تحمل اسم إمبراطور روماني.. ما قصة قيسارية؟
فيها استهدف منزل نتنياهو بطائرة مسيّرة.. ماذا تعرفون عن تاريخ قيسارية؟ وما قصة اليهود والفرنجة والمسلمين مع هذه المدينة؟
صباح يوم الجمعة في الـ 19 من تشرين الأول/أكتوبر 2024، انفجرت طائرة مسيّرة في منزل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في مدينة قيسارية.
وقال المتحدث العسكري الإسرائيلي إن المسيّرة أُطلِقت من لبنان في محاولة لاغتيال نتنياهو. ورأى مسؤولون صهاينة أن هذه المحاولة تجاوز للخط الأحمر ومساس برموز "إسرائيل".
ليس ذلك من قبيل المبالغة، فهذه الرموز تتجاوز شخص نتنياهو إلى حقبة مرجعية في تاريخ اليهود ومدينة قيسارية نفسها، من حيث كونها المدينة التي انطلقت منها شرارة العصيان التي أوقدها الحاخامات احتجاجاً على عدم احترام الحكم الروماني لبعض شعائرهم، وفرض جباية الضرائب منهم، مثل سائر مواطني الإمبراطورية التي سُمّيت هذه المدينة قيسارية أو قيصرية أو سيزاريا caesarea تيمّناً بالإمبراطور أغسطس قيصر.
واكتسبت قيسارية مكانة خاصة في ذاكرة اليهود التاريخية باعتبارها المدينة التي انطلقت منها حركة العصيان اليهودية الأولى ضد الحكم الروماني، والتي استمرت من عام 66 م إلى عام 74م، وانتهت بانتصار الرومان ومقتل الآلاف من اليهود وسبي من تبقّى منهم واستعبادهم.
لذلك، لم يكن من قبيل المصادفة اختيار بنيامين نتنياهو مدينة قيسارية لبناء منزله الخاص، وهو المشبع بالتربية الدينية التلمودية، ولا سيما على يد جدّه الحاخام المتزمّت، وذلك في سياق طموحه الشخصي ليكون المؤسس الجديد لما يسمّونه "إسرائيل الكبرى".
وكأنّ إقامة نتنياهو في قيسارية الجديدة انتقام متأخّر من الرومان، وضمناً، خروج مظفّر من الغيتوات الأوروبية والمذابح التي تعرّض لها اليهود هناك، لكن على حساب سكان فلسطين الأصليين الذين عمّروا هذه البلاد في زمن الكنعانيين وقبل أن يصل إليها أول يهودي متشرّد بآلاف السنين.
تقع قيسارية على ساحل البحر الأبيض المتوسط على بعد 37 كلم جنوب غربي مدينة حيفا، وتبعد عن الحدود اللبنانية 70 كلم وتبلغ مساحتها 31786 دونماً.
يذكر المؤرخ اليهودي، بيني موريس: "كانت قيسارية أول القرى التي تمّت فيها عملية منظّمة لطرد السكان العرب على يد الهاغاناه في سنة 1948. وعندما أصرّ 20 قروياً على ملازمة منازلهم حتى بعد احتلال القرية دمّرت وحدة من البلماح [قوة ضاربة تابعة للهاغاناه] منازل القرية وعددها 30 منزلاً في 20 شباط/فبراير، واستُبقيت 6 منازل بسبب نقص المتفجّرات".
ويضيف: "كان التدمير في السياق العام لتطهير السهل الساحلي شمالي تل أبيب من العرب في الأشهر الأولى من سنة 1948".
وقد حُوّلت المنازل المتبقّية إلى مطاعم سياحية وحوّل مسجد القرية إلى حانة. وفيها منزل رئيس حكومة الاحتلال وعدد من الأثرياء وأصحاب رؤوس الأموال. وأقيمت فيها أكبر مصانع إنتاج الخمور. وتعدّ من أبرز الأماكن السياحية حيث المعالم الأثرية الرومانية ومن مختلف العصور .
وأول من سكن مدينة قيسارية هم العرب الكنعانيون الذين قدموا من الجزيرة العربية إلى فلسطين وبلاد الشام قبل 3 آلاف سنة من ميلاد السيد المسيح، وهم أول من سكن تلك البلاد. عُرفت باسم برج ستراتو وهو ثغرها البحري الذي أنشأه ستراتو حاكم صيدون كمستعمرة تجارية فينيقية وذلك في أواخر القرن الرابع ق.م.
أما المدينة نفسها فقد بناها هيرودوس الأدومي (73 ق.م.40 ق.م.) حاكم الجليل واليهودية التابع للإمبرطورية الرومانية، وسمّاها سيزاريا نسبة إلى وليّ نعمته الإمبراطور أغسطس قيصر. وعُرّبت إلى قيسارية أو قيصرية وقد وردت الصيغتان في كتابات المؤرّخين العرب.
أقام في قيسارية على مرّ العصور عدد من المؤرخين والعلماء والحكّام، وبعضهم كان له أثر بالغ في تغيير مجرى التاريخ، ومنهم أغسطس قيصر الذي أقام فيها لفترات معيّنة. وكذلك هيرودوس الأول الذي قتل أطفال بيت لحم عندما علم أن السيد المسيح ولِد فيها. ثم اتخذ ابنه هيرودوس أنتيباس من قيسارية مقراً لقلعته وهو الذي أمر بقتل يوحنا المعمدان. كما أقام فيها الملك الصليبي ريتشارد قلب الأسد واتخذ من قيسارية وعكا المجاورة قلعة لمملكته في سواحل الشام.
وفي العام 640م احتل العرب قيسارية وكانت المدينة الوحيدة التي دخلها المسلمون بالقتال على عكس المدن الفلسطينية الأخرى التي دخلوها باتفاقيات سلام مع البيزنطيين.
يروي المؤرّخ البلاذري: "كان سبب فتحها [قيسارية] أن يهودياً يقال له يوسف أتى المسلمين ليلاً فدلّهم على طريق في سرب [قناة] فيه الماء إلى حقول الرجل على أن أمّنوه وأهله. وأنفذ معاوية بن أبي سفيان ذلك ودخلها المسلمون في الليل وكبّروا فيها فأراد الروم أن يهربوا من السرب فوجدوا المسلمين عليه. وفتح المسلمون الباب فدخل معاوية ومن معه. وكان بها خلقٌ من العرب".
ويذكر البلاذري أن الروم عادوا للهجوم على قيسارية في أيام عبد الله بن الزُبَير "فشعّثتها وهدمت مسجدها" ثم استعادها عبد الملك بن مروان.
في العام 1101م احتلّ الفرنجة الصليبيون قيسارية واستردّها صلاح الدين الأيوبي عام 1187م. لكن الفرنجة عادوا بحملة جديدة على رأسها ملك الإنكليز ريتشارد قلب الأسد فاحتلوها عام 1192م ونهبوها وبنوا فيها مرفأ وجعلوها مقرّاً لرئيس الأساقفة، إلى أن احتلها السلطان المملوكي الظاهر بيبرس في عام 1265م.
في أواخر القرن الـــ 19 استوطنها فريق من الشركس وبعدهم فريق من البوسنة. وقد أجرى الأتراك إحصاء لسكان قيسارية فبلغ عدد هؤلاء 251 نفراً منهم 129 من الذكور و 122 من الإناث يعيشون في 56 منزلاً.
في العام 1922 سكن في قيسارية 288 مسلماً و26 يهودياً و32 مسيحياً ما مجموعه 346 نسمة. وفي العام 1932 عاش فيها 686 مسلماً و19 مسيحياً.