هل يهدد الذكاء الاصطناعي عرش صناعة الموسيقى؟
أم كلثوم تغني "المحقق كونان"، وعبد الحليم يغني "بنت الجيران". إنه غيض من فيض الذكاء الاصطناعي. فهل يهدد كل هذا عرش صناعة الموسيقى؟
أم كلثوم تغنّي تتر مسلسل الكارتون "المحقق كونان"، وراشد الماجد وأحلام يغنيان معاً أغنية Calm Down، وديربي الغناء المتنافس عمرو دياب وتامر حسني، بالإضافة إلى محمد حماقي وتامر عاشور ورامي صبري، يغنون أغنية "داري يا قلبي". هذه ليست أحلام نوم منتصف النهار، رغم أنها تبدو كذلك، لكن هذا غيض من فيض من أغنياتٍ تمّت صناعتها مؤخراً بتقنية الذكاء الاصطناعي.
قبل أشهر اجتاح المبدعون وصُنّاع المحتوى خوفٌ من ظهور تقنية الذكاء الاصطناعي، وقيل إنّها ستهدّد وظائف عديدة من أهمها الكتاب والصحفيين، خاصة لما تستطيع إنتاجه من محتوى أصلي غير منسوخ. لكن في الأشهر الأخيرة دخل صُنّاع الموسيقى في دائرة الخوف ذاتها، بعد أن فوجئ أغلبهم أن أصواتهم باتت تستخدم في صنع أغنيات ليست لهم.
أم كلثوم تعود إلى الحياة
ليس غريباً على عشاق "كوكب الشرق" أن يشاهدوها تعود للحياة من جديد، تغني أغنياتها المعتادة بتقنية "الهولوغرام" في حفلات في مصر والسعودية، تتجسد على المسرح وتطرب عشاقها بـ"إنت عمري" و"الأطلال" وغيرها.
لكن قبل فترة أعلن الملحن عمرو مصطفى عن أغنية جديدة من ألحانه، ستغنّيها أم كلثوم بصوتها، تحمل اسم "ماضينا"، ثم سرعان ما تراجع عن ذلك بعدما تقدّمت أسرتها ببلاغ ضدّه، لأنّه استخدم صوتها من دون إذن كتابي من أسرتها أو من المنتج محسن جابر الذي يمتلك حقوق نشر وتوزيع أغنياتها، واصفين ما حدث بأنّه عبث وتشويه لتراثها، ويمكن أن يفتح الباب لإعادة استخدام صوتها في أغاني المهرجانات وأغاني شعبية أخرى، وهو ما حدث في ما بعد فعلاً.
ثم عاد مصطفى وأثار الجدل من جديد بإعلانه عن أول مطرب في العالم بتقنية الـAI، في ما وصفه بمشروعه لإعادة إحياء التراث العربي.
وفقاً لتصريحات تلفزيونية، يؤمن مصطفى بضرورة مواكبة العصر، وبأنّ السنوات القادمة ستحمل مزيداً من التطور في عالم الموسيقى، ولا ينبغي ألا نواكب هذا التطور أو أن نتوارى عنه.
تجربة مصطفى لم تكن الأولى، بل حدث الخلاف نفسه عالمياً مع أغنية انتشرت بأصوات المغنيين العالميين دريك و"ذا ويكند" تحاكي أغنية Heart On My Sleeve، لكنَّ مجموعة "يونيفرسال" الموسيقية، والتي تمثّل المغنيين الأصليين، أرسلت إنذاراً إلى منصات بث الموسيقى، وطلبت منهم عدم السماح لبرامج ومنصات الذكاء الصناعي باستخدام منصاتهم لمثل هذه الأغنيات، مطالبين بإزالتها وبتعويض مالي كبير.
يواجه مطربون عالميون آخرون تخوّفات من انتشار أصواتهم وأغنياتهم من دون الحصول على حقوق مادية أو أدبية، لذلك طورت منصات مثل "ديزل" و"سبوتيفاي" أدوات جديدة تمكّنها من فرز أغنيات الذكاء الاصطناعي، ووضع رمز عليها لتمييزها عن الأغنيات الأصلية، وكذلك وضع هامش ربحي للمغنيين الأصليين، إلا أنّ موقعاً مثل "يوتيوب" لا يزال يحتفظ بأغاني الذكاء الاصطناعي، ويمكن أن تجد عليه العشرات منها، تتم الإشارة إلى بعضها على أنّه مخلوق بتلك التقنية، في ما لا يُشار إلى بعضها الآخر.
بعض الأغنيات المزيفة التي انتشرت مؤخراً أغنية "deepfake" للمغنية Rihanna، وهي تغني أغنية "Cuff It" للمغنية Beyoncé، بالإضافة إلى أغنية Hey There Delilah بصوت المغني كانيه وست بواسطة الذكاء الاصطناعي.
أما المطربة أنغام فحينما ظهرت أغنية لها بالتقنية نفسها تجمعها مع إليسا وأصالة، لم ترحب بالفكرة، وقالت في تصريحات تليفزيونية: "فكرة الدويتو حلوة والأحلام حلوة، لكن إن حد يستعمل صوتك وإنت مش عارف مش حاجة حلوة، وصوت مش حقيقي ومفيهاش الإحساس البشري، أتمنى إنها تكون هوجة وتخلص.. كده هيقعدونا فى البيت".
@2o.4u ياريتك فاهمني- أنغام و بمشاركة صوت إليسا و أصالة بالذكاء الاصطناعي (الاصوات قيد التدريب) .. . . . .. . #انغام #اليسا #اصاله #اصاله_نصري #انغام_عشق_لاينتهي #ياريتك_فاهمني #اليسا_ملكة_الاحساس #صولا #elissa #assala #angham #egypt #saudi #morroco #algeria #aisong #aisongcover #مصر #مصر🇪🇬 #السعودية #لبنان #المغرب #الجزائر #تونس #تركيا #مصريه_وافتخر #سعودية #مصري🇪🇬 #ام_الدنيا #اغاني_ذكاء_اصطناعي #ذكاء_اصطناعي #ai #aisongs #موسيقى #سوريا #القاهرة #اسكندريه #نغومه #اغاني #موسيقى #egyptian #egyptian_tik_tok #egyptianarabic #اغاني_مصريه #مصري ♬ ياريتك اصالة واليسا new - َNani Ai
انتقاد واسع وضوابط مطلوبة
من جانبه، يرى المؤلف الموسيقي رمز صبري، في حديث لـ"الميادين الثقافية"، أنّ الأمر يحتاج إلى ضوابط للاستخدام، منها مراعاة حقوق الملكية، وأن يكون الشخص متمكّناً من كافة الأدوات اللازمة لصناعة موسيقى جيدة، وهي يمكن أن تخدم شخصاً مبدعاً يريد صناعة موسيقى جيدة.
ويرى صبري أيضاً أنّ استخدام أصوات فنانين راحلين، مثل عبد الحليم حافظ وأم كلثوم، ما هو إلا لون يجوز استخدامه كعنصر في صناعة الموسيقى، كأن يكون لدى فنان كلمات جيدة وموسيقى ولكن ينقصه صوت الفنان، فيقوم بتركيبه أو إجراء أعمال ابتكارية، كأن تغني داليدا بالعربية أو أم كلثوم بالفرنسية.
ورغم إيمانه بحرية الأعمال الإبداعية والفنية، لكن ما يعتبره أمراً سلبياً في استخدام تقنيات الذكاء الصناعي هو أن يخرج علينا شخص ليس لديه أي خبرة أو دراية في صناعة الموسيقى، ويستخدم تلك التقنيات من دون أن ينتج شيئاً احترافياً، كما لا ينبغي أن يتم استخدام تلك التقنيات لصنع موسيقى يتم خلالها تمرير رسائل سلبية وضارة، مثل العنف أو الجرائم، وهو ما سمّاه "الاستخدام الغبي للذكاء الاصطناعي".
وتساءل صبري: "في هذه الحالة، من الذي ستتمّ محاسبته إذا كان هذا الشخص مهووساً أو غيرَ سويٍّ نفسياً، وصنع شيئاً يبرر إيذاء البشر أو يدعو إلى الانتحار مثلاً؟".
أما أستاذ النقد الموسيقي في أكاديمية الفنون بالقاهرة، أشرف عبد الرحمن، فلا يمانع استخدام تلك التقنيات في تصنيع الموسيقى، لكن الأمر يتوقف على كيفية الاستخدام، بحيث لا تؤثر على التراث، لافتاً إلى بعض التجارب التي ظهرت مؤخراً من استخدام أصوات مطربين راحلين كتيمة في أغاني لا تليق بهم، قائلاً: "هذا خَطِر جداً، لأنّ هؤلاء الفنانين ماتوا ولا يوجد أحد منهم ليدافع عن فنه".
يتخوف عبد الرحمن من الخطورة المتمثّلة في أنّ الأجيال الجديدة التي ستنشأ وهي تستمع إلى تلك الأغنيات الحديثة بأصوات مطربين راحلين، ستظنّ أنّ هذه هي أصواتهم الحقيقية وأغنياتهم الحقيقية، وتضيع معالم فنونهم، كما أنّ صانع الموسيقى ذلك سيستخدم "خامة الصوت" فقط من دون الإحساس نفسه، موضحاً ذلك بقوله: "صحيح أنك ستجد صوت عبد حليم حافظ لكن من دون إحساسه".
من السلبيات التي يتخوّف منها أستاذ النقد الموسيقي أيضاً أن تضيع الحقيقة في ما بعد ويتم طمسها، فلا يعود أحد يستطيع التفريق بين الصوت الحقيقي والمصنوع.
وتعليقاً على مسألة اتجاه بعض المواقع الناشرة للمقطوعات الموسيقية إلى حماية حقوق المغني الأصلي للأغنية بوضع علامة أن تلك الأغنية مُخلقة بالذكاء الاصطناعي، قال إن ذلك قد يحمي حقوقهم حالياً، لكن على المدى البعيد سيضيع الأمر وسيكون "عاطل مع باطل"، بحسب وصفه.
على مدار قرن من تاريخ صناعة الموسيقى في مصر، كانت هناك دوماً اعتراضات مع كل موجة تطور، مثل المرحلة التي كان بعض المغنيين يستخدمون فيها كلمات شعبية، كفريد الأطرش في "يا حبايب فلفلوا"، وهي الكلمة التي اعترض عليها الناس، بحسب ما يذكر عبد الرحمن، الذي ذكّر أنّ "الناس وقتها قالت إنه ده هبوط فني".
ثم مروراً بمرحلة الغيتار ودخول آلات موسيقية جديدة كان يتم رفضها ومحاربتها كل مرة من الأجيال القديمة، لكن يرى عبد الرحمن أنّ ذلك التطور سيفرض نفسه في السنوات القادمة، لذلك علينا أن نضع له ضوابط من الآن حتى لا يشوه تراثنا، قائلاً إن: "الأمر يشبه أن يرمم أحدهم الأهرامات مستخدماً الذهب، ورغم أن الذهب غالي إلا أن قيمة الأثر هي في عمره الذي يتخطى الـ8 آلاف عام".
حقوق منقوصة
ورغم إثارة عمرو مصطفى للجدل بتلك التصريحات عن أحقيته القانونية في استخدام أصوات الفنانين في إنتاج موسيقاه، لكن المحامي محمود عثمان والمتخصص في شؤون حماية الملكية الفكرية، قال إن القوانين المنظمة لإنتاج الموسيقى في مصر حالياً لا تتضمن بالفعل أي بنود خاصة باستخدام الذكاء الاصطناعي.
وطالب عثمان بأن ينتبه مجلس الشعب ووزارة الثقافة المصرية إلى ضرورة تقنين الأوضاع المتعلقة بإنتاج الموسيقى بما يتماشى مع التطور الحاصل حالياً، خاصة ما يتعلق منها باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي للمؤلف أو الحقوق المجاورة، سواء لكاتب الشطر الأدبي (الأغنية) أو الملحن أو صاحب الأداء، وبيّن لـ"الميادين الثقافية" أن ذلك "حتى نعرف ما الذي سيتم إتاحته للجمهور ليتم استعماله، وهل سيكون هناك سياسة للاستخدام العادل، وهل من الممكن أن يكون هناك مقطوعات محددة يمكن استخدامها في الـ AI".
وكشف عثمان أنّه لا يوجد في القانون المصري حالياً ما يُعرف بسياسة الاستخدام العادل، أي ما يمكن اقتطاعه من أي عمل واستخدامه بشكل قانوني، لافتاً إلى أنّه من المهم إدراج هذا الأمر كمقترح يخص الـ AI حتى يتاح للفنانين تطوير أعمالهم من دون الحاجة لوجود شركات إنتاج ضخمة معهم.