علم السرد: كيف نقرأ؟
من تزفيتان تودوروف إلى رولان بارت وجيرار جينيت. ما الفرق بين القصة والحكي والسرد؟
يعد "علم السرد" نظرية للنص السردي، وهو لا يهتم بتاريخ مجموعة معينة من النصوص السردية أو معناها أو وظيفتها، بل يبحث في ما تتقاسمه كل النصوص السردية الفعلية أو الممكنة، وفي ما يمكّنها من أن تختلف عن بعضها البعض بوصفها نصوصاً سردية. وقد صكّ المصطلح (علم السرد) تزفيتان تودوروف عام 1969 في كتابه "نحو حكايات الليالي العشر" بالقول إنه: "يختص هذا العمل بعلم لم يوجد بعد، فلنطلق عليه اسم علم السرد، أي علم النص السردي، كما يجيء في الجزء الثامن من موسوعة كمبريدج في النقد الأدبي (من الشكلانية إلى ما بعد البنيوية)".
تزفيتان تودوروف: شعرية السرد
يبدأ تودوروف بأنّ أي عمل روائي (قصصي) ينظر إليه من 3 زوايا: علم الدلالة (المضمون والعالم الذي يثيره)، أو علم السياق (سماته البنيوية وتجمعاتها)، أو علم البلاغة (المظهر اللفظي، بما في ذلك أسلوب التعبير ووجهة النظر وكل ما له من تأثير في الكلمات المتحققة في النص).
ويوضح تودوروف طريقته بأن تُعاد كل قصة إلى خلاصة سياقية صريحة، وانتبه إلى أنّ النص كلما كان أدبياً (كمعارض للنص الأسطوري أو الشعبي)، تنحّت هذه الطريقة وحلّت محلها الطرق الأخرى في التحليل مثل طريقة رولان بارت وجيرار جينيت.
تصدى تودوروف في مقالته "كيف نقرأ؟" لشتى المقاربات الممكنة في دراسة الأدب والكتابة عنه. يذكر 3 مقاربات تقليدية هي: الإسقاط والتعليق والشعرية. الإسقاط طريقة في القراءة عبر النصوص الأدبية باتجاه المؤلف أو شيء آخر يهم الناقد. والتعليق مكمّل للإسقاط، فكما يسعى الإسقاط للتحرك عبر وخلف النص، يسعى التعليق إلى البقاء داخل النص. أما الشعرية فهي التي تبحث في المبادئ العامة التي تتجلى في الأعمال الخاصة.
ويؤسس تودوروف شعريته السردية على مفهوم محوري يسميه التحولات السردية، ويستعمل مصطلح الحكي بديلاً للفظ السرد، ويقول عنه: "إن مصطلح الحكي يستخدم هنا بمعنى عام جداً، إن معنى كلمة الحكي سيختلط جزئياً بكلمة تخييل".
واهتم تودوروف بمظهرين من الحكي هما المظهر النحوي، ومضماره القصة، والمظهر اللفظي وموضوعه الخطاب. ويقول إنه: "في المستوى الأكثر عمومية يكون للعمل الأدبي مظهران، فهو قصة وخطاب في الوقت نفسه. فالعمل كقصة يثير واقعية الأحداث التي جرت، والشخصيات التي قد تلتبس بشخصيات الحياة الواقعية. هذه القصة نفسها يمكنها أن تُبلَّغ بوسائل أخرى، بواسطة فيلم مثلاً، من دون أن تكون مبثوثة في كتاب، لكن العمل الأدبي هو خطاب في الوقت نفسه، يوجد راوٍ ينقل القصة، وبالمقابل يوجد مروي له يتلقاها عنه. هنا ليست الأحداث المروية هي التي تهم، بل الطريقة التي يجعلنا الراوي بها نتعرف على الأحداث".
رولان بارت: التحليل البنيوي للسرد
في مقالته "التحليل البنيوي للنص السردي"، اعتمد رولان بارت على أعمال سابقة وفصّل 3 مستويات تترابط ترابطاً هرمياً في النص السردي، يتعلق اثنان منها بالمادة المروية أو القصة (مستوى الوظائف ومستوى الأحداث)، بينما يرتبط المستوى الآخر بفعل السرد أو الخطاب (مستوى السرد).
وميّز بارت بين نوعين من العناصر الوظيفية (الوحدات السردية الصغرى التي ترتبط بالوحدات الأخرى ارتباطاً تتابعياً أو تبادلياً)، وهما الوظائف والمؤشرات. ويشمل كل نوع في حد ذاته نوعين من الوحدات، والوظائف بالمعنى الدقيق، التي ترتبط بالوحدات الأخرى من خلال التتابع والتراتب، وتشمل وظائف أساسية (وحدات لازمة لزوماً منطقياً للحدث السردي ولا يمكن حذفها من دون القضاء على التماسك السببي الزمني لهذا الحدث)، وكذلك عوامل الحفز (وحدات تملأ الفراغ السردي بين المفاصل، لا يؤدي حذفها إلى القضاء على تماسك الحدث السردي). أما المؤشرات، فتشير إلى جو أو فلسفة أو شعور أو سمة شخصية، وتنتج المعنى بطريقة مضمرة.
وقدمت مقالة بارت نموذجاً كلياً للتحليل السردي وراعت العناصر اللاسردية (بيئات الحدث، الموضوعات، وأجواء الحدث)، كما راعت العناصر السردية (مجريات عالم النص السردي، الأحداث)، وقدمت منطلقات لتصنيف النصوص السردية (مثلاً روايات المغامرات تهيمن عليها العناصر الوظيفية، في حين تهيمن العناصر المؤشرة على الرواية النفسية).
جيرار جينيت: القصة والحكي والسرد
بالرغم من أنّ قدراً كبيراً من الأعمال الخاصة بعلم السرد مكرس لدراسة المادة المسرودة بدلاً من فعل السرد، ويصف النص السردي على ضوئها، فإنّ بعض علماء السرد اعتبروا النص السردي طريقة للعرض (اللفظي) في الأساس. أي سرد الأحداث بواسطة راوٍ في مقابل تمثيلها على المسرح مثلاً. وعرّفوا مهمتهم بأنها دراسة الخطاب السردي لا دراسة القصة. ويعد جيرار جينيت أبرز ممثل لهذا الاتجاه في علم السرد.
في مقالته "خطاب النص السردي" وكتابه "الخطاب الجديد للنص السردي"، يميز جينيت بين 3 مكونات للخطاب السردي هي: القصة والحكي والسرد.
الحكي هو الذي يُعنى به الترتيب الفعلي للأحداث في النص، والقصة هي التتالي الذي حصلت فيه هذه الأحداث فعلياً. أما التسريد (السرد) فهو الذي يعنى بفعل السرد ذاته.
بحث جينيت في الروابط بين الترتيب الذي (يُعتقد أن) الأحداث حدثت وفقه، والترتيب الذي قُدمت به، والروابط بين مدة المادة المروية وطول النص السردي، والروابط بين عدد مرات وقوع الحدث وعدد المرات التي ذُكر فيها، وبحث في وجهات النظر التي يمكن من خلالها تقديم المادة المروية، وفي الأنواع الأساسية لتوسط الراوي، والطرائق الأساسية لتصوير أفكار الشخصيات أو أقوالها، ودرس الملامح المميزة للرواة والمروي عليهم (من يروي عليهم الراوي) والمقامات السردية.
ويميز جينيت 5 مقولات مركزية في تحليل السرد هي: الترتيب (الترتيب الزمني للسرد وكيف يمكن له أن يعمل من خلال الاستباق أو الاسترجاع أو المفارقة الزمنية. ويدل (الاستمرار) أو (الاستغراق الزمني) على أنّ السرد يمكن أن يُسقِط أحداثاً ضمن سرد طويل ويطيلها ويوجز ويتوقف قليلاً.
أما (التواتر) فيشتمل على تساؤلات عما إذا كان حدث ما قد حصل مرة في القصة وسُرد مرة، أو حصل مرات وسُرد مرات.
أما مقولة (الصيغة) فيمكن تقسيمها إلى البعد والمنظور. فالبعد يعنى بعلاقة التسريد بمواده الخاصة، هل هي علاقة تلاوة للقصة أم تمثيل لها وهل السرد محكي بالكلام المباشر أم المنقول. أما المنظور فهو زاوية النظر، ويمكن تقسيمه أيضاً إلى أقسام فردية متنوعة: فالسارد قد يعرف أكثر من الشخصيات أو أقل أو يتحرك معها على المستوى ذاته. وقد يكون السرد يلقيه سارد كلي المعرفة من خارج الفعل أو تتلوه شخصية واحدة من موقع ثابت أو مواقع متغيرة، أو من وجهات نظر شخصيات متعددة.
وثمة أخيراً مقولة (الصوت) التي تُعنى بفعل السرد ذاته، أي بنوع السارد والمسرود له، الذي ينطوي عليهما هذا السرد. ويمكن أن نجد هنا تركيبات عديدة بين زمن السرد وزمن المسرود، أي فعل تلاوة القصة والأحداث التي تُروى.
المراجع
1 - "من الشكلانية إلى ما بعد البنيوية"، موسوعة كمبريدج في النقد الأدبي، مجموعة مؤلفين، ج 8، مجموعة مترجمين، "المشروع القومي للترجمة"، المجلس الأعلى للثقافة والفنون، 2006.
2 - شولز، روبرت، البنيوية في الأدب، ترجمة حنا عبود، منشورات اتحاد الكتاب العرب، 1984.
3- إيغلتون، تيري، نظرية الأدب، ترجمة ثائر ديب، دراسات نقدية عالمية، منشورات وزارة الثقافة السورية، 1995.
4 - خراب، ليندة، شعرية السرد، أطروحة مقدمة لنيل درجة دكتوراه العلوم في الأدب الحديث، جامعة قسنطينة، الجزائر، 2011 - 2012.