رائعة "أن تحيا رجلاً" من روائع "أدب الحرب"

"أن تحيا رجلاً" نشيد طويل من أناشيد الحياة كما فهمها آويني، توثيق لحظات عشق نادرة تصحبها شذرات عميقة صافية كسماء زرقاء، عميقة كبحيرة بعيدة.

  • "أن تحيا رجلاً" لمرتضى آويني

لم يكد مرتضى آويني يُنهي دراسته الجامعية في كلية الفنون الجميلة حائزاً درجة الماجستير في الهندسة المعمارية، حتى التحق بالجبهة حاملاً أدوات التصوير وكلمته الطازجة وعدسته البارعة في التقاط الصور المؤثرة، وقبل كل ذلك روحه التواقة وفكره الثوري النير .

يتحدث كتاب" أن تحيا رجلاً"  الصادر عن دار المودة في بيروت، عن "سيرة مرتضى آويني" وأعماله وكلماته والمحطات الرئيسة من حياته، ويفرد صفحات شاسعة من الكتاب لتجربته في الجبهة عند الحافة الأمامية في إبان الحرب المفروضة على الجمهورية الإسلامية في إيران.

هناك يلتقي بأمواج شبان التعبئة المتدفقين إلى ساحة المعركة، يقرأ في كتابهم أبجدية العشق، وينتشي بموجة عارمة من المعنويات فيترنم بالقول من وحي الحال و المقام: "لا أريد جناحاً، حذائي العسكري القديم هذا يمكنه أن يحملني إلى السماء".

يندمج خريج كلية الفنون الجميلة بالجبهة، ويُنتج أفلاماً وثائقية ومسلسلات تلفزيونية اعتمد فيها على ربْط الواقع بعالم الملكوت والغايات الدنيوية والأخروية، وإعطاء عالم الرّوح مكانته المطلوبة في سيطرته على عالم المادة. 

 أبرز هذه الأعمال "قصة الفتح "  بالإضافة إلى مئات المقالات والنصوص الأدبية، التي تغترف من ماء الشعر والعرفان والدماء، فدماء الشهيد عند آويني ترتبط بكل شيء، بالماء والشّجر، والسماء والآبار، والمطر والطيور، والغروب والإنسان الآخر، ولم يبق شيء بين الشهيد ورب العاملين، فهو دائم الوصال، " فهؤلاء الشهداء هم من انتظرتْهم الأرض لقرون متتالية، حتى تطأ أقدامهم تراب هذا الكوكب المبتلى، ليضعوا حداً لعصر الظلمة واللااستقرار."

ولا يني آويني يقدم الشروح والاستدلالات على إشرقاته العرفانية:

"ألم يخلق الله الإنسان من أجل الخلافة الإلهية؟ أوَ ليست عبودية الحق هي التي توصل الإنسان إلى الخلافة الإلهية ؟هذا النخل مركز الأرض، بل مركز العالم لأن أفضل عباد الله - عباد الله الأكثر عبودية- جاءوا مجتمعين إلى هنا؛ ليحاربوا صف الكفر، ويقبضوا على أسرى الليل، ويُبعدوا سوداوية الذنوب عن مرآة الفطرة، ويجتهدوا ليحصل العالم مرة أخرى على أهلية ولاية النور".

 إننا إزاء لغة فيها يمتزج التصوف والفلسفة بالسياسة والثقافة، لتشكل هذه التوليفة نظرة آويني إلى هذا العالم.

يتأمل كاتبنا غروب الشمس والمقاتلين وهم يقومون بأعمالهم الاعتيادية وقادة الكتيبة وهم ينظفون زوارقهم ويتأكدون من كل التفاصيل بدقة . الخبز هو نفسه الخبز، والماء هو نفسه الماء، والشبان هم أنفسهم الشبان، بعفويتهم ومرحهم وتواضعهم. بالأمس كانوا يزرعون الأرز والحنطة في الحقول وهم اليوم يحملون السلاح بكل حماسة واندفاع، فيرى في هذه الأعمال العادية كنوزاً مفعمة بالأسرار: "هنا في هذه الساعات، تكتسب الأمور العادية هيبة أخرى كلّ شيء كنز من أسرار الخليقة المدهشة، ولكن أنت من لا تلحظ كل ذلك؟ آه من هذه الغفلة"...

"أن تحيا رجلاً " نشيد طويل من أناشيد الحياة كما فهمها آويني، توثيق لحظات عشق نادرة تصحبها شذرات عميقة صافية كسماء زرقاء ، عميقة كبحيرة بعيدة القرار تتعلق بهدف الوجود، برؤية تتباين جذرياً عن رؤى المادة والنفوذ والسيطرة والنزاع على خيرات الأرض ومواردها. "حل الغروب، وبوابة الأذان فتحت طريق السماء لأهل الأرض. أصحاب سيد الشهداء في آخر الزمان يقفون للصلاة، يعفرون رؤوسهم بالسجود ويرفعون أيديهم بالدعاء ويتصلون بالفطرة التسبيحية لعالم الوجود". 

شذرات أشبه بالاشراقات العرفانية " نحن رأينا الكرامة الإنسانية تتجلى في ساحة القتال، هنا أدركنا معنى الجهاد الأكبر والأصغر، وجربناه في ليالي العمليات. إنه ذاك الشيء الذي لم يجده العرفاء التواقون". 

المقاتل هنا هو الإنسان الكامل هو فارس النور على حد تعبير باولو كويلو فآويني يبشر بدخول البشرية حقبة تاريخية جديدة أسماها عصر توبة البشرية وهو عصر سيؤدي إلى الثورة العالمية وظهور دولة الحق المستحكمة.

لا يصطنع "ان تحيا رجلا" مفاهيما جديدة ، إنما هي المفاهيم الإسلامية عينها ولكنه يقدمها بلغة جديدة ويلبسها أثوابا معاصرة تبتعد بالإنسان عن مظاهر الحياة الغربية الخداعة وتقترب أكثر فأكثر من التصور الإسلامي للإنسان الكامل متوسلا طريق الجهاد والشهادة لتحقيق هذا الهدف.

يعيد آويني إلى الثقافة الإسلامية تلك الهالة، وذلك النور الحقيقي المنسوب إليها، وليس ذلك الألق المتوهم، ويضيء سرّا من أسرارها وهو سر الجهاد الذي يبقيها الأمة الإسلامية أمة حية بين الأمم بل أمة قائدة تسير ببقية الأمم نحو كمالها المنشود من خلال منهجها في التعامل الأخلاقي مع البشر والحياة.

يرى في الجهاد منهجا قوامه المعرفة والثقافة والممارسة الأخلاقية. واذا كان آويني في نظرته تلك لا يبتعد كثيرا عن معادلات "التنوريين الكلاسيكيين" فإنه يحلم - عبر سلوك طريق الجهاد والشهادة- بأمة تجسّد ما تقول به من مبادئ وقيم إسلامية أصيلة.