سامحوني، صرت سيئاً جداً

صرتُ سيئاً جداً، وعلى الله أن يسامحني. لأنّ جارنا الطيب الذي قُتل مع زوجته، لم يكن في نصوصي سعيداً في الجنة من دون طفليه الصغيرين. وتنازل عن الخمر والعسل واللبن المصفى، مقابل أن يعودَ لحظةً ليعلم أطفاله سورة الفاتحة.

  • (رويترز)
    (رويترز)

 

سامحوني، صرتُ سيئاً جداً.

لا أصدق أنني سأستيقظ على صوت العصافير، كما يفعل الذين ملّوا من حياتهم. ولا أن ينزلَ الماءُ في الصنبور؛ من دون معاناة في عمر العشرين، من وجع في رقبتي، وخشونة في ركبتي تسببها حمل الماء.

سامحوني، صرتُ سيئاً جداً. تطفلت على حياة الشهداء من دون إذنهم، كتبت أوجاعهم التي لم يجدوا لغةً ليحكوا لنا عنها. صدقتُ أنّ عاشقاً من بينهم ودّ أن يقبل ثغر حبيبته قبل الرحيل، وأنّ آخرَ أقسم أنه لو أمضى دقيقةً أخرى في عناقها، لاستطاع الناس إخراجه قبل أن يختنق.

صرتُ سيئاً جداً، وعلى الله أن يسامحني. لأنّ جارنا الطيب الذي قُتل مع زوجته، لم يكن في نصوصي سعيداً في الجنة من دون طفليه الصغيرين. وتنازل عن الخمر والعسل واللبن المصفى، مقابل أن يعودَ لحظةً ليعلم أطفاله سورة الفاتحة.

سامحني يا الله. لكن العائلة التي أدخلتها الجنّة دفعةً واحدة، لن تراها كذلك، دون ابنهم الذي ظلّ وحده. وهو أيضاً، يعزّ عليه أن ينجب طفلةً لن تمشط لها عمّة، ولن تنعم بدفء جدّ، ولا بقبلة جدة بعد حمام بارد، ولن تعرف ما يعنيه العيد أبداً.

سامحني يا الله، لأن حزني لم يكن كافياً لأشمل كل الجثث التي مرت بجانبي في عربة ذات يوم، مكدسين جثة فوق جثة. لم أقبّل جبين كل واحد منهم، لم أعرف أسماءهم، لم أبحث عن أمنياتهم.

وصلت البيت، وعرفت من الأخبار أنهم حاولوا أن يلقوا نظرة على بيوتهم من بعيد، ولم تسمح لهم الدبابة. إذن سامحني يا الله أنني في البيت.

سامحوني أيها الناس، فقد رُدّت دعواتكم إليكم، من الآن فصاعداً، لا تدعوا لنا بطول العمر، أن نعيش مع ذكرياتنا أكثر. سيكون جيداً أن ننسى أسماءنا التي نحبها بأصوات أحبابنا، أن نكفّ عن الأغنيات التي أسعدتنا، وكانت تحد سكيناً في الوريد.

سامحوني، فقد كبرتُ جداً، صرتُ سيئاً كما لا أريد، أسهر وحيداً مع القلق، أستيقظُ باكراً لأبحث عن يومي من دون جدوى، أعرف الكذب الأبيض، لا أسمع الأغنيات، لا أشاهد الأفلام، لا أخرج من البيت، أغرق في صمتي، غادرت أصدقائي، ورفاقي، والجنون. أريدُ أن أعود الطفل الذي كفّيت عنه، مذ توقفت أمي عن دعك جسدي بليفها الخشن.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.