منظومة النهب الدولي: قراءة نقدية لمفاهيم الاستعمار والتنمية
يشير المؤلف إلى أن منظومة النهب الدولي، ارتكزت منذ نشأتها إلى جذور تكوّنت في غضون القرون الوسطى الأوروبيّة، وفي خضم ازدهار حملات القرصنة.
طغت منظومة النّهب الدّولي، منذ نهاية الحرب الباردة، على مجمل العلاقات الدولية والاقتصاد العالمي وحركة رؤوس الأموال، وأضحت قوّة قائمة بذاتها فوق الانتماء لأي من الدول والأمم، في الوقت الذي تسيطر عليها وتوجّهها في حركتها وقراراتها السياسية والاقتصاديّة، وتعمل على إسقاط حكومات وتثير الفتن والقلاقل والحروب حيثما تقتضي مصالحها. وتعمل على فرض أيديولوجيتها على الشعوب والمجتمعات كافة، بكل ما تحتويه من عادات مستحدثة ومن مفاهيم مناقضة للفطرة البشريّة حول الحق والباطل والخير والشر والجميل والقبيح، بما يتلاءم مع أهدافها، وتسفّه كلّ ما لدى شعوب الأرض من مفاهيم وتقاليد تتعارض مع تلك الأهداف.
منظومة النهب الدولي، كتاب جديد لمؤلّفه الدكتور محمد نعمة فقيه، يستعيد فيه تجارب الشعوب على امتداد عدة قرون، والصراعات التي كانت وما زالت قائمة حتى اليوم بكل أشكالها العسكرية والسياسية والفكرية والثقافية، وبأسلوب تاريخي علمي تحليلي، وتلك الوقائع ليست فقط مراجعة للتاريخ، كما وإنّ منظومة النهب الدوليّ هذه ليست تكتلاً أو مجموعة تكتلات لرجال أعمال يسعون لجني الأرباح والسيطرة على اقتصادات العالم وثرواته ونهبها، بل هي فوق ذلك، بفرضها لأيديولوجيتها على شعوب العالم.
كتاب منظومة النهب الدولي للمؤلف الدكتور محمد نعمه فقيه، صادر عن دار مكتبة فقيه في بيروت العام 2023، يقسم الكتاب إلى 7 فصول من القطع الكبير ويقع في 416 صفحة.
بدايات منظومة النهب الدولي
يشير د. محمد نعمه فقيه في كتابه، إلى أن منظومة النهب الدولي، ارتكزت منذ نشأتها إلى جذور تكوّنت في غضون القرون الوسطى الأوروبيّة، وفي خضم ازدهار حملات القرصنة على ساحل شمالي أفريقيا وغربها التي كان يتولّى القيام بها القراصنة النورمانديّون منذ القرن العاشر الميلادي، وتطوّرت لتنشئ نظاماً رأسمالياً تحوّل ضمن سيرورة تاريخيّة إلى نظام رأسمالي عالمي.
وتبلورت هذه المنظومة مع بداية القرن التاسع عشر، كجهاز حاكم لحركة رؤوس الأموال العالمية ومحرّك للعلاقات الدولية، ومع تضخّم دور النظام المصرفي في تمويل وإدارة الحركة الاستعمارية الغربية، أضحت البورصات التي نظّمتها وسيطرت عليها واحدة من أدوات السيطرة والإخضاع لكبرى الشركات والمنشآت في الدول الصناعيّة وخارجها.
كتاب: منظومة النهب الدولي: صيرورتها من القرصنة والإستعمار إلى العولمة وسلطان الطاغوت
الأوروبية الغربيّة بداية، ومن ثم السيطرة على العالم أجمع، وكيف حوّلت المجتمعات الأوروبية من مجتمع يتحد تحت مظلة الأيديولوجيا الدينية الكاثوليكية، إلى مجتمع بات مفكّكاً بلا روح ولا قضية سوى الاستهلاك والمنافسة، تحرّكُ أفراده المتناثرين (أجهزة الإعلام والدعاية) فتحدّد لهم أولوياتهم ومعايير الفن والجمال، تبعاً لما تتطلّيه الرؤية الأيديولوجية لمنظومة النّهب.
وكذلك كيف تسعى هذه المنظومة بوسائلها المختلفة إلى تدمير البنيان الحضاري للمجتمعات غير الأوروبية، بالوسائل والأدوات نفسها التي دمّرت بها المجتمع الأوروبي وجرّدته من خصائصه الإنسانية، وكيف تستخدم شعارات الحداثة والتطوّر والتنمية والعولمة لتحقيق هذا الهدف؟
يسعى المؤلف من خلال هذا البحث إلى الإجابة عن جملة من الأسئلة والمباحث ذات الصلة ومنها:
هل الرأسمالية هي مجرّد علاقات إنتاج وشكل حقوقي أم ملكية أدوات الإنتاج؟ أم أنها نتاج فعل أيديولوجي؟
هل على كل المجتمعات البشرية أن تتطوّر باتجاه رأسمالي؟ أو أن تطوّر المجتمعات البشرية عبر التاريخ لم يسلك في أي من مراحله المسلك نفسه.
هل أن الرأسمالية حالة نشأت فجأة في أوروبا الغربية كنتيجة للتناقض فيما بين رأس المال والإقطاع، أو بسبب سريان الوعي في روح شعب؟ أم أنّها نتيجة للثروات التي نهبها القراصنة على امتداد قرون من سواحل وبلدان العالم؟
هل الانتصار على الرأسمالية يتحقّق كنتيجة لتناقضاتها الداخلية وبما تخلقه من طبقة نقيضة لها، هي "البروليتاريا" التي تتشكّل من جموع العمّال المضطهدين في البلاد الصناعية، الذين يؤدون دور "حفّاري قبور الرأسماليين"، كما يقول كارل ماركس؟ أم أنّها، وبسبب كونها ليست مجرد علاقات إنتاج وتكتلات اقتصاديّة، بل هي نسق أيديولوجي متكامل ومترابط، لا يمكن الانتصار عليها إلّا بالصراع مع نقيضها الأيديولوجي؟
هل كان تطوّر الرأسمالية في أوروبا الغربية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، نتيجة "تطوّر التجارة الخارجية وتوسّع الأسواق العالميّة"؟ أم أن هذا التطوّر كان بسبب تطوّر أجهزة النّهب الذي مارسته القوى الاستعماريّة حول العالم، وقيامها بجلب المنهوبات من وراء البحار إلى الداخل الأوروبي؟
ما هو الدور الذي أدّته "الحداثة" في الفلسفة والفكر والآداب والفنون، في الترويج للأيديولوجيا الرأسمالية وتحويل نمط الاجتماع الأوروبي إلى اجتماع يتلاءم مع مصالح البيوتات المالية اليهودية، وصولاً إلى قبضها على مفاصل السلطة الاقتصاديّة والسياسيّة منذ مؤتمر فيينا 1813 بعد الحروب النابوليونيّة؟
وكيف تحوّلت المستعمرات حول العالم إلى مرتع لها بعد أن أصبحت جيوش الغزاة الاستعماريين للعالم تتحرّك تبعاً لاستثمارات منظمة روتشيلد المالية (الصخرة الحمراء)، حيث توزّعت مكاتبها على عواصم الدول الكبرى بداية القرن التاسع عشر، واحتكرت تمويل الاستثمارات والحروب، والحركة الاستعمارية لتنشئ منظومة تقبض على مفاصلها تلك المنظمة بقوة وإحكام، وهي "منظومة النهب الدّولي" بكامل أدواتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية والأيديولوجيّة؟
يتمحور الكتاب حول الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها من الأسئلة الجوهريّة والفرعيّة، وذلك عبر تفنيدها وتشريحها على مدار فصوله السبعة بمباحثها المتعدّدة، بالاعتماد على المنهج الاستقرائي التحليلي لمعطيات من الفلسفة والتاريخ والسياسة والاقتصاد، بهدف المساهمة في التأسيس لوعي سياسي واقتصادي وتاريخي مناهض لما هو سائد وحافل بالمعتقدات والأفكار المؤسسة على أكاذيب وأضاليل وأباطيل، حيث لا يمكن بناء وعي مناهض للعبودية والاستتباع من دون الكشف عنها ودحضها.
الانفصال بين العمل ورأس المال
إنّ فهم طرق آليات عمل منظومة النّهب الدّولي يفرض ضرورة ملاحظة أن رأس المال كان حالة فوق السلطة السياسية الرأسمالية وخارجها في آن واحد. ففي ظل هذا النظام الرأسمالي المضطرد النّمو كان الانفصال واضحاً فيما بين العمل ورأس المال، العمل ليس بالمفهوم الذي قدّمه كارل ماركس، فحصره بالطبقة العاملة بل بمجمل العمل الرأسمالي.
أما البيوتات المالية، فهي التي سيتطوّر عملها وتُعرف باسم "النظام المصرفي" فيما بعد. ولذلك سنرى هذه البيوتات هي نفسها التي تموّل العمل الصناعي، وأيضاً الحروب، لمختلف الدول القوميّة المتصارعة، فهي لا يعنيها من ينتصر، بل يعنيها فقط أن تجد السُّبُل الآمنة لتوظيف أموالها ولتستعيدها مع فوائدها التي لا تعوزها وسيلة لمضاعفتها.
هذه البيوتات المالية، والنظام المصرفي الذي أنشأته، هي التي ستكون الركيزة التي سيتأسس عليها، وعبر مراحل متعاقبة ومنسّقة، نظام السطوة الاقتصادية والسياسية الذي يُمارس عبر ما يُعرف باسم "رأس المال المالي" الذي يتحكّم بالعالم بأسره، وهو يستخدِمُ في عصرنا الراهن، كواحد من أذرعته، صندوق النقد الدولي، الذي أصبح، بالنسبة لعدد كبير من الدول المغلوب على أمرها، شرّاً لا بدَّ منه، وهو "الشيطان" الذي يتدخّل في كل التفاصيل لتقويض أي محاولة تبديها تلك الدول للخروج من ربقة التبعية والخضوع للإرادة الخارجية والدولية.
يقدّم لنا هذا الانفصال ما بين رأس المال والعمل، توضيحاً لطبيعة العلاقة فيما بين الحركة الاستعماريّة ومنظومة النّهب الدّولي، في مرحلة سيطرة الأيديولوجيا الرأسمالية على القرار السياسي في أوروبا الغربية، لنرى بأنها كانت هي بذاتها، أي الحركة الاستعمارية، قد أصبحت جزءاً من "العمل" في خدمة رأس المال المالي، ولتكون بالتالي جزءاً من منظومة النّهب الدّولي الذاتية التعمّق والتوسّع. أي أنّها تمثّلُ ذراعاً من أذرع هذه المنظومة. فيما تستخدم هذه المنظومة الدول الاستعمارية للتنافس فيما بينها لدرجة التناحر والصراع الدموي.
والسؤال هنا: هل أنّ المفاهيم والقيم ومنظومة المعارف والمدارك التي تطلق عليها هنا "الأيديولوجيا الرأسمالية"، هي التي دفعت بعلاقات الإنتاج في المجتمعات الأوروبية الغربية في لحظة ما لأن تسلك مسلكاً يؤدّي إلى ضرب علاقات الإنتاج الإقطاعية، وتقيم مكانها علاقات إنتاج جديدة قائمة على العمل المأجور والاستثمار الرأسمالي للثروة؟
المفكّرون في خدمة الأيديولوجيا
مهّدت الحروب الدينية الأوروبيّة وانتصار البروتستانتية لتكوين المخزون الثقافي-الترويجي لهذه الأيديولوجيا، فدفعت (بمجاميع من المثقفين) لحمل راية الأيديولوجيا الجديدة ومفاهيمها ومبادئها. وتشكّلت جمعيات ومنتديات ثقافية في عموم القارّة الأوروبية ضمّت كلّ المبهورين بما أنجزته الرأسمالية، يروّج روّادها لمقولات تدعو إلى تدمير كلّ قديم على المستويات الفكرية والأدبية والفنية كافة. فأشاعوا أن التخلّص من كل ما هو سابق على الرأسمالية ضرورة لا بدّ منها لتحقيق المزيد من الإنجازات.
فقد كان من مقتضيات الترويج لتلك الأيديولوجيا، طمس الحقيقة، وأحياناً قتلها واستبدالها بأكاذيب. وانطلقوا من منطلق مشترك، مهما اختلفت صبغتهم ومشاربهم وبناهم الفكرية، ألا وهو أنّ الوصول إلى العالم الأجمل والحياة الأفضل، يتوجّب القضاء على كل القيم والتقاليد والموروثات القديمة، وبشكل خاص على كل ما هو معادٍ للتقدّم: الإقطاع والكنيسة.
وليس القضاء على الكنيسة بما هي حاضرة في الواقع السياسي الأوروبي فقط، بل وعلى الإيمان نفسه. باعتبار أن الإيمان بما يعنيه من أساطير ومفاهيم وقيم، يحدُّ من حرية الفرد ويعيق إبداعه ويجعله أسير بيئته الاجتماعية، وعقبة أمام التقدّم العلمي. فقالوا كذباً ونفاقاً بأن الكنيسة وقفت في وجه تقدّم أوروبا ووصولها لما وصلت إليه، وأعادوا كل الإنجازات الحديثة للبروتستانتية واليهودية.
مع أن الوقائع التاريخية تؤكد بأن أهم الاكتشافات الجغرافية، بما في ذلك التسليم بكروية الأرض، و"الفتوحات" الأوروبية ما وراء البحار، قد تحقّقت بدعم وتوجيه من الكنيسة والإقطاع. وهي المنجزات التي أمّنت الانقلاب في العلاقات الدولية، ووفّرت الفائض الاقتصادي الضخم الذي ضُخّ في الاقتصادات الأوروبية، ومكّنها من تطوير جهازها النّهبي والسيطرة على العالم.
تطوير جهاز النهب الدولي
يلاحظ المؤلف د. محمد فقيه في كتابه، أن الأيديولوجيا الرأسمالية حظيت خلال معركتها لتثبيت هيمنتها على مجتمعات أوروبا الغربية بجيش من الأكاديميين والمثقّفين على مستويات الأدب والفكر والفلسفة كافة، يحيط بهم جمهور من الناقمين على رجال الكنيسة والإقطاع الآخذين بالانتشار تحت شعارات "الإصلاح الديني"، إضافة إلى جموع من العنصريين المنبهرين بانتصارات جيوش بلادهم فيما وراء البحار.
وحين سيؤول زمام الأمور في المستعمرات إلى التشكيلات الأولى لمنظومة النهب الدولي، وخصوصاً ما عُرف باسم "الثورة الصناعية الثانية" في النصف الثاني بعد القرن التاسع عشر، ستعمل هذه الأيديولوجيا على تطوير جهازها النهبي، وتوظّف تجربتها الأوروبية في مجتمعات المستعمرات.
في المراحل الأولى من الغزو الاستعماري، أي الاستعمارين البرتغالي والإسباني، كان يعتمد المستعمرون على الخطاب الديني لاستقطاب المتعاونين من أبناء المستعمرات. وكانت جماعات "المبشّرين" الكاثوليك جزءاً من "العدّة" التي استخدمها المستعمر لتحسين شروط استعماره. هذا ما حدث مع السكان الأصليين في أميركا اللاتينية، وكذلك مع الشعوب الملاويّة في الأرخبيل الذي يُعرف اليوم باسم الفليبين. وكان الخطاب الديني معلناً وصريحاً في التعبئة لحشد الجنود والمتطوّعين للحرب، وكذلك في المراسلات المتبادلة بين البابا وكلّ من ملكَي إسبانيا والبرتغال.
وقد نجح الغرب بشكل كبير في اختراق البنية الاقتصادية الاجتماعية لمجتمعات المستعمرات بواسطة هؤلاء، الذين شكّلوا حزاماً أيديولوجياً يحمي مصالح الغرب وسياساته في المستعمرات، عبر ما أنشأوه من جمعيات وأحزاب تدعم السلطات المحلية التي أقامها المستعمر، أو تضغط عليها لتشريع ما يتلاءم مع التوجّه الأيديولوجي الغربي للمستعمرات، فتكوّنت حالة تطوّرت لتكون ذراعاً جديدة، وإضافية، من أذرع منظومة النّهب الدّولي.
لا شكّ أنّ للعامل الاقتصادي دوراً رئيساً في حركة التاريخ، هذا ما يقدّمه كتاب منظومة النهب الدولي، في سيرورتها من القرصنة والاستعمار إلى العولمة وسلطات الطاغوت، الذي كان يؤدي دوماً دور المحفّز أو الشعلة التي تفجّر الحروب وتطلق الغزوات، ولكن يجب فهمه والنظر إليه ليس من زاوية المقاربة فيما بين مستوى تطوّر القوى المنتجة فقط، فلقد كان اندلاع الحرب الإنكليزية - الإسبانية أواخر القرن السادس عشر لأسباب اقتصادية بحتة، ولكن من زاوية معاكسة لزاوية الرؤية التي تتخذها مقولة أن تطوّر القوى المنتجة تؤدي الدور الحاسم في تحقيق الغلبة.
فقد تمكّنت إنكلترا ذات القوة الاقتصادية المتواضعة جداً بالنسبة لإسبانيا من تدمير الأرمادا الإسبانية عام 1587، حين أرادت ردع القراصنة الإنكليز الذين كانوا يسطون على السفن الإسبانية في المحيط الأطلسي، بينما هي عائدة من العالم "الجديد" محمّلة بمنهوبات تلك البلاد. فالدافع للقرصنة اقتصادي والدافع لمنعها اقتصادي، والمنتصر فيها كان الأقل قوة اقتصادية، ولكن حافز القتال عنده كان أقوى وأوضح. فالقرصنة كانت بالنسبة للإنكليز في تلك الفترة ضرورة لا بدّ منها لتحصيل مستلزمات العيش، والقراصنة هم أنفسهم الذين قادوا معركة الدفاع عن وجودهم.
مواجهات الغزو الاستعماري:
لقد كانت المواجهات والمقاومات المسلّحة وغير المسلّحة التي أبدتها شعوب العالم لمنع إخضاعها ونهبها منذ اللحظات الأولى لبداية الغزو الاستعماري لمجتمعاتها مستمدة من البنية الأصلية لتلك المجتمعات، البنية التي استمرت تؤرق الغزاة وأجهزة نهبهم طوال قرون الاستعمار.
إذاً، لم تكن الغزوات الاستعمارية الأوروبية تعبّر عن حالة تطوّر رأسمالي، ولا هي معنية بنشر الرأسمالية في العالم كما بشّر كارل ماركس، واضطرّ أنصارها أن يحشروا أنفسهم في هذه الزاوية، ويمعنوا في تجاهل أنّ نمو الرأسمالية في أوروبا هو ثمرة النهب الذي تراكم بفعل عمليات القرصنة التي تطوّرت إلى حالة استعمارية، قبل أن تصبح الرأسمالية حالة ذات قيمة سياسية واجتماعية في أوروبا.
وهكذا نرى بأن ركائز التبعية قامت على ثلاثة أعمدة، وقد تمثّلت هذه الأعمدة الثلاثة في المرحلة الاستعماريّة الأولى على التفوّق العسكري، القبض على الثروات ومفاصل الاقتصاد، وكلاء وسلطات محلية متواطئة. وفي المرحلة الوسطى، أي ما بعد الثورة الصناعية الثانية في أوروبا حتى نهاية الحرب العالمية، ستُدعم الركيزة الثالثة، أي الوكلاء والسلطات المتواطئة، بنُخب من متقمّصي الثقافة الغربية أو المتماهين معها، الذين يتولّون نشر ثقافة المستعمر، وهي النُّخَب التي سيوكِل إليها المستعمر مهام السلطات المحلية في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية مع احتفاظه بوظيفة الركيزتين الأولى والثانية.
كيف رمت هذه المنظومة جذورها الأولى؟ وكيف تطوّرت من القرصنة التي ابتدأتها في القرن العاشر الميلادي إلى أن هيمنت على أوروبا الغربية، ووظّفت الحركة الاستعمارية حول العالم لمصالحها؟ وما هو دور البيوتات المالية اليهودية في نشأتها وتطوّرها؟ وكيف دمّرت الثقافة اللاتينية ونمط الاجتماع الكاثوليكي في أوروبا الغربية؟ وكيف تخوض معركة تدمير حضارات العالم قاطبة؟
وهل الصراع الحضاري العنيف المحتدم حالياً سيؤدي إلى أن يستعيد الإنسان طبيعته ككائن اجتماعي؟ أم أن منظومة النهب ستضع البشرية أمام واقع مظلم تسوده الهمجيّة والوحشيّة؟ جميع تلك الأسئلة يجيب عليها الدكتور فقيه في كتابه منظومة النهب الدولي.