نعم.. أنا سرقت يسوع
هيرودوس ما زال يلاحقنا. يحمل فرّاعةً في يد وفي يد أخرى دلواً يفيض من دمنا. ليس بعيداً عنك يا يسوع يجمع هيرودوس أشلاء أطفال غزّة ليعدّها وجبةً على مأدبة العهر.
أخاطبك ركوعاً. بالكاد أضمّ لهاثي الضعيف إلى لهاثي بقرة وحمار وثغاء غنمة حثّتها غرائزها للجثوّ على مسافة قريبة من معلف الدّابة الذي صار جرناً خصيصاً لك أيها الملك ليحضن جسمك الغضّ المقوّر. ما أجملك وما أبهاك وما أغناك يا ملك الملوك وقد خلّصت العالم من داخل معلف للدّواب.
يا أثرى الأثرياء من فقرك وأبلغ البلغاء من صمتك وأشرف الشّرفاء من نسلك. يا أطيب الطّيّبين كمْ أشعر وأنا في مغارتك بالأمان. يكفيني أن تبحر روحي في عينيك لبرهة لأستقلّ قوارب الأمان. أنت الطفل الوحيد في العالم الذي يهدّئ من خواطر البالغين كما تهدّئ كلماتك أمواج البحر العاتيات. طفولتك تقول إنّ العالم بخير وإنه يرتدي الرّجاء ويكتسي بالفرح ويتدثّر بالخلاص.
جئت إليك حاملاً أحزاني. ثقيلة أحزان الخطايا. أن تكون عاجزاً عن وقف صخور الأحقاد المتدحرجة إليك كأنّما من فالق فجّره زلزال مدمّر. نحن مدمّرون من الداخل يا سيدي ومولاي. لو تدعني أقترب قليلاً بعد لشكوت ما آلت إليه أحوالنا. هيرودوس ما زال يلاحقنا. يحمل فرّاعةً في يد وفي يد أخرى دلواً يفيض من دمنا. ليس بعيداً عنك يا يسوع يجمع هيرودوس أشلاء أطفال غزّة ليعدّها وجبةً على مأدبة العهر.
ليس بعيداً من هنا أيها الملك جنديّ يقتلنا ويضحك قبل أن يعود إلى زوجته مظفّراً طالباً منها باحترام أن تغسل بزّته من بقع دمائنا المنتشرة فوق جراح المشرق. أنا أصلّي على مسافة صفر منك يا عظيم العظماء حتى يتحرّر المشرق من حذائه وأن يعود حافياً من حيث أتى.
قليلاً بعد على مسافة خطوتين من قشّ وأصل إلى وجهك البهيّ. لا وسادة تسند رأسك الصغير عليها. أنت طفل بلا وسادة صار سنداً للعالم. أجهد حتى لا تلتقي نظراتنا مريم وأنا. أنا لا أستحقّ النظر إلى عينين فيهما أمومة العالم. يوسف النجّار يرسم أطهر بسمة براءة رأيتها على وجه رجل على الإطلاق. أبوة أربعة وعشرين قيراطاً.
في الأرجاء صفير الرّيح. المغارة بلا أبواب. بيوتنا أبوابها من فولاذ ومدعّمة بالأقفال حتى لا يدخلها الغرباء. أنت فتحت المغارة ليدخل إليها الناس غرباء ويخرجون منها أحبّاء. كأني يا يسوع هنا داخل خزنة فيها أطنان من الحليّ مصنوعة من معدن جديد هو معدن العظماء وهو أقوى من أيّ معدن معروف.
لا شيء يدفعني إلى ترك مغارتك. مركز إقامتك هنا فندق رجاء بخمس نجوم. لا بأس هنا أن أكون أحد تلاميذك. أترك لك سيدي أن تطردني من ملكوتك ولكن دع لي شرف اختياري لنفسي أحقر تلميذ لثوبك الملائكي. حقارتي عظيمة وحلمك أعظم. سأذهب غداً عند أقدام شاطئ بحر الجليل وأتعلّم "كار" حبْك الشّباك في قوارب تعشق صباحات ومساءات الأسماك راجياً أن أسترعي انتباهك. سأكون جاهلاً على أكمل وجه وبسيطاً على أكمل وجه لتختارني.
صرت تماماً على حافة المزود. تنتابني رغبة جامحة بحملك واحتضانك بين ذراعيّ المتعبتين. ما الذي يمنع أيّ مؤمن أن يفعل ذلك؟ وأنت بين ذراعيّ لا يعود العالم مخيفاً وبارداً وقاسياً وظالماً. ستكون في أمان يا سيدي بين ذراعيّ وكيف لا؟ أفلا يستحقّ من يحملك في قلبه أن يحملك أيضاً فوق ذراعيه؟ إذا سمحت لي أن أدخلك قلبي فاسمح لي بأن أخرجك إلى ذراعيّ.
أحملك أيها المسيح خارج المغارة إلى بيتي. ستكبر في كنف عائلتي. ستكون قلادتي وسأعبر معك إلى حيث الغابة فلا أخاف وحشتها ولا ترعبني ظلمتها. في وحشة طريق الحقّ سأتعلّق بوجهة نعليك. خذني معك حيث تشاء فنفسي منقادة مثل السواقي نحو البحر وقلبي طائع بين يديك كما يطيع الطين صانع الفخّار.
عذراً سيدي ومولاي. لقد سرقتك للتوّ من بيت لحم. أعترف بجريمتي وأعتزّ بها فما أجمل في عصر الجرائم التي لا تغتفر أن تجد نفْسك أيها المسيح مسروقاً بين ذراعيّ وفي قلبي وبدل أن تدينني تقول: طوبى لمن يحذو حذوك ويسرقني. مغفورة لك خطاياك.