اللصوص والتجار ينهبون الكنوز الأثرية في ألبانيا
نهب الآثار في جنوب شرق ألبانيا يستمر منذ سنوات، من دون أن تتمكن الدولة أو المنظمات الدولية من إيقافه أو الحدّ منه. يقول المختصون إنّه مع استمرار هذه الوتيرة لن تبقى آثار في مناطق عدة من البلاد.
منطقة كورسي، في جنوب شرق ألبانيا، هي موطنٌ لمدينة قديمة شاسعة، تبلغ مساحتها 20 هكتاراً، تسمّى "ظل الغراب"، وهي مهجورة ومتروكة بين أيدي ناهبي الكنوز.
يبحث المجرمون عن قطعٍ أثرية ذهبية أو فضية أو نادرة، يمكنهم إعادة بيعها. في كلِّ مكانٍ على الأرض، تشير الثقوب إلى أماكن ضحايا الحفريات غير القانونية. لم يترك اللصوص سوى شظايا من الخزف القديم كشهود. تقلق هذه المشكلة الخطيرة روفينا كورتي، رئيسة قسم ما قبل التاريخ في معهد الآثار في العاصمة الألبانية تيرانا.
ينتفض علماء الآثار، ويتّهمون المنقِّبين السرِّيين بتدمير التراث التاريخي والثقافي الذي لا يقدر بثمن. حتى أنَّ الضرر طال حركة الأعمال الفنية، التي لن تقتصر على حدود دولة البلقان الصغيرة.
وقال شاهد من المنطقة، يدعى أكشم لاغوشتاري لوكالة "فرانس برس" إنَّ "هناك أشخاصاً من جميع المناطق يتوافدون على مكان الحادث". من جهتهم، قال علماء الآثار لوكالة "فرانس برس" أيضاً إنهم "لاحظوا أعمال تنقيبٍ غير قانونية في جميع المواقع الأثرية في المنطقة تقريباً". وأضافوا أنَّ "هذه المواقع توجد هذه في أماكن عالية، وبالتالي يصعب حمايتها. لكنَّها قبل كل شيء مليئة بالمدافن أو التحصينات أو الآثار، التي تعود إلى العصر البرونزي وإلى العصور الوسطى العليا".
دفعت العملات الفضية المكتشفة في هذه المواقع سنة 1982 "الباحثين عن الكنوز" إلى حفر الموقع الأثري بالقرب من كورسي بشكل غير قانوني.
وفي عام 1980، تمَّ اكتشاف أكثر من 600 قطعة نقدية فضية. تمَّ عرض الكنز في متحف البنك الوطني الألباني، وقدَّم أفكاراً للحفّارين السريين. "إنهم يدمرون الموقع وينهبون التراث"، تعرب روفينا كورتي عن أسفها، وهي أيضاً مديرة مشاركة لبعثة أثرية فرنسية ألبانية تعمل في البلاد.
خراب يصنعه اللصوص
تشرح المديرة السابقة للبعثة الفرنسية الألبانية في كورسي، سيسيل أوبرويلر، أنَّ "ما يجري يدمر البيانات العلمية للمناطق المستهدفة".
إلى الشمال الشرقي من تيرانا، في منطقة بررار، تشهد البقايا التي لا يمكن التعرّف عليها لكنيسة القرن الـ11 أو الـ12، والثغرات الكبيرة التي تشوّه الموقع على جشع اللصوص. تمَّ حفظ شاهد قبرٍ واحدٍ يرجع تاريخه إلى عام 1201 في كنيسة السيدة العذراء مريم، والتي من الناحية النظرية يجب حمايتها من خلال وضعها كمِعلم ثقافي.
"يمكننا أن نطلق عليها أي اسم، ولكن في الحقيقة إنها ليست سوى فريسة خرابٍ للّصوص"، هكذا قال اسكندر موجاج، عالم الآثار الذي يقاتل لحماية المكان الذي لن يتبقى منه أي شيء قريباً.
في غضون ذلك، يبدو أنَّ المنقّبين ذوي النوايا السيئة يتصرّفون بحصانةٍ كاملةٍ. يدعو العلماء إلى اتّخاذ إجراءاتٍ صارمةٍ، وتنسيقٍ أفضل بين الشرطة والسلطات المحلية والسلطات الثقافية لمنع تهريب الآثار.
من جهته، أكّد وزير الثقافة الألباني لوكالة "فرانس برس" أنّه "تمَّ تعزيز الإجراءات لحماية التراث الثقافي". وقال إنّه "يتعاون مع المنظمات الدولية الأخرى ضد الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية".
تتكرّر مشكلة نهب الآثار في ألبانيا. في عام 1997، حذّرت منظمات دولية من المخاطر التي تهدد التراث الألباني. وقدرت مجلة "Courier de l'Unesco" تكلفة الضرر الناتج من نهب الآثار الألبانية بنحو 800 ألف دولار.
علاوةً على ذلك، منذ عام 2006، حدَّدت جمعية "RPM Nautical Foundation" الأميركية حوالى 40 حطاماً على طول 450 كيلومتراً من الساحل الألباني، ما مثّل هبة من السماء للحفارين. وفي عام 2018، أوضح نريتان سيكا لوكالة "فرانس برس" أنَّ "معظم الثروات التي تقع على عمقٍ يتراوح بين 20 و30 متراً اختفت بالكامل تقريباً من دون أن يُترك منها أيُّ أثرٍ".
مسؤولية دولية
من المستحيل تقدير القيمة السوقية للنهب. الباحثون على يقين من أن الأشياء المسروقة في ألبانيا تغذي حركة المرور الدولية، وتنتهي في المزادات أو المتاحف أو المجموعات الخاصة في الخارج. يقول عالم الآثار ووزير الخارجية السابق نريتان سيكا: "إنها معركة لا تستطيع ألبانيا خوضها بمفردها". بالنسبة له، تقع المسؤولية أيضاً على عاتق الدول الأخرى التي تغضّ الطرف عن القطع المعروضة في المتاحف.
إن لائحة الاتهام الأخيرة في فرنسا ضد جان لوك مارتينيز، الرئيس السابق لمتحف اللوفر، في اتجار مزعوم بالآثار من الشرقين الأدنى والأوسط، سلطت الضوء على هذا النوع من التجارة غير المشروعة.
كما استنكر عالم الآثار الفرنسي باسكال دارك "الممارسات المشبوهة للمتاحف التي تزود نفسها من سوق الآثار من دون القلق بشأن مصدر القطع". ووفقًا له، فإن جميع العناصر التي تظهر في السوق اليوم تقريباً مشبوهة مسبقاً. وقال العالم: "يجب منع بيعها، وإذا كان من الممكن تحديد أصلها الجغرافي، فيجب تنظيم ردّها إلى الدولة المعنية".