بين الترجمة التطبيعية للأدب الإسرائيلي وتفكيك الأيديولوجيا الصهيونيَّة
تتناول الورقة عرضاً كرونولوجياً لتلقي المشهد الثقافي العربي للأدب الإسرائيلي، من خلال مشاريع فردية، ولخطوات تطبيعية غير محسوبة اقترفتها دور نشر ورموز فكرية، طمعاً في عائد تجاري أو إرضاءً لنزوعات سياسية.
وأنا أخُذُ بيدي أي كتاب لمستوطِن مقيم بفلسطين المحتلَّة، وأنا أشاهد أيَّة مادة بصريَّة (لوحة، مِعمار، فوتوغراف، فيلم) من إنتاج أفراد أو مؤسسات يقيمون غصبًا غي فلسطين المحتلَّة. فأنا بالضرورة لا يمكن أن أقرأ كلَّ هذا الإنتاج الثقافي/الفكري/الأيديولوجي إلَّا قراءة مترصِّدة له كعدوٍّ؛ تماماً — على مستوى منهجية وآليات القراءة — مثلما يقرأ المؤرِّخون الغربيون ظاهرة النازية والنازية الجديدة في قلب مجتمعاتهم، رغم ما في الظاهرتين النازية والصهيونية من تقاطعات واختلافات، في رفضهما للآخر. مع أن النازية انبثقت من رحِم الغرب وسادت في رحِم الغرب، بينما الصهيونية انبثقت من رحِم الغرب وتمَّ زرعها وإقحامها في المشرق العربي.
فكلُّ كاتب "إسرائيلي" بالضرورة مقيمٌ في أرض ليست له، في بيتٍ عريق طُرِدَ أهله أو في بيت جديد بُنِيَ على أرضٍ هُجِّرَ أهلها، ويخدم بالضرورة (مدَّة التجنيد الإلزامي في حدٍّ أدنى) في جيشٍ عدو ارتكب جرائم تملأ سجلات حركات ومؤسسات حقوق الإنسان العالمية.
مع استثناءات قليلة لضمائر يهودية وعت أنَّ الإقامة في فلسطين المحتلَّة كوافد يهودي عليها جريمة صهيونية، واختارت بالتالي الرحيل نحو أوروبا وأميركا أو العودة إلى مَوَاطِنِ أجدادِها الأصليَّة، مغيِّرَةً خطابها كلِّيًّا من التصهين أو الحياد المزعوم إلى مناصرة كاملة لحق الفلسطينيين من دون غيرهم في العيش على أرضهم (المحامية فيليتسا لانغر، المؤرخ إيلان بابيه، الموسيقار جلعاد أتزمون، السينمائية سيمون بيتون، الأكاديمية إيلا شوحاط.. وغيرهم الكثير ممن صحت ضمائرهم الفكرية واستيقظت ضمائرهم الإنسانية).
تتناول الورقة البحثية التالية عرضاً كرونولوجياً لتلقي المشهد الثقافي العربي للأدب الإسرائيلي، من خلال مشاريع فردية، قلَّما كانت وراءها مؤسسات عربية حقيقية، ولخطوات تطبيعية غير محسوبة اقترفتها دور نشر ورموز فكرية، طمعاً في عائد تجاري أو إرضاءً لنزوعات سياسية متسلِّطة أو تهافتاً على اعتراف غربي.
1. غسان كنفاني مؤسِّساً لمدرسة رائدة في تفكيك الصهيونيَّة ثقافياً وحضارياً
بيروت، 8 تموز / يوليو 1972: تبديد جسد الشهيد غسان كنفاني أشلاءً في السَّماء إثر عمليَّة اغتيال جبانة لجهاز الموساد الإسرائيلي بعبوة ناسفة وُضِعت في سيارته وهو بصحبة ابنة شقيقته لميس، ولم يكن صاحب هذا القرار من أصله، في هذه المرَّة، لا مُدَبِّراً سياسيّاً ولا منفِّذاً عسكرياً/مخابراتياً، متمثِّلاً في مركز دراسات صهيوني بفلسطين المحتلَّة يتناول بالدراسة والاهتمام الثقافي الفائق كل منشور يصدر في العالم العربي؛ وهو المركز الذي وعى، لا بانتماء غسان كنفاني للجبهة الشعبيَّة لتحرير فلسطين، ولا بدعمه للعمليات الفدائيَّة باختطاف الطائرات الغربيَّة فحسب، وإنَّما أساساً وأوَّلاً وعى بخطورة كتاب غسان كنفاني التأسيسي "في الأدب الصهيوني" (منظمة التحرير الفلسطينية/مركز الأبحاث، بيروت، 1967)، والَّذي أرسى فيه اللبنات الأولى لتفكيك الخطاب الثقافي والأدبي الصهيوني بكشفه عن كون ولادة الصهيونية السياسية تمَّت "نتيجة لإرهاصات أدبية صهيونية مبكرة ما لبثت أن اندفعت، بعد ولادة الصهيونية السياسية، لتصير جزءاً أساسياً منها [..] فإذا كانت الصهيونية السياسية نتاجاً للتعصب وللعرقية، فإن الصهيونية الأدبية برزت بصفتها أولى إرهاصات ذلك التعصب وتلك العرقية، معبِّرةً عن فكرة التفوق والتميّز التي تبنتها الصهيونية السياسية."
من قوَّة عصفِ الانفجار، تطايرت ساعة يدِ غسان كنفاني نحو شجرةٍ مجاورة، وبقيت سليمةً تُتَكْتِكُ، وما زالت تُتَكْتِكُ حتَّى الآن بوصلةً حضاريَّة لنا في حفظ أمننا الثقافي وترصُّدِ ما يصدر في فلسطين المحتلَّة نافثاً سمَّ الحقد والعنصريَّة، موازياً لإبادة الشعب الفلسطيني.
2. لا ترجمةَ للأدب الصهيوني من دون نقده وتفكيكه بحواشٍ ومقدمات.
على خطى غسان كنفاني — الذي لم يمهله الاغتيال للقيام بترجمة نصوص كاملة والتصدِّي لها بالنقد والدراسة — سارت ترجمتان رائدتان في تقديم الأدب الإسرائيلي من باب القراءة المترصِّدة له كإنتاج ثقافي يعادي الحقوق العربية ويناهض قضيَّةً إنسانية عادلة، أولاها رواية الكاتب الصهيوني عاموس كينان: "الطريق إلى عين حارود"، التي قام أنطوان شلحت بترجمة أمينة لها، مصحوبةً بتقديم نقدي وتفكيكي للشاعر الفلسطيني سميح القاسم، يكشف فيها عن الرؤية الدونيَّة التي يقدمها الروائي عن شخصية العربي (عربوش)، بإزاء تفوُّق المستوطن الصهيوني؛ مع التوظيف السياسي لمضامين التوراة في سياق سياسي، أبعد ما يكون عن عقائد الشعوب.
تبقى المحاولة الثانية من أنضج ما تم تناوله بالترجمة والنقد الموضِعي الدقيق، والتي ضمّها كتاب غالب هلسا: "نقد الأدب الصهيوني"، الذي يشمل قسمين متكاملين، لا يمكن أبداً فصل أحدهما عن الآخر: دراسة أيديولوجية لأعمال الكاتب الصهيوني عاموس عوز، مع الترجمة العربية الكاملة لروايته: "الحروب الصليبية". ويميط اللثام عن عبث مخيلة الكاتب، مغالطةً، بالأمكنة الجغرافية في فلسطين التاريخية، وبتشويه حقائق الأزمنة والحِقَب، مروراً حتى بتفكيك الآليات الفنية التي توسَّلها الكاتب لتمجيد الأيديولوجيا الصهيونيَّة، ولو بطرق التفافية، تبدو جمالية أكثر من كونها سياسية.
3. عاموس عوز، مرَّةً أخرى في ترجمة يُزعم إهداؤها الفلسطينيين
في تخلٍّ كامل، وبالمطلق، عن هذه المنهجية، التي فرضتها عموماً ضرورات الصراع مع الغرب الذي يحاول إخضاع الشرق، وخصوصاً حيثيات العربي-الصهيوني، قامت دار الجمل (بيروت/ بغداد، 2011) بالتعاقد مع دار نشر صهيونية، وطبعت رواية "قصة عن الحب والظلام"، بترجمة جميل غنايم. ترجمة خالية من أية مقدمة أو حواشٍ نقدية، بل إنَّ أغرب ما فيها إقحام إهداءٍ عليها لا علاقة له بالنص العبري الأصلي، وفيه زجٌّ بالفلسطينيين في صورةٍ قتلة لفلسطيني آخر عن طريق الخطأ.
4. مجلة تُعْنَى بترجمة الأدب العربي إلى الإنجليزية تَرْكَبُ موجة اتفاقيات التطبيع الأخيرة
يمكن وضعُ كل ما كتبه اليهود العراقيون ومن أصول عراقية بين قولينِ يشكلان امتدادي الفرجار في تباعدهما الأقصى: قول يتغنى بالانتماء الكلي للعراق من دون تحفُّظ: "إني يهودي، ولكن لست بخائن، كيف أخون أرضاً ممتزجاً بثراها رُفات آبائي وأجدادي؟ هذه الأرض مصنوعة منّا يا علوان! كنا فيها من قبل أن تُخلق أنت" [سمير نقاش: رواية "نزولة وخيط الشيطان"]، وقول يتغنى بالولاء المزدوج مع تفضيله للولاء المستحدَث على الولاء الأعرق: "أُميِّ تَحْلُمُ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَأَناَ بِالْعِبْرِيَّةِ" [روني سوميك، من حوار معه].
وبين هذين القولين يمكن حصر ما قدمته مجلة "بانيبال" Banipal، في نسختِها الإنجليزية الصادرة بلندن، في آخر أعدادها (72، خريف/ شتاء 2021)، تحت عنوانٍ لمحور رئيس: "كُتَّاب عراقيون يهود"، وما يمكن اعتباره أُنطولوجيا أدبية تلفيقية وإشكالية لـ17 من الكاتبات والكُتَّاب الإسرائيليين اليهود من أصول عراقية أو هُجِّروا من العراق، بموازاةِ مقالات ودراسات حول مُنتَجِهم الإبداعي.
وتحرياً للدقة، فهم يتوزَّعون، إن شئنا التَّحقيبَ والتَّجييل بين جيل أول منَ المهجَّرين من العراق بمَفاعيل الدعاية الصهيونية وجو العداء الداخلي، وجُلُّهم كتب بالعربية ثم العبرية (سمير نقاش، سامي ميخائيل، روني سوميك، ديفيد سماح، إيلي أمير، يعقوب بلبل، منى يحيى، إسحاق بار موشيه، مريم الملا، شالوم درويش، سامي ميخائيل، وشمعون بلاص، أنور شاؤول)، يَتَوَزَّعُ وجدانَهم الحنينُ للبيت الأول في العراق، بين الطفولة بكل ذكرياتها، وواقع تهجير جغرافي صاحبه اقتلاعٌ فكري ولغوي، يطرحُ علينا أكثر من سؤال إشكالي: هل يكفي أن تكتبَ بالعربية لكي تنتسبَ إلى الأدب العراقي برغم إقامتكَ في كيان غاصب؟ هل الألسن هي المحددة للانتماءات الوطنية في الأدب؟ هل الكتابة بالعبرية، حتى لو كان همُّها الشاغل عراقياً، ورغم الدافع القسري للكتابة بهذه اللغة بعد التهجير من العراق، كافية لاعتبار هذا النتاج عراقياً صِرفاً؟ كيف لأدب ما أن يتحدَّدُ انتماؤه القُطري وفقَ العقائد والمِلل؟
أما الجيل الثاني، ضمن منتخَبات المجلة، فهو يشمل كاتبات وكُتَّاباً وُلِدوا ونشأوا في فلسطين المحتلة (ألموج بيهار، هفيف، ماتي شاموئيلوف، بيديا، أميرة هاس)، وهم — في تربيتهم الأيديولوجية — صنيعة خالصة للصهيونية، برغم ما تختلف به أميرة هاس من تميّز عن السردية الصهيونية، بتعاطفها مع الفلسطينيين، كمراسلة للصحافة الإسرائيلية في رام الله، وبمقالاتها التي قامت بتجميعها في كتاب تحت عنوان: "شُرب البحرِ في غزة".
يزيد هذا الالتباس بين اليهودي والعراقي والإسرائيلي إغراضاً في المقدمة التي كتبها يهودا شنهاف وشهرباني ويوفال إفري، كضيفَيْن للعدد، بجعلهما لمساهمات مفكرين يهود في الثقافة العربية منذ أيام بغداد التاريخية القديمة كحاضرة من حواضر الإمبراطورية العربية (العباسية وما يليها) أساساً يمكن البناء عليه كامتداد لما شهده العراق المعاصر، عبر طائفته اليهودية، وتشهده فلسطين المحتلة من فورة فكرية وثقافية، بدعوى أصول بقي منها شيء في لا وعي وثيمات المنتَجات الإبداعية والفكرية.
وهو قول مردود عليه، بما أنَّ حجَّتَه حول الانفتاح العباسي والأندلسي والعثماني، في فَتَراته الذهبية، وانْبِنَاءَه على التداخلات الثقافية والحضارية والمِلِّية واللسانية، لا يمكن مطلقاً قياسه على انغلاق الكيان الصهيوني حول إيديولوجية عِرقية وتوسعية لا تؤمن مطلقاً بآخرَ خارجَ صهيونيتها.
على المستوى اللغوي، كَتَبَ أبناء الطائفة اليهودية في العراق نصوصهم بالعربية الفصحى، وحتى بعد تهجيرهم من العراق، واصلوا ذلك (سمير نقاش، ومريم الملا، ديفيد سيماح)، كجزء من مقاومتهم للذوبان في مجتمع يرفض كل انتماء شرقي (سيفارديم)، بما أن الأساس العِرقي التأسيسي للصهيونية كان إشِكينازياً بميولات ومنطلقات جوهرية تمتدح تفوق العنصر الغربي؛ إلا أنه مع مَرِّ الزمان وتآكل أطروحة "دولة قومية لكل يهود العالم"، اضطر جزء كبير للخضوع للأمر الواقع والتحول نحو الكتابة بالعبرية (سامي ميخائيل، شمعون بلاص)، بعد رواج أطروحة: العربية كلغة للعدو؛ وفيما يشبه الجريمة الثقافية والشرخ الهوياتي القسري، ورفضاً للتخلي عن الكتابة بالعربية، اعتزل عدد قليل منهم الكتابة كلياً (يعقوب بلبول، أنور شاؤول).
بوضع عدد المجلة في سياقه العام، وضمن المجرى السوسيو-سياسي للمنتَجات الإبداعية، لا يخفى عن العيان انسياق، بل هرولة، "بانيبال"، بتوازٍ مع ما يسمى زوراً "اتفاقيات أبراهام" نحو موجة التطبيع الحالية على جميع الصُّعد، خصوصاً إذا علمنا أن المهندس الرئيس لخطتها التحريرية، صموئيل شمعون، مُطَبِّع عريق، وقبل الموجة الحالية بسنوات، وربما كان ذلك أحد أسباب توقف الراحل سعدي يوسف عن النشر في مجلته الإلكترونية والورقية "كيكا"، وعن المشاركة كمُحَاوَر ومحرر ومترجِم في "بانيبال" بذاتِها.
سعدي يوسف: ثلاثة هامشيّين من العراق زاروا "إسرائيل" رسميّاً
مع أن العراقيّين ليسوا متعصِّبين إزاءَ اليهود (العراقيّين منهم بخاصّة)، إلاّ أن زيارة الكيان الإسرائيلي تظلُّ سؤالاً..
والحقُّ يقالُ، إن يهود العراق كانت لهم يدٌ في تطوير البلد، اقتصاديّاً، وثقافيّاً، وفنّيّاً (الموسيقى والغناء تحديداً..)
كان ذلك أيّام حكمِ الهاشميّين.
إلاّ أن ما جرى من إنشاء للكيان الصهيوني واقتلاع للشعب الفسطيني من أرضه وتهجيره، جعلَ العراقيّين العرب بمنأى عن أيّ اتصالٍ مع الكيان الصهيونيّ في فلسطين.
أردتُ الإشارةَ إلى أن الموقف الشعبي، في العراق العربي، من الكيان الصهيوني، ظلَّ كما هو منذ عقودٍ وعقودٍ.
ولهذا لم يَزُرْ الكيان الإسرائيلي رسميّاً من أهل الثقافة في العراق، أحدٌ. ثلاثةٌ هامشيّون، فقط، زاروا الكيان. الثلاثة هم: عبد القادر الجنابي، ونجم والي، وصموئيل شمعون.
5. ترجمة تمجيديَّة للشعر الصهيوني
صدرت، في نهاية 2022، عن دار راية (حيفا/الشارقة)، بترجمة ريم غنايم، منتخبات شعرية للشاعر الإسرائيلي روني سوميك، بعنوان: "أحبّها وليحتَرق العالم"، مع موجة من الدعاية الإعلامية تقدِّمه تارةً كشاعر عبري (التوصيف اللغوي هنا حجبٌ مُغْرِضٌ للتوصيف بجنسية مزعومة لكيان مؤقَّت)، وتارة كشاعر يهودي عراقي، وهو توصيف أفدحُ يركز على الأصول القديمة متناسياً الانتماء الحالي الذي تتوارى خلفه جريمة إبادة وتهجير الشعب الفلسطيني.
موازاةً لهذه المسمَّيات الحاجبة للحقائق التاريخية، بحثَ الكتاب عن شرعيَّة أخر له، من خلال ما أسماه الناشر بـ"تقديم خاص" لأدونيس. ونحن نعرف منذ دراسة جون جونيت الرائدة عن العتبات النَّصيَّة Seuils، ما تمثله المقدمات والإهداءات والافتتاحيات والتمهيدات من إضفاء للشرعية على المتون ودعوة لتقبُّل مضامينها عبر انتقاء أسماء مهمة تفتتحها. كما نعلم قيمة أدونيس الشعريَّة والفكريَّة عربياً وعالمياً. فبعد رحيل جيل المؤسسين الكبار (نزار قباني، أنسي الحاج، سعدي يوسف..) بقي علي أحمد سعيد الرَّمز الأوحد الحي لحركة الشعر العربي الحديث.
ذلك أن روني سوميك — الذي يعتبره الكثير من المهتمين بالمشهد الثقافي العبري بفلسطين المحتلَّة أهمَّ شاعر إسرائيلي على قيد الحياة، صاحب أهم خطاب جمالي وسياسي يدحض سردية الخطاب الصهيوني — سبق له أن تجنَّد في جيش الاحتلال الإسرائيلي وشارك في الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، وهو من دعاة الفصل العنصري في فلسطين التاريخية، تحتَ مسمَّى منح الفلسطينيين دولةً مستقلَّة، يعرف الجميع أن حدودها وخريطتَها المقترَحة في أحسن حال لا تتيح لأهلها التوفر على مقومات الحد الأدنى من القابلية للحياة.
6. خلاصة
والآن؟ كي لا نكون عدميين أو رفضويين منغلِقين؟ ما البديل لاستعادة جزء من تراثنا الثقافي العربي اليهودي عامَّة، لا اليهودي العراقي فحسب؟
لا شكَّ أن ما يقوم به البحَّاثة والشاعر الفلسطيني زكريا محمد من قراءات أركيولوجية وأنثروبولوجية في التوراة، باعتبارها جزءاً أساسياً من المكوِّن الثقافي للمشرق العربي، يفترض به أن يكون مصحوباً بمرافقة ديناميكية حثيثة للمؤسسات، تُضاف إلى جهود الأفراد، في التعريف بآداب وثقافات المكوِّن اليهودي العربي، وفي الدراسة النقدية والانتقادية لبعض ما يعتريها، أحياناً، من سموم صهيونية، وفق منهجيات رصينة تستثمر ما راكمته الدراسات الما-بعد-كولونيالية والدراسات الثقافية، في أعمال إدوارد سعيد وتلميذته العراقية الألمعية إِيْلَّا شوحاط (التي لم تستطع مواصلة العيش والبحث العلمي بفلسطين المحتلة، فهاجرت إلى أميركا)، من دون أن ننسى الجهود التي قامت بها مؤسسة الدراسات الفلسطينية، والراحل الشهيد غسان كنفاني، الذي كان تفكيكه للأدب الصهيوني من الأسباب الجوهرية لتصفيته، وغالب هلسا في كتابه "نقد الأدب الصهيوني" الذي يشكل دراسة نقدية صارمة حول ترجمته متنَ رواية عاموس عوز "الحروب الصليبية"، وسميح القاسم في تصديره النقدي لترجمةِ أنطون شلحت روايةَ عاموس كينان "الطريق إلى عين حارود".