مِنّة

المِنّةّ هي العطاء أو الهِبة التي تّعطى من دون مقابل ومن دون أن يتبعها مَنٌّ، كأن يُمنِّنُ المعطي الناس بما قدّمه من عطاء، ففي ذلك أذى وفساد.

إنْ لم تَجُدْ بِالوَصلِ مُتُّ بِحَسرَتي
إنّ الفِراقَ مَنِيَّتي يا مُنْيَتي
لكَ ناظِرٌ ذو صِحَّةٍ في عِلَّةٍ
ما صِحَّتي إلّا لَدَيهِ وعِلَّتي
كم مِنَّةٍ لكَ في الوِصالِ قَوِيّةٍ
وأراكَ في البُحرانِ تُضعِفُ مِنَّتي

يتوجّه الشاعر بهذه الأبيات إلى الحبيبة التي يخاطبها بصيغة التذكير، وهو أسلوب كان يعتمده بعض الشعراء في باب الغزل. يقول لها إن لم تتكرّمي عليّ باللقاء فسأموت من الحسرة، لأن الفراق والموت عندي سواء. وإن صحتي وسقمي رهن بالنظرة التي تلقينها عليّ بعين الرضا أو السخط. وكم لك من مِنّة (إنعام) عليّ حين تصلينني وكم يُضعف انصرافُك عني مِنّتي (قوّتي).

صاحب هذه الأبيات الغزلية كاتب وشاعر ومؤرّخ هو عماد الدين الأصبهاني (1125 - 1201) ولِد في أصفهان. قدم إلى بغداد حدثاً وتلقّى تعليمه في المدرسة النظامية. كتب باللغتين الفارسية والعربية. شغل عدة وظائف وتولّى نظارة البصرة ثم واسط. انتقل إلى دمشق وعمل في ديوان نور الدين محمود زنكي. ثم انتقل لخدمة صلاح الدين الأيوبي ورافقه في حياته وحروبه وأرّخ لمعاركه مع الفرنجة الصليبيين. بعد وفاة صلاح الدين أقام في منزله بدمشق وانصرف للتصنيف وتدوين أحداث الدولتين النورية والأيوبية حتى وفاته.

في الأبيات أعلاه يستوقفنا ذكر الشاعر لكلمة مِنّة بمعنَيَين، الأول معنى الهِبة والعطاء والإنعام، ومنه أخِذ اسم العلم المؤنث مِنّة، والثاني معنى القوّة. الأول من قولهم: منّ عليه بكذا، يَمُنُّ، مَنّاً، فهو مانٌّ، والمفعول مَمنون عليه، وذلك إذا أنعم عليه نعمةً من غير تعب من المُنعَم عليه، أو مقابل.

ومَنّ اللهُ عليه: أنعم عليه نعمة طيّبة. ومنه في سورة طه: "قال قد أوتيتَ سُؤلَكَ يا موسى، ولقد مَنَنّا عليكَ مَرّةً أُخرى"، أي أنعمنا عليك مرّة أخرى قبل هذه.

ومِنّةُ الله: اسم مركّب بالإضافة، مثل هِبة الله. والمنّان صيغة مبالغة على وزن فعّال، أي كثير العطاء، من المِنّة بمعنى النعمة. والمنّان من أسماء الله الحُسنى، أي صاحب النِعم المتتالية من دون طلب عوض. وأما المنّان من الناس فهو الذي يمُنّ على مَن أحسن إليه فلا يدع مناسبة إلا ذكّر بما أعطى فيخجل الآخر ويؤذيه.

والمِنّةّ هي العطاء أو الهِبة التي تّعطى من دون مقابل ومن دون أن يتبعها مَنٌّ، كأن يُمنِّنُ المعطي الناس بما قدّمه من عطاء، ففي ذلك أذى وفساد. وفي ذلك يقول أبو الفرج الببغاء (926 - 1008):

أفسدتَ بالمَنِّ ما أسدَيتَ مِن حَسَنٍ
ليسَ الكريمُ إذا أعطى بِمَنّانِ

ويقول الإمام الشافعي (767 - 820):

لا تحمِلَنَّ لِمَن يَمُنُّ
مِنَ الأنامِ عليكَ مِنّهْ
واختَرْ لِنفسِكَ حظّها
واصبِرْ فَإنّ الصبرَ جُنَّهْ
مِنَنُ الرجالِ على القلوبِ
أشدُّ مِن وَقعِ الأسِنّهْ 

والمِنّة لُغةً مشتقة من جذر هو الميم والنون وهو أصلان كما يقول ابن فارس في "معجم مقاييس اللغة": أحدهما يدلّ على قطع وانقطاع، والآخر على اصطناع خير. الأول المَنُّ وهو القطع. ومنه يقال: مَنَنتُ الحبلَ، إذا قطعته. ومنه قرآناً: "فلهم أجرٌ غيرُ مَمنون" أي غير مقطوع أو غير منقوص.  والمَنونُ: المَنِيَّة، لأنها تُنقص العدد وتقطع المَدَد. والمَنُّ: الإعياء، وذلك أنّ المُعيي ينقطع عن السير. والأصل الآخر المَنُّ: تقول: مَنَّ، يَمُنُّ، مَنّاً، إذا صنع صنعاً جميلاً. ومن الباب: المِنّة وهي القوّة لأنّ بها قوام الإنسان.