دفاعاً عن فلسطين.. كتّاب قالوا لا في وجه الاحتلال
كما السلاح، فإن الكتابة أيضاً وسيلة للدفاع عن الحق الفلسطيني. تعالوا نعرفكم إلى كتّاب عالميين ساندوا القضية الفلسطينية.
أمام تصاعد وتيرة المجازر في غزة، وفي ظل الإجرام اللامحدود الذي انتهجته وتمارسه قوات الاحتلال اليوم ضد المدنيين، رداً على سعي الفلسطينيين لتثبيت حقهم في استعادة أرضهم المحتلة، تباينت الآراء شرقاً وغرباً بين مؤيد لحمل السلاح باعتباره وسيلة ناجحة بعد أن أثبتت تجارب الحلول السلمية لا جدواها، وبين معارض يحمي غطرسة الاحتلال. وفي هذا السياق، نستحضر آراء بعض الشخصيات الفكرية التي ساندت القضية الفلسطينية.
***
وطن سليب وتفويض بضرورة المقاومة
في بحثه المعنون بــ "الاغتراب والعنف، فرانز فانون والصراع الإسرائيلي الفلسطيني"، يتساءل الباحث مورو ساكول بقوله: "ماذا يحدث عندما يجبر مجتمع بأكمله على اعتبار نفسه غريباً في أرضه؟ ما هي العمليات الناجمة عن التمييز المستمر لمجموعة واحدة في ما يتعلق بالأخرى؟ كيف يتصرف الشعب إذا تم استعماره مع مثل هذه الحالة؟".
إذا أخذنا بعين الاعتبار أعمال فرانز فانون، فإن الإجابة الأساسية عن هذه الأسئلة يمكن تلخيصها في كلمة واحدة هي العنف. ويخلص فانون إلى أن المستعمر هو الذي أدخل العنف بين السكان الأصليين والمستوطنين بمزيج من القوة والاحتيال، والتحرر بالكفاح لا يزيل الاستعمار، بل يزيل المستعمر أيضاً الذي يعدّ صاحب الأرض، والأرض نفسها، كغنيمة حرب.
وتبدو صورة الاحتلال الإسرائيلي متماهية مع مبدأ دفن الشرعية وبناء ميثولوجيا تقارب الوهم لتبرير أحقية التملك. ولكنّ أقلاماً كثيرة في العالم تصدت لــ "إسرائيل"، ولم توقفها الحملات الغربية عليها من الجهر برأيها بحرية، إيماناً منها بأن الكاتب ليس وظيفة فحسب، لكنه جملة قيم سامية.
جيل دولوز: الفلسطينيون بلا أرض
في العام 1978، نشر جيل دولوز مقاله "المزعجون" في صحيفة "لو موند" الفرنسية، حلل فيه معاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال وطبيعة هذا الكيان الذي مارس ابتزازاً متواصلاً على هؤلاء.
وقد وصفهم بقوله إن: "الفلسطينيين شعب بلا أرض أو دولة ويشكلون إزعاجاً للعالم"، وهو يقصد بذلك العالم الغربي الاستعماري المنحاز إلى حليفته "إسرائيل". وقد دعا المجتمع الدولي إلى "تأمين بقاء أصحاب الأرض" وأن "يتم الاعتراف بهم كمحاورين أصليين لقضيتهم".
فهم، بحسب دولوز، "زرعوا في حرب لا يتحمّلون وزرها". كما كشف أن السؤال الفلسطيني تحف به جملة من المظالم، منتقداً ما أطلق عليه الإبادة الجماعية الكبرى في التاريخ اليهودي. هذا التاريخ الذي يستند إلى رواية لا ترفض الشر أو توقفه، لكنها تنشره وتسلطه على آخرين أبرياء.
وجاء هذا المقال إثر الاجتياح الإسرائيلي للجنوب اللبناني، واستهدف المقاومة الفلسطينية والمخيمات والمدنيين اللبنانيين، وقد نزح مئات الآلاف منهم إلى بيروت.
وشرح الباحث فرانسوا دوس ذلك في دراسته المعنونة "الالتزامات السياسية لجيل دولوز "، ضمن المنشورات الجامعية الفرنسية عام 2009.
غونتر غراس: أردت انتقاد حكومة "إسرائيل"
لم يخف، غونتر غراس، صاحب رواية "طبل الصفيح" التي حصل بفضلها على جائزة "نوبل" للأدب، استهجانه للمحاباة التي تحظى بها "إسرائيل" والعناية الخاصة من جانب البلدان الغربية، وانتقد الحكومة الألمانية معتبراً أنها تكفّر عن ذنبها الماضي تجاه "إسرائيل" في قصيدة أثارت موجة سخط عارمة في أوساط ثقافية عرفت بولائها للكيان المحتل.
ووُصفت القصيدة بأنها "هجوم على الوجود الإسرائيلي"، إضافة إلى أنّ غونتر غراس شبّه سلوك "إسرائيل" وقتها بسلوك ايريك ميلكه، رئيس جهاز المخابرات في ألمانيا الشرقية سابقاً.
وكانت القصيدة التي نشرها عام 2012 تحت عنوان "ما يجب أن يقال" في إحدى الصحف الصادرة في ميونخ، وطالب بفرض الرقابة على أنشطة "إسرائيل" النووية، لأنه لا يحق لها أن تمتلك هذا السلاح الذي يشكل خطراً على السلم العالمي.
وقال غراس إنه التزم الصمت زمناً طويلاً بسبب الحكم الشائع بمعاداة السامية، مذكراً بأنه أراد "انتقاد الحكومة الإسرائيلية".
وكان من تبعات هذه القصيدة مناداة بعض غلاة الصهيونية بانتزاع جائزة "نوبل" من غراس، ما جعل السكرتير الدائم للأكاديمية السويدية بيتر أنجولد، يؤكد أنّ الجائزة منحت لغراس بسبب جدارته الأدبية "ولا علاقة لذلك بالمواقف السياسية".
خوسيه ساراماغو: ما يحدث في فلسطين جريمة
عقب زيارته إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 2002 رفقة مجموعة من الكتاب المنتمين إلى "مؤتمر الكتّاب الأوروبي" ومنهم وولي سوينكا وأورهان باموق، علّق خوسيه ساراماغو على الأوضاع التي يعيشها الفلسطينيون بأنها "لا إنسانية" وأنّ "ما يتوجب القيام به النداء والتنبيه إلى أن ما يجري في هذه البقعة الجغرافية جريمة يمكن أن نضعها على المستوى نفسه لما حدث في أوشفيتز"، وأنّ "الشعور بالإفلات من العقاب هو ما يميز الشعب الإسرائيلي وجيشه، إذ إنهم أصبحوا باحثين عن معاشات من الهلوكوست".
حينها، احتج الحاخام الأكبر والعديد من المسؤولين على تصريحات صاحب رواية "العمى"، وخرج مدير "مركز سيمون فيزنال للدراسات" عن طوره واصفاً تصريحات ساراماغو بأنها "سخيفة وتُظهر بوضوح أنّ التميّز في الأدب ليس ضماناً على الإطلاق للكفاءة في التاريخ".
وبعد 6 أشهر من هذه الزيارة، أكّد مؤلف "مسيرة الفيل" أنه يتحدث كما يشاء، وأنّ "هناك جرائم حرب ترتكب في الواقع، والإسرائيليون معتادون على ذلك، وهذا لا يزعجهم، ولكن هناك كلمات لا يمكنهم تحمّلها".
وقال إنه تحدث عن "روح أوشفيتز الموجودة في رام الله التي كانت ضمن محطات الزيارة"، وأنه دون غيره من الكتّاب الثمانية المرافقين له تم الهجوم على أقواله لأنه وضع إصبعه في الجرح.
إدواردو غاليانو: غزّة تعاقَب
في كتابه "أصوات الصمت" كتب إدواردو غاليانو أنّه بعد شهور من سقوط البرجين في أميركا، قصفت "إسرائيل" مخيم جنين و"تحوّل إلى حفرة هائلة ممتلئة بالموتى تحت الأنقاض. حفرة جنين لها حجم برجي نيويورك نفسه، ولكن كم يبلغ عدد الأشخاص الذين شاهدوها عدا هؤلاء المتبقين على قيد الحياة؟ الذين كانوا يقلبون الأنقاض بحثاً عن أقاربهم. كم عدد الذين شاهدوا حفرة جنين؟".
لم يكن سؤال غاليانو يخلو من امتعاض وحزن عميق تجاه من تنكروا لهذه المأساة التي عدّها "وصمة عار تضاف إلى سجل الغرب المليء بالانتهاكات".
وكان غاليانو قد كتب مقالاً شهيراً بعنوان "لو كنت فلسطينياً" جاء فيه أنه: "منذ عام 1948 حُكم على الفلسطينيين بالعيش في إذلال لا نهاية له. لا يمكنهم مجرد التنفس من دون أخذ الإذن. لقد فقدوا وطنهم وأراضيهم ومياههم وحريتهم وكل شيء، حتى حقّهم في انتخاب حكومتهم. فعندما يصوتون لشخص يعاقبون. غزة تعاقب. لقد تحوّل الأمر إلى مصيدة فئران بلا منفذ. إنّ الصواريخ المحلية الصنع التي يطلقها مقاتلو حماس المحاصرون في غزة بهدف غير دقيق على الأراضي الفلسطينية السابقة والخاضعة حالياً للحكم الإسرائيلي، تولد من اليأس. ذلك النوع الذي يقترب من الجنون الانتحاري في حين أن حرب الإبادة الجماعية "الفعّالة" قد حرمت حق الفلسطيني في الحياة، ولم يبق إلا القليل منها، وتقوم "إسرائيل" خطوة خطوة بمسحها من الخارطة. فالمستوطنون يغزون ويتبعهم الجنود الذين يتتبعون الحدود. فلا يوجد عدوان يفشل في الادعاء بأنّ أغراضه دفاعية. ومع كل حرب من حروبها، تبتلع "إسرائيل" قطعة أخرى من فلسطين ويتواصل العيد".