فنانون عراقيون يجسّدون بلادهم تراثاً والتزاماً
للفن العراقي ميزة خاصة، أهمها التزام فنانيه ببلدهم وتراثه وتقاليده، وقدرته على تحمّل الصعاب. تعالوا نتعرف إلى 4 فنانين عراقيين وأعمالهم.
للفن العراقي ميزة خاصة، أهمها التزام فنانيه ببلدهم وتراثه وتقاليده، وقدرته على تحمّل الصعاب. ففي أكثر من 30 عاماً على المآسي العراقية التي كانت شبه فاتحة لمآسي الإقليم المحيط به، شهد العراق الصعاب والعدوان الوحشي. قبل غزة، فُقِد عشرات آلاف الأطفال العراقيين في الحروب التي شُنَّت عليهم.
رغم كل ذلك، التزم الفنان العراقي بالألوان الزاهية المتمسكة بالأمل، وبالتمسّك بتقاليد بلاده وأنحائها وتراثها، وكل ما فيها واشياً بالصفة العراقيّة، فرسم النخيل والأحياء والشوارع والحانات، قديمها وحديثها، جلسات الرجال العاطلين من العمل أو المتقدمين في السن، بأيديهم العصي، والسيجارة، والثياب التقليدية من أزياء نسوية محبوكة بالأيدي والسراويل الفضفاضة، الأعمال الحرفية اليدوية، والمهن التقليدية، وصيد السمك، وعربات الخيول، والمساجد المتعددة القبب، والكنائس الخائفة، العيون الوسيعة السوداء، والخَفَر على الوجوه.
وعلى مسار الفن العراقي، سبق لغاليري "زمان" في الحمراء ببيروت أن استضاف عشرات المعارض الفنية للفنانين العراقيين، غذّت فكرة إقامة معارض جامعة لهم تحت عنوان "الباليت العراقية"، التي أقيم منها 14 معرضاً، جمعت مئات اللوحات، وعشرات الفنانين.
موسى قبيسي، مؤسس الدار، قال لـــ "الميادين الثقافية" إن اهتمامه بالفن العراقي إلى هذا المستوى سببه ما لمسه من فن راقٍ عبر عشرات المعارض لفنانين عراقيين.
وقال قبيسي إن "الفن العراقي يتسم بحداثة مصبوغة بالوطنية العراقية، ورغم بربرية الحرب على العراق، هناك لدى الفنان العراقي توق للجمال، على ما عبرت عنه المئات من أعمالهم"، مضيفاً أنه من جانب آخر، "بالرغم من سفر كثيرين من الفنانين إلى أوروبا، ودراستهم الفن هناك، بقيت روحية العراق واضحة في أعمالهم، تجمع بين الطابع العراقي، التراثي- التاريخي - الثقافي، وبين أوجاع الحاضر الناتجة عن العدوان".
من الفنانين الذين يمكن القول إنهم يعبِّرون عن الفن العراقي، الفنانة ليلى نورس المقيمة في كندا. تقول إنها تأثرت بمدينتها العريقة بغداد واصفة إياها بروعة التراث الجميل والمميز الذي ترك بصمته على أغلب أعمالها.
ونورس ممن أجبروا على هجرة العراق نتيجة الحروب فغادرت بلدها عام 2001 إلى كندا. انطلقت من هناك بالرسم وشاركت في عدد من الدورات التدريبية التي كانت، إضافة جديدة إلى خبرتها الفنية. كما شاركت في أغلب التجمعات والمهرجانات العراقية والعربية في كندا حيث تم تكريمها عام 2016 من قبل رابطة الفنانين والاُدباء.
ولدت نورس في بغداد، ودرست في مدارسها، وتخرجت من معهد إعداد المعلمات، ثم تخرجت من معهد الفنون الجميلة عام 1987، وتقول إنه "نظراً لشغفي بالفن عدت إلى مقاعد الدراسة ثانية والتحقت بمعهد الفنون الجميلة عام 1983، وكان لسنوات دراستي الخمس في معهد الفنون الجميلة الفضل الكبير في صقل موهبتي الفنية"، مع العلم إنها درست وتدربت على يد كبار الفنانين العراقيين أمثال محمد مهر الدين، و شوكت الآلوسي، وإبراهيم العبيدلي، وغيرهم .
رسمت نورس النخيل والبيوت الدافئة والعيون الواسعة وحمامات السلام والمرأة التقليدية، وصيد الأسماك، ولم تكتفِ بالرسم، فحملت معها هضاب بلدها وشطآنه والمنحنيات، ناقلة عن شعرائه أبياتاً مؤثرة، فأرفقت لوحاتها بأبيات مثل: سلام على هضبات العراق وشطيه والجرف والمنحنى/ على النخيل ذي السعفات الطوال على سيد الشجر المقتنى (الجواهري). ومن التقليد المحلي عتاباها: عشرتي وياك مايذبل وردها/ودمعتي توصل الرمشي وردها/ روحي إلك بستان وقطف وردها/ اُخذ الورد وعوف الشوك إليه.
أما الرسام محمد الخزرجي (1972) من بغداد، فقد بدأ الرسم مُنذ عام 1988. عمل لسنوات طويلة بصمت، ولم يُقِم أي معرض رسم لعرض إبداعاتهِ للجمهور حتى سنة 2017.
لوحاته قصص قصيرة عن بلاده، وعن حارات بغداد القديمة، وحكايات أيام زمان، فيها الإبداع وسعة الخيال القريبة من الواقع. أعماله تعبيرية واقعية، اتّخذ فيها الحصان ما يشبه الرمزية في أعماله، وتكاد شخصياته تنطق بالحركة. رسم رجال بلاده التقليديين، ومقاهيها، وفناجين القهوة، والعصير الطازج، والدروب الضيقة، والمساجد.
ثم الفنانة التشكيلية تارا خلیل عبد الله، المولودة في مدينة كركوك، وتدَرِّس في معهد الفنون الجميلة في المدينة نفسها. تغلب على أعمال عبد الله المائيات الشفافة، والألوان الزاهية، رغم تعقيدات وحساسية هذه التقنية بالرسم.
تقول عبد الله إنها تؤثر العمل في خامات مختلفة، وتجرب الجديد دائماً في الرسم. لكن الأقرب إلى نفسها، كما تقول، العمل بالألوان المائية.
وطالما عبّرت عن سعادتها في عالم الألوان، وتصفه بأنه "عالم لا نهاية له، ففي كل عمل جديد هناك شيء جديد وسر جديد أكتشفه"، مضيفة أن "العمل بالألوان المائية إدمان، وأُحِسّها كمتنفس وراحه نفسية لي". وتمتلك عبد الله احترافية عالية بكثير من الشفافية والسحر عبر الحكايات التي ترويها على وجوه أشخاصها ومشاهدها.
هكذا رسمت بائعة الرمان، وشارب الرجولة العراقية، وعنفوان ريفيّات العراق بثيابهن البراقة، المزدانة زركشة وألواناً زاهية. كما رسمت الشوارع العريضة، وناقلاتها الكثيرة بمنمنات وتفاصيل دقيقة تجتاز بها عتبة مخاطر المائيات في الممارسة الفنية.
لعبد الله 4 معارض شخصية، ومشاركات عديدة في معارض جماعية داخل العراق وخارجه.
أما الفنان آرام نبيل القس توما (1989) المولود في الموصل، فقد ركّز في مسيرته الفنية على المضمون وأعطى فنّه بعداً فلسفياً جدلياً.
حمل البكالوريوس من كلية الفنون الجميلة في جامعة الموصل سنة 2012، باختصاص الرسم، وناقش رسالة الماجستير في الفن التشكيلي للإبداع الفني والبحث والممارسة في عالم الفن ( CARMA ) في جامعة Jean Jaurès تولوز فرنسا.
اختص بحث القس توما بدراسة ميزة عراقية فيها العنف والتهجير القسري ثم المنفى، وبرأيه أنها "نتيجة الحرب الفكرية الاجتماعية الاقتصادية الدينية الطائفية التي كان الإنسان العراقي ضحيتها".
وحملت رسالة الماجستير الإشكالية الرئيسية: "كيف يمكننا إدانة العنف من خلال وجه الحرب؟ هل لا يزال بإمكاننا الرسم للتنديد اليوم؟".
يدافع القس توما عن الرسم بأنه "ليس لتزيين الشقق، بل أداة هجوميّة ودفاعيّة للحرب ضد العدو"، وأصبح من الصعب عليه رسم منزل بلا ركام، وطفل بلا دموع، أو أم من دون صور لأطفالها الغائبين، أو منزل بلا إنسانية. أما على المستوى الجمالي، فقد اهتم بتجربة الألوان الزاهية، والهادئة التي تتماهى بين الفكرة والواقع.
وشارك القس توما، عضو جمعية التشكيليين العراقيين في نينوى، في العديد من المعارض في بغداد والموصل والسليمانية، ولديه أعمال خارج العراق منها إيطاليا وفرنسا والسويد ولبنان.