري مع عدد من وزراء الخارجية الدوليين أملاً في انقاذ الاتفاق النووي برغم انسحاب أميركا منه.