"جنازير".. ألف باء القضية الفلسطينية لـ "جيل التيك توك"
بعد "طحالب"، يطلق المصري الحسن البخاري مشروعه الجديد "جنازير"، وهي مقاطع من الرسوم المتحرّكة غايتها إعادة سرد القضية الفلسطينية للجيل الجديد في زمن ارتهان مواقع التواصل للمحتل وآلته الدعائية.
منذ أيام نُشِرَتْ على منصة "فيسبوك" أولى حلقات "جنازير"، المشروع الإبداعي الجديد للمصري الحسن البخاري والذي عرفه الجمهور في مشروعه الأشهر "طحالب"؛ بأدائه الصوتي غير النمطي وبخروجه أحياناً على كثير من مكونات الصورة النمطية لفيديوهات الرسوم المتحركة، وبموضوعات حية ونابضة، دائماً ما يثيرها البخاري الذي أطلق منذ أيام قليلة الحلقة صفر من "جنازير" التي تعنى بتوضيح جذور القضية الفلسطينية.
"جنازير".. ألف باء القضية الفلسطينية لجيل التيك توك
في بداية حديثه مع "الميادين الثقافية" يقول البخاري، صانع المحتوى ومؤسس شركة "طحالب"، إن حلقات "جنازير" معنية بتوعية المجتمع العربي عموماً، والمجتمع الإسلامي على وجه التحديد باليهود وأهدافهم وجذورهم وأصولهم، لأننا اليوم نكتشف أننا لا نعلم عنهم إلا الصورة التي يقومون هم بتصديرها لنا، فعلى سبيل المثال هم يصدرون لنا أنهم على قلب رجل واحد، فيما تبيّن أن أفئدتهم مختلفة واتجاهاتهم متغايرة".
أما الأهم في مشروع حلقات "جنازير" أنه معني بتوعية الجيل الجديد (جيل التيك توك كما يصفه البخاري) والذي لم يحصل على القدر الكافي بالتوعية بالقضية الفلسطينية، والتي كادت أن تكون بالنسبة إليه قضية جانبية وهامشية تذكر في بعض المناسبات ولا يعيرها معظمهم الاهتمام الكافي، إلى أن أيقظه العدوان الإسرائيلي على غزة اليوم. وعليه، سعى البخاري لتكون حلقات ـ"جنازير" يداً فاعلة في إحياء هذه القضية لدى الجيل الجديد.
ولأنّ العنوان الذي تم اختياره لهذه الحلقات "جنازير" يستدعي إلى الذهن فوراً فكرة (القيد)، فإن البخاري يرى أن الإنسان طوال الوقت يعيش في قيود، وفكرة الحرية المطلقة فكرة خيالية لا وجود لها على الأرض، وعلى الإنسان أن يختار القيد الشريف، القيد الوطني أو الثقافي أو الديني، القيد الذي ينفعه وينفع به الآخرين، وغيرها من القيود التي تحافظ على الإنسان من العقاب الأخروي وتحافظ على البلد من الانقسام.
أما عن توقيت إطلاق تجربة "جنازير" بالتزامن مع جهاد غزة الأبية؛ فيقول البخاري: "كنا نريد نشر الحلقة الأولى بمجرد وقف إطلاق النار، ولما وجدنا أن الوضع الحالي أصاب الجميع باليأس من الوقف، فتشاورت وزملائي في "طحالب" التي صارت الآن شركة لإنتاج المحتوى، واقترحت أن نبدأ في النشر مباشرة وهو ما نفّذناه بالفعل؛ إيماناً منا بأن الحرب ليست فقط بالسلاح، وإنما كذلك هي حرب باللسان والصورة وبكل ما يمكنك القيام به للتعريف بالقضية الفلسطينية".
سوشيال ميديا عربية
من خلال تجربته الشخصية يقول البخاري إن: "هناك قيوداً على الإنسان أن يقاومها، كأن يحاول أن يقاوم قيود السوشيال ميديا التي تغلق حساب كل شخص يناصر القضية الفلسطينية بشكل غاشم وغير بريء؛ وهذا ما حدث بالفعل مع حسابي الشخصي الذي كان قد تجاوز عدد متابعيه 200 ألف شخص، وهنا لا بدّ أن أؤكد أن فكرة مقاومة القيود في بعض بلادنا العربية قد تحوّل إلى شيء من الترف وممارسة الفراع بلفظ صريح، لأن هذا قد يسحب الإنسان إلى خدمة أجندات خارجية إن علم هو أم لم يعلم".
وتحدّث صانع المحتوى والروائي المصري الشاب عن حرب السوشيل ميديا بشكل صريح واصفاً إياها بأنها "في يد أعدائنا"، ويعلّق على ذلك بأنه "ربما أنا وأنت نرى هذه الجملة بديهية أكثر من اللازم، بينما الكثيرون لا يدركون بالأساس أن السوشيل ميديا في يد أعدائنا بالفعل، وهذه حقيقة لا بد أن نتعاطى معها بالكثير من الجدية حتى لا نكون كمن يدفن رأسه في الرمال، حتى نستطيع أن نفعل أي شيء نوقف به إيغالنا في التخلّف الحضاري الذي وصل إلى حد أن هناك من يعتبر وسائل التواصل الاجتماعي جهات صديقة ومناصرة لقضايانا، ولا يستوجب التعامل معها أي حذر، بل إن هذا العدو مثل ونموذج يقتدى به".
حرب غزة الملهم الأكبر
ويكمل البخاري في حديثه لـ"الميادين الثقافية" بأن العدوان الحاصل على غزة قد نبّه الناس بعض الشيء إلى من هو العدو ومن هو الصديق، وأنا أرى أن هذا الوقت ليس وقتاً للصياح والتباكي، وإنما هو وقت متخصصي البرمجة عليهم فيه أن يوجدوا لنا البدائل من منصات نستطيع توثيق أصواتنا العربية عليها، ومناصرة قضايانا من دون أن تكون أصواتنا في يد العدو وله مطلق الحرية في إظهارها أو كتمها، وحتى ذلك الحين علينا عدم الاستسلام للوضع الراهن وأن نستمر في محاولاتنا في مقاومة الخوارزميات بكل وسيلة متاحة.
ولعل من يتابع تجربة البخاري عن قرب سيتساءل عن الرابط بين كل الفيديوهات التي يقدّمها، وهو ما أوضحه قائلاً إنها جميعاً مشغولة بالبحث في جذور الفساد الفكري والثقافي والديني والاجتماعي التي يصدرها لنا الغرب، ويؤكد أن هذه محاولة جادة منه "لتكون لنا كلمتنا المرتبطة بقضايا وتقاليد وأديان، وأن يكون لنا صوت ضد ما يمكن أن أسمّيه الاستعمار الغربي الثقافي، وأن نواجه تلك الثقافة الغازية بثقافة أخرى جذورها تخصنا من خلال وسائط لها انتشار واسع بالفعل".
تطور مشروع "طحالب"
يرى البخاري الذي صدرت له حتى الآن روايتان أن الرابط بين كتابة الرواية وصناعة المحتوى من كتابة ورسم وتحريك، هو "أنني أحب دائماً كل ما يتعلق بالجمال، وأؤمن أن هذا هو ما يميّز الإنسان عن غيره من المخلوقات هو مقدرته على تمييز الجمال والاستمتاع به، لكنني في الوقت ذاته أضع لنفسي بعض الحدود والقيود الدينية والأخلاقية، التي ألزم بها نفسي مع اعترافي بالجمال في الوقت ذاته، ولدي القدرة أن أقول بمنتهى البساطة "هذا جميل، لكنه حرام" و"هذا جميل لكنه لا يصح".. وهكذا".
أما عن مشروع شركة "طحالب"، فقد صارت تضم اليوم عشرات الفنانين والفنانات. وأعرب البخاري عن سعادته أنها أخذت هذا الشكل المؤسسي وأنها لم تعد مجرد فكرة تخص الحسن البخاري وأصدقاءه، وإنما نظام إداري متكامل، "لدينا قسم لأهل الكتابة وقسم للأنيميتورز وقسم للرسامين وقسم لمساعدي الرسامين، وقد تلاحظ أن تتر النهاية الخاص بالحلقة الأولى في طحالب كان فيه اسمان فقط لا غير، بينما نحن اليوم فريق من 18 اسماً يحاولون تقديم محتوى حقيقيّ يحمل هموم مجتمعه بالفعل".