بين حكايات الخرافة وقصص المغامرات في روايات يعقوب الشّوملي
عندما يسترسل القارئ في القراءة سيجد نفسه أمام مغامرات أشبه ما تكون بالمغامرات البوليسيّة، وكلاهما يعالج جريمة حدثت، تبدأ مجهولة الفاعل، ولا يلبث البحث جارياً حتّى اكتشاف المجرم.
عن دار جسور ثقافية للنّشر والتّوزيع، الرّعاة للدّراسات والنّشر، ومكتبة بغداد، صدر هذا العام 2023 الجزء الأوّل من الأعمال الكاملة للكاتب والصّحافيّ الرّاحل يعقوب باسيل الشّوملي. حقّق الكتاب وقدّم له ابنا الكاتب الشّاعران روز وخالد الشّوملي. ويقع الكتاب الذي يحمل غلافه رسمة للكاتب بريشة الفنّان يوسف كتلو في 924 صفحة من الحجم الكبير.
يعقوب باسيل الشّوملي
ولد الكاتب الراحل يعقوب باسيل الشّوملي في بيت ساحور عام 1921، أنهي تعليمه الثّانوي في مدرسة الفرير في القدس، درس الحقوق لمدة ثلاث سنوات في الكلّيّة العربيّة في القدس. عمل ما بين 1950-1968 في التّوجيه المعنويّ في الجيش العربيّ الأردنيّ، وبعدها عاد إلى مسقط رأسه وعمل في التّدريس. كتب القصّة القصيرة، والرّواية، والمسرحيّة والمقالة، ونشر في العديد من الصّحف والمجلّات الأردنيّة والفلسطينيّة. جرى تمثيل وبثّ مسرحيّاته وبعض قصصه في دار الإذاعة الأردنيّة.
عرفتُ الكاتب المتوفّى عام 1993 أثناء عملي في صحيفة الفجر المقدسيّة من منتصف العام 1994 وحتى نهاية 1976، حيث تردّد على مكاتب الصّحيفة، ونشر فيها مرّات عديدة.
برّ الوالدين
لا بُدّ من الإطراء على بنات وأبناء الكاتب، لبرّهم بوالدهم وجمع ما تيسّر لهم جمعه من كتاباته، ونشرها بعد ما يقارب الثّلاثين عاماً من وفاته، وأخصّ بالذّكر ابنته الشاعرة روز الشوملي، التي عرفتها وقرأت ما تيّسر لي من دواوينها، وسبق أن استضفناها في ندوة اليوم السّابع المقدسيّة بعد عودتها من المنفى بعد إقامة السّلطة الفلسطينيّة. كما عرفت نجله الشّاعر خالد الذي يقيم في ألمانيا من خلال صفحته على التّواصل الاجتماعيّ، وقرأت ما نشره عليها من شعره، وأقول بالفم الملآن بأنّه شاعر موهوب مجيد. فأن يقوم روز وخالد بالبحث في الصّحف والمجلّات وجمع ما استطاعا جمعه من كتابات والدهما، وتحقيقها وإعادة نشرها في كتاب، فهذا جهد مضنٍ ومشكور، وشهادة لهما على برّهما بوالدهما المتوفّى، عدا عن كونه خدمة للحراك الثّقافيّ الفلسطينيّ، وهو أيضاً يخدم الحفاظ على الموروث الثّقافيّ لجيلهما وللأجيال اللاحقة. فمن حقّ ذوي الفضل علينا أن نذكر أفضالهم، ولا يملك المرء إلّا أن يغبطهما على هذا العمل الرّائع. مع التّأكيد على ما يلفت الإنتباه بأنّ هذا المجلّد الضّخم هو الجزء الأوّل من الأعمال الكاملة لوالدهم، وهذا يعني أنّنا في انتظار الجزء الثّاني.
الجزء الأوّل من الأعمال الكاملة
قرأت في اليومين الأخيرين ما تيسّر لي ممّا هو منشور في هذا الجزء من الأعمال الكاملة، وقد قرأت عشرات المقالات فيه، وركّزت في قراءتي على روايتين هما" جثّة الغريب" و"شاربة الدّماء"، وتوقّفت عند بعض الملاحظات منها:
التّنسيق: جاء في الكتاب أنّ الكاتب نشر كلّاً من روايتيه على حلقات في الصّحف، فقام ابناه بإعادة طباعتها، كما وجداها منشورة في الصّحف، فرواية "جثة الغريب" منشورة في جريدة فلسطين عام 1966 وفي 18 حلقة، ونشرت في الكتاب في 18 فصلاً امتدّت من صفحة 179 حتى الصّفحة 217. وتبعتها رواية "شاربة الدّماء" من صفحة 219 حتّى 267، وفي 20 باباً مرقّمة، وأقول هنا باباً وليس حلقة، وهذا ما يوحي به مونتاج الكتاب، مع أنّه حقيقة عدد الحلقات التي نشرت في الصحيفة في حينه، فلِمَ لَمْ تُنشر متتابعة ومن دون ترقيم كونها رواية. ونشرها كما ورد في الكتاب يوحي بأنّها حلقات منفصلة، فبين الحلقة والأخرى فراغ لا داعي له. كما لوحظ أنّه لم يُنتبه لتنسيق الجمل، كما جرت العادة في الرّوايات والقصص، ولو جرى هذا التّنسيق كما يجب لامتدّت الروايتان وملأت الفراغات المتروكة بين كلّ حلقة وأخرى، بل زادت عليها.
التّصنيف: يحتار القارئ الجادّ في تصنيف هذين النّصّين، فهل كلّ واحد منهما قصّة طويلة أم رواية، وهل نحن أمام حكاية خرافيّة أم أمام قصّة واقعيّة.
البناء الرّوائيّ: فإن اعتبرناهما روايتين، فمن حقّنا كقرّاء أن نتساءل عن عدم وجود الحوار في النّصّين، ومعروف أنّ الحوار جزء من البناء الرّوائي؟
والرّواية تعتمد في حبكتها على تعدّد الحكايات والقصص فيها، وكلّها تترابط بخيط شفيف؛ لتخدم الفكرة الرّئيسة، وهذا ما لم يتوفّر في النّصّين، اللذين قاما على حكاية واحدة. كما أنّ النّصّين خاليان من المونولوج الدّاخليّ، ومن التعبير عن دواخل شخوصهما.
بين أدب المغامرات والأدب الواقعيّ: القارئ للنّصّين سيجد في صدارتهما أنّهما مأخوذان من "ملفّات القضاء"، وعندما يسترسل القارئ في القراءة سيجد نفسه أمام مغامرات أشبه ما تكون بالمغامرات البوليسيّة، وكلاهما يعالج جريمة حدثت، تبدأ مجهولة الفاعل، ولا يلبث البحث جارياً حتّى اكتشاف المجرم. وهذا يقودنا إلى التّساؤل حول ماهيّة الحدث، فهل نحن أمام حدث واقعيّ، أم أمام حدث ابتدعه خيال الكاتب؟
ويعزّز الخيال الخرافيّ هنا في "شاربة الدّماء"، فقد قرأنا أنّ الطّفل توفّيت والدته وهو ابن سنة واحدة، ووالده تزوّج ثانية من خالة الطّفل بعد وفاة والدة الطّفل بقليل، وعندما اشتركت الخالة التي صارت زوجة للأب مع عجوز شرّيرة في قتل الطّفل الثّاني وهو ابن أسابيع قليلة، وجدنا الطّفل يكرّر أمام أبيه وأمام الآخرين أنّ خالته قد قتلت أخاه، فكيف عرف؟ وكيف تكلّم بهذا الحدث وهو في هذا العمر؟
الأسلوب واللغة: واضح في هذين النّصّين أنّ الكاتب اعتمد على الأسلوب الحكائيّ أكثر من اعتماده على السّرد القصصيّ والرّوائيّ، وأنّ الاعتماد على أسلوب التقرير الصحافي في نقل الحدث كان ظاهراً في السّرد أيضاً. ويلاحظ كذلك عدم وجود للتّنوّع السّرديّ، ومنه أسلوب الإسترجاع.