"الإبراهيمية" وفرض الزعامة الصهيونية على المنطقة
يعتبر المؤلف أن مُصطلحات "الإبراهيمية" أو "الأديان الإبراهيمية"، أو "وحدة الأديان"، وغيرها، تَحْمل في ظاهرها معاني حسنة مقبولة، مثْل التعايش والسلام، لكنها جِسْرٌ للمعاني الباطلة الهدّامة.
قَبْل أعوام، ظَهَرَ مُصطلح ديني جديد في المنطقة أثار استغراباً واستهْجاناً كبيرين، ليس فقط لأنه صَدَر عن جهات أو دول لادينية أو مُعادية للدين، في جوهر سياساتها، بل أيضاً لأنّ هذا المُصطلح جَمَع، من دون تَحفّظ، بين "إسرائيل"، بصفتها "الدولة" المُمَثّلة لـ"يهود" العالم، وبين دول المنطقة، التي تُعدّ إسلامية العقيدة والمُمارسات الاجتماعية، في الحدّ الأدنى، وبين أتباع الديانة المسيحية، الذين لم يَسْلَموا أيضاً من شرور "إسرائيل" وأدواتها طوال العقود الماضية.
وفي السياق، كان لافتاً ومُثيراً للانتباه، كما يُعبّر مؤلّف هذا الكتاب، إطْلاق الرئيس الأميركي (السابق)، دونالد ترامب، مُسمّى "أبراهام" على اتفاق تطبيع العلاقات بين "إسرائيل" والإمارات، والذي أعلِن في الـ13 من آب/ أغسطس 2020، طالِباً إلى السفير الأميركي في "إسرائيل"، ديفيد فريدمان، توضيح أسباب إطْلاقه على الاتفاق الذي جَرى توقيعه بين الإمارات والبحرين و"إسرائيل" في البيت الأبيض، الأربعاء، في الـ 15 من أيلول/ سبتمبر 2020، برعاية ترامب.
وأوْضَح فريدمان أن سَبَب إطْلاق تلك التسمية على الاتفاق يَرْجع إلى أن النبي إبراهيم (ع) كان أباً لجميع الديانات الثلاث العظيمة، فيُشار إليه باسم (أبراهام) في المسيحية، و(إبراهيم) في الإسلام، و(أبرام) في اليهودية، لافتاً إلى أنه "لا يوجد شخص يَرْمز إلى إمكان الوحدة بين جميع هذه الديانات أفضل من إبراهيم. ولهذا السبب، تَمّت تسمية هذا الاتفاق بهذا الاسم".
لكن في الحقيقة، فإنّ مُصطلحات "الإبراهيمية" أو "الأديان الإبراهيمية"، أو "وحدة الأديان"، وغيرها، تَحْمل في ظاهرها معاني حسنة مقبولة، مثْل التعايش والسلام، لكنها جِسْرٌ للمعاني الباطلة الهدّامة، وستار لحقيقة الخَلْط بين الأديان، وليس مُجرّد الحوار، كما يقول المؤلّف.
ومن هنا، أثارت تسمية اتفاق التطبيع بين الإمارات والبحرين و"إسرائيل" بهذا الاسم أسئلة كثيرة، بحيث لا يمكن النظر إليها بعيداً عن جذورها وخلفيّاتها الدينية، التي تكشف بوضوح مدى توظيف السياسي للأبعاد الدينية والتأريخية، الأمر الذي يُسهّل عليه تمْرير أجنداته السياسية تحت غطاء ديني.
والحقيقة أن المُخطّطين والمُوقّعين هم أبْعَد الناس عن الدين والتديّن؛ لكن الغَرَض هو الاستفادة من الدين في تسويق التطبيع مع المُحتلّين الغاصبين وفَرْض زَعامة الصهاينة على المنطقة وليس أكثر.
في فصول الكتاب الأحد عشر يَتطرّق المؤلّف إلى خلفيّات "الديانة" الإبراهيمية الجديدة، وعلاقتها بالأديان السماوية، وخصوصاً باليهودية وبالحركة الصهيونية، وبالمشاريع الأميركية في المنطقة، وصولاً إلى تأثيرها في القضية المركزية لكلّ المسلمين والأحرار في العالم، أي قضية فلسطين، التي تُجسّد خلاصة شرور الصهاينة وطموحاتهم الاستعمارية، مع قراءة موسّعة للمواقف والسياسات لبعض دول المنطقة بشأن هذه القضية، مثل مصر والسعودية وتركيا وإيران.
يَنْقل المؤلّف عن الباحث الأردني صبري سميرة قوله بشأن فكرة الإبراهيمية أن "موضوع الديانة الإبراهيمية عايشتُه وعاصرتُه منذ عقود في أثناء إقامتي بالولايات المتحدة الأميركية؛ وهو في أساسه يُمثّل إطاراً جامعاً للمُوَحّدين المؤمنين بالله، ومُنطلقاته في أصْلها إيجابية".
ويضيف: "لكنّ هناك توظيفاً سياسياً لمفهوم الديانة الإبراهيمية، عادة ما يستفيد منه أنصار إسرائيل، إذ يَجدون فيه مدخلاً لترسيخ الحقّ اليهودي، وفي الوقت نفسه إبعاد أتْباع الديانات الأخرى عن مُناصرة حقوق الشعب الفلسطيني".
من جهتها، تكشف الدكتورة المصرية هبة جمال الدين، أنه في سنة 2000، تَوَصّل فريق بحثي (أميركي) إلى نتيجة أن الديانات تَتّفق على سيّدنا إبراهيم (ع)، فَقَرّر الفريق إحياء المُشترك الديني وتَنْحية المُختلِف منه، وأنّ للشعوب الأصلية الحق على الخريطة السياسية؛ وهذا ما يُراد الاتفاق عليه مع علماء الدين (توجد اتفاقية في الأمم المتحدة تُسمّى اتفاقية الشعوب الأصلية، وتَهْدف إلى إرجاعهم وتعويضهم).
وبَدَأ اليهود يُطالبون بالتعويض من مصر والسعودية وكلّ الدول التي وَقّعت اتفاقية الشعوب الأصلية. وستكون هناك دولة فلسطينية ذات حُكم ذاتي، لكن مع "إسرائيل"، فيها جيش واحد، دولة إبراهيمية واحدة، وكيان واحد؛ وهذا ضحك على الفلسطينيين، فالاسم دولة، لكنّها فعلاً ليست دولة.
أمّا الكاتب اليَمَني عصام القيسي، فيوضِح بدوره أن: "الإبراهيمية فكرة جريئة تَطْمح إلى إيجاد صيغة توافقية بين الأديان الثلاثة التي تَنْتسب إلى إبراهيم (ع)، وهي: الإسلام والمسيحية واليهودية؛ وهذه الصيغة تمثّل الحدّ الأدنى المُشترك بَيْنها في الإيمان".
ويتابع: "وما يتمّ التوافق عليه بين أعضاء اللجان المُشتركة في هذا المشروع من عقائد يُجْمَع في كتاب واحد، تَطْمح المؤسّسات التي صَمّمت المشروع ورَعَتْه إلى جَعْله كتاباً مُقدّساً بديلًا من الكُتب المُقدّسة الثلاثة: القرآن، العهد الجديد، العهد القديم".
ويكشف القيسي أن "الغاية من هذا المشروع هي تَفْتيت ما تَبَقّى من هويّة عربية جامعة، ودَمْج إسرائيل عضوياً في المنطقة العربية، مع إدْراكنا أنّ توطين إسرائيل هو في حدّ ذاته إجراء من إجراءات التفتيت وليس غاية نهائية. وهي - في نَظَري - المرحلة الثانية، أو المشروع الثاني في مشاريع الغرب لتفتيت العالم العربي وتفكيكه".
وبشأن دور الإمارات في ترويج الديانة الإبراهيمية وإعادة تشكيل المنطقة من جديد، يَلْفت القيسي إلى أن "دولة الإمارات فيما يبدو أنّها تُشكّل رأس حَرْبة في مشروع إعادة تشكيل الشرق الأوسط الأجد، الذي تَخْتفي فيه مَعالم العروبة والإسلام لمصلحة الرؤية التوراتية الصهيونية. وما البيت الإبراهيمي هناك إلّا إحدى المؤسّسات المنوط بها العمل لتَمْكين مشروع الديانة الإبراهيمية الجديدة".
بشأن سرّ كُرْه اليهود واحْتقارهم في العالم، يَنْقل المؤلّف عن المُذيعة والكاتبة الأميركية الشهيرة، جين غاردنر، تساؤلها عن أسباب جَعْل اليهود مُحْتَقَرين عبْر التاريخ إذا كانوا بالفعل مُخْتارين من الله. فبحسب اعتقادها، يجب أن يكونوا أكثر الناس حظاً في تاريخ العالم. فلماذا تَعرّضوا للاضطهاد عبر التاريخ؟! ولماذا حَشَدَهم النازيّون في عَرَبات الماشية وأخذوهم إلى "معسكرات الإبادة" للتخلّص نهائياً من "المشكلة اليهودية"؟!
وتُجيب غاردنر بنفسها:
- لم أكن أعْلم أنّه عَبْر التاريخ طُرِد اليهود من 79 دولة في العالم، ومن بعض البلدان أكثر من مرّة.
- لم أكن أعْرف أن عدداً من الادّعاءات التي قَدّموها بشأن "الهولوكوست"، والتي كُنْتُ أؤمنُ بها من دون أدنى شك، وقتاً طويلاً، كان في الواقع مُزيّفاً.
فالكُتب التي قرأتُها، والأفلام التي شاهدتُها عن "المحرقة" وبكيت، لم تكن سوى محاولات مُستترة لكَسْب تعاطف لا يَتزعْزع مع إسرائيل، وعُذراً لابتزاز مليارات الدولارات من ألمانيا، و 1.25 مليار دولار من البنوك السويسرية.
بشأن أهداف المشروع الإبراهيمي أو "البيت الإبراهيمي"، يُعدّد المؤلّف عدّة أهداف، بينها:
- مواجهة الإسلام الرسالي (الجهادي) الذي تقوده إيران.
- السيطرة على مصر وشمالي أفريقيا، ضمْن مشروع "إسرائيل الكبرى".
- مشروع تَجْميع جيش من أصْقاع العالم في فلسطين لحَرْب الإسلام والعرب وتدميرهما.
- إنْجاح "صفقة القرن"، وهي وثيقة اسمها الولايات المتحدة الإبراهيمية، صادرة عن جامعة فلوريدا، من مركز أبحاث الدراسات البيئية - وليس السياسية - اسمه "أميرج". وتَطْرَح الوثيقة تَغيّر المناخ، وتقول: هناك دول ستختفي، لأن هناك دولًا تمتلك موارد لكنّها تَفْتقر إلى القدرة على إدارتها، أو ما يُسمّى حوكمة تلك الموارد.
- الكَيْد مُستمر من جانب الصهاينة لتَجْيير الدين لمصالحهم.
أما في الخاتمة، فيَعْرض المؤلّف عدّة سُبُل مُرْتبط بعضها ببعض، ومؤيّدة بوقائع سياسية - مثل تعامُل الإدارات الأميركية المُتعاقبة، المُتواطئ والخبيث، مع حروب "إسرائيل" المتواصلة ضدّ الشعب الفلسطيني، ولن تكون إدارة جو بايدن آخرها - من أجل مواجهة المشروع الإبراهيمي التآمري، ومن أهمّها:
- التعْويل على رَفْض الشعوب كافةً صفقة القرن والمشروع الإبراهيمي.
- إبْراز خصوصية الإسلام (الرّسالي والمُقاوم) أمام المواطن العربي.
-الإيمان بأنّ النصر على "إسرائيل" وتحرير فلسطين مُمْكنان، وأنّ مواجهة شاملة بين الكتلتين الديموغرافيتين في فلسطين الداخلية: أهْل البلد وغُزاتهم، كفيلة بإسقاط النظام الصهيوني العنصري، بحسب كلام للدكتور الفلسطيني تميم البرغوثي، أستاذ العلوم السياسية في أميركا.
- اليَأس من أميركا والدول الغربية التي تدور في فَلَكها.
- إيقاف أي تنسيق أو تعاون مع الصهاينة والخروج نهائياً من اتفاقات التسوية، والتي أفادَت "إسرائيل" حصراً.