أيام قرطاج المسرحية: كيف نصل إلى مسرح يتبنى قضايانا؟

في إطار فعاليات "أيام قرطاج المسرحية" ندوة حول فرص وتحديات قيام مسرح يقطع مع النمط المسرحي الغربي والمؤثرات الايديولوجية والمشاريع النمطية الحديثة، والوصول إلى مسرح يتبنى قضايانا.

كيف يمكن للمسرح "أب الفنون"، أن يتحدث عن مجازر الإبادة التي تحصل في غزة ولبنان. وكيف يمكن لخشبة المسرح أن تلعب دورها التاريخي كفعل وعمل مقاوم - و"المسرح مقاوم أو لا يكون"، في نقل معاناة وآلام الفلسطينيين واللبنانيين بصدق وأمانة.

كيف للمسرح أن يدفع المتلقي العربي على إعمال البحث والتفكير لابتكار أشكال جديدة من الفعل في دعم قضاياه وردع هذه الجرائم؟ 

هي أسئلة عديدة محفوفة بمحاذير كثيرة طرحتها الندوة التي انتظمت في تونس على هامش فعاليات الدورة الــ 25 من "مهرجان أيام قرطاج المسرحية"، والتي انطلقت السبت الماضي تحت شعار "المسرح والابادة والمقاومة: نحو أفق أنسي جديد".

الندوة كانت مناسبة قيمة بحضور ضيوف من مختلف القارات، ومن مشارب ومدارس مسرحية مختلفة، عربية وأفريقية وأوروبية وآسيوية، لطرح النقاش حول الامتحان الذي يعيشه المسرح اليوم في أن يكون ناقلاً لجرائم الإبادة، وفاضحاً للانتهاكات الصهيونية ولانحراف مفهوم العدالة دولياً. وكذلك داعماً للفعل المقاوم ولحركات المقاومة في وجه الإبادة والظلم والطغيان، مجسداً لدوره المقاوم في التعبير عن الواقع، وطارحاً لقضايا واقع البشرية ومستقبلها.

وطرح النقاش في الندوة تساؤلات حول الأدوات والتقنيات والتعبيرات الفنية التي يمكن أن تخدم الرسالة المسرحية بأمانة، من دون السقوط في فخ تقديم رسائل عكسية، فأحياناً يؤدي استخدام المؤثرات الصوتية أو المؤثرات البصرية إلى تضخيم الفعل الاجرامي وتجعل المتلقي يطبع معه. تماماً كما فعل الاعلام عبر نقله الصورة والابادة والدمار، حيث ترك المتلقي يطبع مع مشاهد القتل والموت من دون أن يثير فيه ذلك الرغبة في الاحتجاج أو الادانة أو التصعيد.

صحيح أن المسرح مسارح وليس مسرحاً واحداً، بحسب المشاركين في الندوة، وهو في النهاية تجارب غير معروفة وغير محددة، بل أعمال متحركة ومتطورة. غير أنه يلتقي في مختلف مدارسه ويلتزم  بـــ "ايتيقا المسرح" التي ترفض جرائم الإبادة وتعبر عن العدوان والدمار الذي لم يستثن البشر والحجر، بل طال أيضاً الحيوان وحتى أشجار الزيتون. 

غير أن المسرح في "دول الجنوب"، وفق المحاضرين، ولكي يجسّد رسالته كعمل إبداعي مقاوم، يحتاج إلى الدخول في قراءة نقدية حول أدوات التعبير التي يعتمدها، ومدى قدرتها على تجسيد الصورة و الفكرة ليتجاوز بذلك التجارب المسرحية وقوالب التعبير التي اكتسبها أو ورثها عن المسرح الغربي وأساساً الأوروبي.

  • أيام قرطاج المسرحية: كيف نصل إلى مسرح يتبنى قضايانا؟

وأن ويؤسس لنفسه أيضاً مساراً جديداً وتجربة جديدة تمثل "دول الجنوب" على غرار أفريقيا وأميركا اللاتينية لابتكار أدوات تعبير جديدة. ذلك أننا في حاجة إلى مسرح يدفع الجمهور إلى التفكير والتفاعل، مسرح منفتح على الجمهور، يدعم المقاومة ويعبر عن قضاياه من دون أن يغرق في استعمال تقنيات جماليات تقوم على الفرجة والابهار، بل تذهب نحو نقل الرسالة وحجم الالام والمعاناة وبشاعة الجرائم التي حولت الأجساد الى أشلاء متناثرة.

ولعل أفضل ما يمكن العمل عليه وتطويعه في ابتكار أدوات تعبيرية تلامس عمق المتلقي ووعيه، هو الجسد، الذي يمكنه أن ينقل بصدق آلام الاخرين، وعليه علينا العمل على تحرير الجسد من موروثه الايديولوجي والسياسي والاثني، للعمل بصدق على نقل آلام الانسان، بما يقدم أعمالاً مسرحية تحاكي الابداع بوسائل وتقنيات مبتكرة تخاطب الانسان وتعمل على تصحيح المفاهيم وتوجيه بوصلة الوعي نحو القضايا المركزية.

وخلص المشاركون إلى الحاجة للقطع مع النمط المسرحي الغربي والمؤثرات الايديولوجية والمشاريع النمطية الحديثة، لابتكار أدوات تعبير متناغمة مع الفعل المقاوم وثقافة "دول الجنوب" وقضاياها. أي مسرح يطرح السؤال حول من هو العدو ومن هو الشريك في المقاومة، وكيف يعبر عن قضاياه بأدوات إبداعية مبتكرة قادرة على تبليغ الرسالة من دون الانزلاق إلى التضخيم أو التشويه، حتى يوظف الركح في بناء المجتمعات وبناء الانسان. وهذا من شروطه أن يكون واعياً بقضاياه ومتفاعلاً مع محيطه ومفكراً في سبل تغيير هذا الواقع. إنه مسار طويل لتطوير المسرح في دولنا قد يحتاج إلى جيل أو جيلين لإدراكه وامتلاكه، غير أنه يحتاج منا إلى انطلاق في التفكير والعمل عليه من الآن .

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.