شعراء وفنانون حصدتهم الإبادة الإسرائيلية
شعراء وفنانون قتلتهم آلة الإبادة الإسرائيلية مع عائلاتهم في غزة. من هم؟ وكيف وثقوا الحياة الفلسطينية وعدوان الاحتلال على القطاع؟
يقول فرانتز فانون إن: "المناضل ليدرك في كثير من الأحيان أن عمله لا أن يقاتل القوى العدوة فحسب، بل كذلك حبات اليأس المتبلورة في جسم المستعمَر".
في العدوان الغاشم على الشعب الفلسطيني في غزة، تقتل الآلة الإسرائيلية أطفال ونساء وشيوخ. هؤلاء هم أصحاب الأرض، ومبدعيها وفنانيها ومفكريهم وأطفالهم. مقاومون بابتسامتهم المبدعة، في كلماتهم الصادقة وهي تسخر من كذبتهم.
من بينهم الشهداء شعراء وفنانون وحالمون وموسيقيون. قاوم هؤلاء بكلماتهم ولوحاتهم وألحانهم وهم في غزة المحاصرة يطردون كل يأس عن أرواحهم. كانوا يلونون العالم الرمادي بلوحات تعكس تراث البلاد وروحها. فماذا فعل العالم بلوركا الذي اغتالته عصابة فاشية؟ تحول إلى أيقونة بعد أن أطلقوا عليه الرصاص.
وكذلك تغنّى العالم بغارنيكا، التي كانت موقفاً سياسياً لبيكاسو ضد الظلم، والتي رسمها احتجاجاً على القصف الألماني النازي لإسبانيا.
أما في فلسطين فأيقونات الحرية تزهر رفضاً للاحتلال. اغتال العدو الأجساد لكن الكلمات بقيت شاهدة على الظلم، وستروي قصتنا لأجيال وراء أجيال، وكأنها آثار لا تمحى من إنسانية وحضارة يحاول العدو بهمجيته أن يمحوها ويفشل. كما اغتال في السابق مفكرين وكتاب وشعراء وفنانين كغسان كنفاني، وماجد أبو شرار وكمال ناصر وغيرهم.
من بين الشهداء الذين ارتقوا في الإبادة المستمرة في غزة منذ عملية "طوفان الأقصى"، الفنانة التشكيلية هبة زقوت، والشاعرة هبة أبو الندى، والفنانة المسرحية ايناس السّقا، والفنان الدرامي علي نسمان، والفنانة التشكيلية حليمة الكحلوت ولا ننسى طبعاً اغتيال الصحفيين.
هبة زقوت: ألوان الحياة الفلسطينية
ترسم هبة زقوت البلاد بألوانها المفرحة، فتحتضن القدس والمسجد الأقصى بريشتها. كما رسمت كثيراً المرأة الفلسطينية الصامدة في أرضها. في إحدى لوحاتها، تطل امرأة تحمل غيتاراً وتغمض عينيها. كتبت هبة أعلى اللوحة على صفحتها على "فيسبوك": "نعيش حياتنا كأنغام من الموسيقى، أحياناً تكون الموسيقى صاخبة، وأحياناً تكون هادئة، هذه هي الحياة".
وفي لوحة أخرى ترسم شجرة زيتون متجذرة في الأرض، وتكتب هبة على اللوحة: "عندما كنت صغيرة، كان موسم الحصاد مميزاً عندي، كنا نجتمع كأفراد العائلة ونقطف الزيتون، تحفظهم أمي مع قطع الليمون، شكراً أمي".
هكذا كانت زقوت تؤرخ لحظاتها مع شجر البلاد وهوائها وأمكنتها الحميمية الدافئة، لتحضنها البلاد في لحظة الشهادة. وهي المولودة في قطاع غزة، استشهدت مع ابنها أثناء القصف الإسرائيلي على القطاع. درست زقوت الفنون الجميلة في كلية الفنون الجميلة في جامعة الأقصى، وشاركت في معارض دولية وعالمية.
رسمت هبة الحكاية التي لا يمكن للاحتلال محوها. فالبيوت المتلاصقة في لوحات هبة ما زالت واقفة، وغزة التي في اللوحة هي أكبر من مدينة، إنها غزة التي تقاوم.
لهبة زقوت معرض فردي وحيد سمته: "أطفالي في الحجر الصحي"، حاولت من خلاله التعبير عن حالة الحصار التي يعيشها الفلسطينيون وقد قالت يوماً عن فنها: "أحاول من خلال أعمالي الدفاع عن حقنا كفلسطينيين في العيش بحياة أفضل".
هبة أبو ندى: في الجنة غزة جديدة
لن يطوي النسيان كلمات هبة أبو ندى التي كتبت يوماً في قصيدتها: "في غرفة النسيان/ حيث الشمس لا تدنو إلى صدأ الأسرة". استشهدت الشاعرة والروائية أبو ندى جراء العدوان الصهيوني على غزة، وهي من قرية جرجا المهجرة في النكبة، وكانت تقيم في قطاع غزة.
تحمل هبة شهادة في الكيمياء الحيوية، وعملت في مركز "رسل" في قسم مختص بالأطفال الأذكياء والمبدعين في مجال العلوم.
وحصلت على المركز الثاني لجائزة الشارقة للإبداع العربي، عن روايتها "الأوكسجين ليس للموتى"، والتي تناولت فيها مأساة الانسان العربي في زمن ما يعرف بالثورات العربية.
قبل استشهادها بأيام، كتبت أبو ندى على صفحتها على "فيسبوك": "إذا متنا اعلموا أننا راضون وثابتون وبلغوا عنا أننا أصحاب حق"، كما قالت أيضاً: "في الجنة غزة جديدة بلا حصار تتشكل الآن".
وفي 10 تشرين الأول/أكتوبر نشرت قصيدتها قائلة: "أعيذك في الفروض والاستخارة، وأرقي كل مئذنة وحارة/من الصاروخ لحظة/ كان أمراً من الجنرال حتى صارة غارة/ أعيذك والصغار قبيل يهوي/ تغير ابتسامتها مساره".
هكذا أطلقت هبة تعويذتها قبل أن ترتقي شهيدة، تركت كلماتها للزمن حتى يأتي ذلك اليوم الذي ستطرد فيه البلاد الطغاة والغزاة.
صدر للشهيدة عدد من المجموعات الشعرية المُشتركة، منها: "أبجدية القيد الأخير"، و"العصف المأكول"، و"شاعر غزة"، متناولةً قضايا حول المواطن الفلسطيني المُحاصر في قطاع غزة، مازجة في أسلوبها مقاربات مختلفة بين الحبّ والحرب والتفاصيل اليومية.
إيناس السقا: "نساء غزة وصبر أيوب"
تعدّ الفنانة الفلسطينية إيناس السقا من أولى العاملات في المسرح الغزي. أجرت الكثير من ورش الدراما والمسرح مع الأطفال، وشاركت في العديد من الأنشطة التفاعلية المجتمعية.
ومن بين المسرحيات التي قدمتها: "الدب" و"في شي عم بصير" و"نساء غزة وصبر أيوب".
استشهدت ايناس مع ابنتيها لين وسارة وابنها ابراهيم أثناء قصف صهيوني للمنزل الذي نزحت إليه. فقد نزحت ايناس مع والدتها الى "المركز الثقافي الأورثوذكسي"، وبعد تهديده انتقلوا إلى منزل الوحيدي الذي تم قصفه.
قتل العدو ايناس قبل أن تنظر إلى حياتها المتجسدة في مسرحية، فقد كتبت على صفحتها بتاريخ 27 آب/أغسطس الماضي: "تلتفت أحياناً لتلقي نظرة على ماضيك، فتكتشف أنك خرجت حياً من مذبحة"، وكتبت أيضاً: "تجري الرياح كما تجري سفينتنا/ نحن الرياح ونحن البحر والسفن".
السقا التي شاركت في بطولة فيلم "سارة" للمخرج الفلسطيني خليل المزين، احترفت الفن لكن "إسرائيل"، عدوة الحياة، أوقفت مسيرتها لتكمل أعمالها الحديث عن ألم شعبها وروايتها الفلسطينية.
علي نسمان: أهل غزة معنوياتهم عالية
"من لحظات الوعي الأولى، عرفت أن دوري أن أرسم البهجة على وجه شعبي"، هكذا يعرف الكوميدي والفنان والإعلامي الفلسطيني علي نسمان عن نفسه. استشهد نسمان أثناء غارة جوية إسرائيلية على قطاع غزة. كان ناشطاً على مواقع التواصل الاجتماعي، ويرصد يوميات قطاع غزة منذ إطلاق المقاومة عملية "طوفان الأقصى".
ظهر نسمان في فيديوهات ترصد الشوارع ويقول في إحداها: "من المؤكد أن الناس انسحبوا منها، هذا المكان كان القصف فيه مستمراً طوال الليل، وتم تدميره بشكل كامل، هذا ما وعدنا الله ورسوله به ومعركتنا مستمرة، أهل غزة معنوياتهم عالية".
شارك نسمان في عدد من المسلسلات الفلسطينية من بينها "الروح" و"بوابة السماء". وشارك مؤخراً في مسلسل "شارة نصر جلبوع"، الذي يروي قصة أسرى "نفق الحرية".
ويقول علي في مقطع فيديو آخر:" كل من يعيش على هذه الأرض، هو أسد من أسود هذه الأرض".
حليمة عبد الكريم الكحلوت: السكين كمرآة الواقع القاسي
قتلت حليمة الكحلوت بغارة صهيونية على غزة، فما كان لشظايا المدينة الا أن تحتضن فنها ولوحاتها. فحليمة فنانة تشكيلية ولدت في غزة عام 1994، ونالت إجازة من الفنون الجميلة من "جامعة الأقصى"، قبل أن تبدأ مشاركتها في العديد من المعارض الفنية.
قدمت من خلال فنها مقاربة للعنف الذي يفرضه الاحتلال والحصار على البلاد، فركزت في أعمالها على الأدوات الحادة كالسكاكين والمفارم والمبراة، وذلك لتعكس واقعاً محاصراً وقاسياً، يمثل الحياة تحت الاحتلال.
رسمت الكحلوت جدارية كبيرة في جامعة "دار الكلمة" في غزة، وهي تحاكي إحدى أعمال الفنان إسماعيل شموط، وتظهر فيها الصحفية شيرين أبو عاقلة. وفي عمل آخر بعنوان: "على قيد المتابعة"، تستبدل حليمة شعيرات المكنسة، بعقاقير للأدوية، لتصور حالة الفلسطيني المحاصر الباحث عن دواء يكنس ألمه.
كتب زميلها الفنان محمد الحاج على صفحته على "فيسبوك" يرثيها: "كانت مشاكسة ومرحة ومحبوبة من المحيط، لقد تركت فراغاً كبيراً من خلفك يا حليمة يعجز ملؤه، لقد كانت لك نظرة للحياة لم يفهمها أحد، ربما لذلك اخترت الرحيل مبكراً، سنفتقدك وبشدة، مع السلامة يا حليمة وربنا يسكنك أعلى درجات الجنة، وحسبنا الله ونعم الوكيل على اللي حرمنا منك".