أرقام مخيفة وواقع مخجل.. لماذا لا يقرأ العرب؟

الطفل العربي يقرأ 7 دقائق سنوياً. هكذا أصبحت مجتمعات "إقرأ"، لا تقرأ. لماذا تراجعت القراءة لدى العرب؟

تثير أزمة تراجع القراءة في العالم العربي خصوصاً بين جيل الشباب والنشء، مقابل صعود نجم التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، تساؤلات عدة حول مصير صناعة الكتاب في عالمنا العربي، وكذلك الأسباب التي أدت إلى تراجع مؤشرات القراءة لتصل إلى أدنى مستوياتها عام 2023، مقارنة بمعدلات القراءة في الصين والهند والغرب عموماً.

ولمّا كان الكتابُ، مثلما يقول الفلاسفة، هو أساس العلوم والمعارف، ووجه الإنسانية المشرق، والقراءة هي متعة الحياة؛ واللون المحبب من وسائط الثقافة الأخرى وأخلدها وأبقاها، فإن تراجع معدلات القراءة في العالم العربي تُظهر بشكل واضح أن العرب يمرون بأزمة ثقافية وحضارية غير مسبوقة في تاريخهم، تستلزم اصطفافاً مجتمعياً وحكومياً لعبورها بأمان. حول هذه الأزمة استطلعت "الميادين الثقافية" آراء مثقفين وهذا ما قالوه.

الطفل العربي يقرأ 7 دقائق سنوياً

تكاد تتطابق مظاهر أزمة القراءة المستشرية في البلدان العربية، والدليل آخر إحصائيات منظمة "اليونيسكو"، التي كشفت أن ما يقرأه المواطن العربي سنوياً يناهز ربع صفحة فقط مقارنة بمتوسط قراءة لدى أي مواطن أوروبي الذي يبلغ نحو 200 ساعة سنوياً، بينما الطفل العربي يقرأ 7 دقائق سنوياً، فيما يقرأ الطفل الأميركي 6 دقائق يومياً.

وإذا تناولنا مصر كدولة عربية كبيرة من حيث عدد السكان، سنجد أن معدلات القراءة عام 2022 وسط الشباب كانت "مزرية". إذ تعادل 10 كتب في العام للشاب الواحد، مقارنةً بمعدل القراءة عند الشاب الصيني التي تبلغ 40 كتاباً في السنة أو الشاب الأوروبي الذي يقرأ 10 كتب سنوياً.

وتعزو "مؤسسة الفكر العربي" حالة العزوف عن القراءة، خاصة لدى الأطفال، إلى التطور التكنولوجي الهائل الذي جعلهم يستغنون عن الكتاب مقابل الترفيه الإلكتروني.

ويعاني الوطن العربي من أعلى نسبة أمية في العالم. إذ هناك نحو 60 مليون أمّي و9 ملايين طفل خارج المدارس، ولم يعد العزوف عن القراءة، وفق حديث الروائي المصري، يوسف القعيد، "مجرد ظاهرة ثقافية واجتماعية عابرة، بل صارت أزمة بنيوية خانقة ترتبط بأزمة المعرفة التي تخترق المجتمعات العربية".

ويرى القعيد أن تدني معدلات القراءة إلى أدنى مستوياتها عند العرب، "يعكس واقعاً مزرياً حيث يعيش المواطن العربي حالة من اليأس والإحباط، فأغلب الناس لا تجد قوت يومها، لذلك يعتبرون أن الخبز أهم من الحرف، بل أن الكثير منهم بات يتساءل ماذا نجني من القراءة؟".

أما عن إمكانية تخطي هذه الأزمة فيوضح القعيد أن "البداية من الأسرة. ذلك أنها نقطة الانطلاق والارتكاز. لذا يجب وضع مكتبة في المنزل لتحبيب الأطفال في الكتاب وجذبهم أو اصطحابهم إلى المكتبات العامّة. كما أن على الدولة تأسيس المكتبات في المدارس وتأسيس المكتبات المتنقلة والثابتة المجانية في المدن".

يذكر أنه في العام 2022، تقدمت النائبة في البرلمان المصري، هناء أنيس رزق الله، بطلب إحاطة بشأن تراجع معدلات القراءة بين الشباب في مصر، مشيرة إلى أنها باتت ظاهرة تستحق الاهتمام والدراسة وإيجاد حلول سريعة لها.

وأكدت رزق الله حينها أنه بالنظر إلى انتشار عدد من المكتبات العامة في مصر، فإننا نجد أن أرقام مرتاديها متدنية، فيما سجّلت مكتبات أخرى "صفر" إقبال مقابل الاهتمام بالترفيه الإلكتروني.

أزمة حضارية وبنيوية

ليس مبالغة القول إن المجتمعات العربية تعيش واحدة من أخطر أزماتها، وهي "الانحطاط الثقافي". إذ لم يعد شعار المواطن العربي "الكتاب خير جليس"، أو ما كتبه الفراعنة على جدران أوّل مكتبة شيّدوها بأن "القراءة والكتاب غذاء النفوس وطِبُّ العقول". حتى أن العرب يبدو أنهم نسوا قول الكاتب الروماني شيشرون إن "بيت بلا كتب جسد بلا روح"، أو قول الجاحظ بأن "الكتاب وعاء ملئ علماً، وناطق ينطق عن الموتى ويترجم عن الأحياء"، كما أهملوا ما قاله المتنبي من أن "خير جليس في الزمان كِتاُب".

حول هذه النقطة يرى الكاتب والباحث السوري، نبيل صالح، أن "الناس لم تَعُد تقرأ إلّا ما يقدّم لها عبر شاشات أجهزة الهواتف الذكيّة من منشورات ومشاهد بصريّة، وحتّى الكُتب الرقميّة التي تنشرها مواقع الفكر والثقافة على شبكة الإنترنت العالَميّة، لا تحظى بكثير من المُتابَعة إلّا من جانب المهتمين".

ويضيف: "نحن في وضعٍ ثقافيٍّ سيئ للغاية، وأرقام القراءة المتدنية تؤكِّد أن العرب أقل الشعوب قراءةً، وهناك أبحاث أجرتها جامعة أوكسفورد، خلصت إلى أنّ الكتاب الورقي، ووجود مكتبة في المنزل، له تأثير نفساني وعملي كبير على الطلّاب، كنشاط ذهني لنموّ الوعي وتفتّحه"، وفق حديثه مع "اـلميادين الثقافية".

مجتمعات "إقرأ" لا تقرأ

من جهته، يقول الأكاديمي المغربي، عبد الهادي أعراب، إن "ثقافة المُشافَهة باتت تسيطر على ثقافة القراءة والكتابة في وطننا العربي"، مضيفاً "هذا أمر فيه مفارقة كبيرة. فمجتمعات "إقرأ" لا تقرأ، وطوال قرون عجزت المجتمعات الإسلامية والعربية عن توطين ثقافة القراءة في بلدانها".

لقد باتت الدول العربية مقصِّرة في ترسيخ ثقافة القراءة عبر سياستها الثقافية والفكرية والإعلامية، ومطالبة ببلْورة سياسة واضحة، تعطي أهمية للكِتاب وللمكتبة، وتيسِّر وصول المواطن إليها، من باب الحق في المعرفة، وفق أستاذ علم الاجتماع في جامعة شعيب الدكالي في المغرب، عبد الهادي أعراب.

ويؤكد أعراب أن من بين أهم العوامل التي أدت إلى تفشي أزمة القراءة في العام العربي، انتشار آفة الأمية، وتراجع العناية بالمكتبات المدرسية، فضلاً عن ارتفاع أسعار الكتب في بعض الدول العربية، في مقابل التوسع باستخدام التكنولوجيا الحديثة، وأخيراً تمكين الأسر أطفالهم من الهواتف والأجهزة النقالة والألعاب الإلكترونية مقابل إهمال الكتاب.

وفي هذا الإطار حذر تقرير لمرصد "الألكسو" أن عدد الأميين في العالم العربي سيضاهي 100 مليون شخص بحلول العام 2030.

أزمة النشر وصناعة الكتاب

كالقراءة يمرّ سوق النشر وصناعة الكتاب بالعالم العربي بأزمة كبيرة. وتبيّن لنا إحصاءات المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم "ألكسو"، أن العالم العربي يصدر كتابين مقابل كل 100 كتاب في دول أوروبا الغربية، بينما تنشر الولايات المتحدة 85 ألف كتاب سنوياً.

وعرف العالم العربي صناعة النشر منذ القدم. فهناك نحو 50 كتاباً، على سبيل المثال، تم اكتشافها قُرب محافظة الفيوم، جنوب غرب القاهرة، أنتجت بواسطة الطباعة بالقوالب الخشبية خلال القرن العاشر حتى منتصف القرن الــ 14 الميلاديين، فيما أنشئت "مطبعة بولاق" في مصر عام 1822م، وسبقتها محاولات لطبع بعض الكتب في لبنان، جلبتها معها الحملة الفرنسية، كما عرفت أول مطبعة في فلسطين عام 1830م، ورسمياً في لبنان 1834م، واليمن 1877م، والحجاز 1882م.

عن هذا التراجع الكبير والتردي في صناعة الكتب وسوق النشر، يقول رئيس "اتحاد الناشرين العرب"، محمد رشاد، إن الأزمة التي تجتاح سوق النشر وصناعة الكتاب في العالم العربي تتطلب تكاتف الدول العربية لتأسيس مصانع كبيرة لصناعة مستلزمات إنتاج صناعة النشر والورق لأنه، ومنذ جائحة "كورونا" واندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، ارتفعت مستلزمات الكتاب بنحو 90% لأنها تخضع للأسعار العالمية.

ويضيف رشاد أن "أزمة الورق باتت عالمية"، مشيراً إلى أنه "من المفترض كل 5 أعوام تجدد الأشجار التي يصنع منها الورق، لكن مع تغيرات المناخ والظروف البيئية، تناقص المعروض من الورق بشكل كبير جداً".

وعلى الرغم مما تقدم، ووفق إحصاءات دولية، فهناك كتاب واحد يصدر في العالم العربي لكل 12 ألف مواطن عربي، في مقابل صدور كتاب لكل 500 مواطن إنجليزي، ولكل 900 مواطن ألماني، لنصل في النهاية إلى معدلات قراءة تحتل الهند فيها المركز الأول عالمياً، وتايلاند المركز الثاني، والصين المركز الثالث.