مو يان .. رائد أدب المقاومة في الصين
تُعتبر الصين البلد الأول في إنتاج الأدب المقاوم على صعيد العالم، وخاصة المقاومة ضد الاحتلال الياباني.
تختصر رواية "الذرة الرفيعة الحمراء" لصاحب نوبل الأديب الصيني مو يان، عوالم الصين بكل ثرائها الحضاري. فقد اعتبرها الناقد المصري الدكتور خيري دومة "رواية الصين بامتياز"، فهي واحدة من الروايات التي ذكرت في تقرير لجنة نوبل للآداب التي فاز بها مو يان عام 2012.
تعد هذه الرواية من أهم الروايات في مشواره الأدبي التي تحولت إلى فيلم سينيمائي بعنوان " الذرة البيضاء الحمراء" وهو الفيلم الذي أحرز في أعقاب مهرجان برلين السينمائي 2008 جائزة " الدب الذهبي" للمخرج الصيني الشهير جانغ أي موو.
وقد حازت هذه الرواية فور صدورها في الصين عام 1987 على جائزة الرواية الممتازة في الصين ثم حصلت على عدة جوائز محلية وعالمية في فرنسا وإيطاليا واليابان. وترجمت إلى العديد من اللغات العالمية. ودخل مو يان عالم الشهرة من خلالها في الأوساط الصينية والعالمية.
يؤكد مترجم الرواية للغة العربية حسانين فهمي حسين ومقدمها، التي صدرت عن المركز القومي للترجمة في القاهرة، أن "الذرة الرفيعة الحمراء" هي أول رواية لمو يان تترجم إلى اللغة العربية، ويقول إن مو يان مهتمّ بقضايا رئيسية في المجتمع الصيني، ولا سيما مجتمع شمال شرقي الصين، وتحديداً مقاطعة شاندونغ، وهي مسقط رأسه التي أعطاها حيزاً كبيراً في روايته "الذّرة الرفيعة الحمراء"، فضلاً عن تركيزها على موضوع المقاومة الصينية ضد الاحتلال الياباني بشكل أساسي التي تحتل فصلاً كاملاً يتعدى 100 صفحة.
هذه الرواية من أهم الروايات الصينية الحديثة التي تركز على موضوع المقاومة الصينية ضد الاحتلال الياباني بشكل أساسي، وترصد روح المقاومة وملامح النضال والمشاعر المختلفة التي انتابت الشعب الصيني وهو يقاوم، حتى عدّها نقاد الأدب واحدة من الروايات المهمة التي كان لها تأثير كبير على تطور رواية الحرب في الصين. فهي تقدم تاريخ حرب المقاومة ضد اليابان من خلال قصص يو جان آو، زعيم عصابة قطاع الطرق، وحكاياته ومغامراته المثيرة. ومن خلال تتابع هذه الأزمنة منذ منتصف الثلاثينيات وحتى عام 1945 تتجسد ملامح الرواية التي ترصد معها الغزو الياباني للصين.
روائع الأدب المقاوم في العالم
إن قراءة هذه الرائعة "الذرة الرفيعة الحمراء" وبالأخص الباب الأول منها الذي يركز على تجربة مقاومة الصينيين للاحتلال الياباني، يجعلها في مقام أهم روائع الأدب المقاوم العالمي وفي مقدمتهم: رواية "الأمل" للأديب الفرنسي أندريه مالرو وزير ثقافة الجنرال ديغول، رواية "الحصن المحاصر" لأحد رواد الأدب الصيني تشيان جونغ شو، رواية "نجمة" للجزائري كاتب ياسين، "رجال في الشمس" للشهيد الأديب الفلسطيني غسان كنفاني، "الشهداء يعودون هذا الأسبوع" للجزائري الطاهر وطار.
يشار إلى أن الصين تعتبر البلد الأول في إنتاج الأدب المقاوم على صعيد العالم، تليها الجزائر التي تتصدر العالم العربي في إنتاجها للأدب المقاوم ابتداءً من أبو الرواية الجزائرية "الطاهر الوطار".
تحكي الرواية قصة عائلة صينية تمتلك فرناً لصناعة النبيذ في قرية دونغ بيي بمقاطعة شان دونغ شمال شرق الصين، ومن خلال هذه العائلة نتعرف على حكايات وقصص مختلفة تمتد عبر ثلاثة أجيال: الطفل، الأب، والجد. والرواية تنتقد العديد من سياسات الصين، وتذكر المصاعب التي تحمّلها المزارعون الصينيون في بداية الحكم الشيوعي الصيني.
يقول خيري دومة محرر الرواية "الذرة الرفيعة الحمراء" إنه كيف لقارئ أن ينسى مشهد تعذيب المحتلين اليابانيين لأبناء القرية، تعذيب يبدأ في التلذذ بقطع الأذن.. وكيف يمكن أن ننسى مشهد جنازة الجدة الذي يكاد يستغرق مائة صفحة من الرواية، كيف يمكن للقارئ أن ينسى مشهد الكلاب الذي يحتل قسماً كاملاً من الرواية يدعى "موقعة الكلاب" التي تدخل في معركة مع البشر،، بحيث تختلط الجثث وتتناثر العظام في فنتازيا دموية مرعبة تضم الجميع: اليابانيين إلى الصينيين إلى الكلاب.
يتذكر مو يان في روايته قائلاً: "عندما حاصرت القوات اليابانية القرية كنت في الخامسة عشرة من العمر، وكان جدك وجدتك لأمك قد أودعاني وخالك الصغير في بطن البئر، ولم نرهما بعد تلك اللحظة إلى الأبد. كنت قد عرفت بعد ذلك أنهما قتلا في صباح ذلك اليوم الذي تركانا فيه في بطن البئر".
أهدى مو يان روايته للمهمشين والمظلومين وعدّهم أبطالاً في الأمة الصينية: "إلى هؤلاء الأبطال المظلومين الذين ترفرف أرواحهم وسط حقول الذرة الرفيعة في مسقط رأسي؛ فأنا لست حفيداً باراً لكم جميعاً، وكم أود لو أنتزع قلبي الذي تشرب بزيت الصويا، وأقطعه إرباً إرباً، وأضعه في ثلاث أوانٍ، وأوزعه على حقول الذرة الرفيعة، تكريماً لكم أيها الأبطال !".
وكأن مويان يحاول بسرده المطول عن تجربة شعبه الصيني ضد الاحتلال الياباني أن يقول لنا: كانوا "رواد مقاومة ضد العدوان الياباني، وكانوا مثالاً للإباء فاستشهد جده وجدته بعدما رفضاً الرضوخ لمطالب المحتلين اليابانيين".
مثل أي أديب عظيم يخط "مو يان" لنفسه أسلوباً أدبياً جديداً، ففي روايته "الذرة الرفيعة الحمراء" توجد خلطته الأدبية الخاصة به، التي فيها شيء من أدب "الرواية التاريخية"، وشيء من أدب "الواقعية السحرية" وشيء من أدب "تاريخ الثورات"، وشيء من أدب "الحروب الصينية أو أدب المقاومة الصينية". فأعماله تعد لوحة فنية صادقة لحياة فئة أصيلة من فئات الشعب الصيني في مجتمع مقاطعة شاندونغ شمال شرقي الصين.
وهذا ما أكدته الأكاديمية السويدية عندما اعتبرت أن فوز الكاتب الصيني مو يان بجائزة نوبل للآداب لعام 2012 يعود لمزجه القصص الشعبية والتاريخ والمعاصرة بواقعية تتسم بالهلوسة. وجاء في حيثيات منح الجائزة له، أنه "يخلق عالماً يذكر القارئ بكتابات وليام فوكتر وغابرييل غارسيا ماركيز".
ووصف رئيس الأكاديمية وعضو لجنة التحكيم بيتر إنغلوند الكاتب الصيني بأنه مزيج من فوكتر وتشارلز ديكنز وفرانسوا رابليه. وقال "إذا قرأت نصف صفحة من أعمال مو يان فإنك ستدرك على الفور أنه الكاتب".
وقد رد مو يان بطريقة غير مباشرة على مقارنته بأهم الأدباء بقوله: "وجدت الكثير من القصص في ذهني عن موطني تتخطى ماركيز بواقعيته وسحريته؛ لذا أحاول أن أقاومه وأبتعد عنه، لأن تأثيره ليس عليّ فقط، بل لقد أثّر كثيراً في الأدب الصيني ولا تزال رواية (100 عام من العزلة) تباع بآلاف النسخ في الصين".
ويرفض مو يان تصنيف أدبه ضمن أدب الواقعية السحرية، قائلاً: "تحويل الخيال إلى واقع هو ما أقوم به وليس الواقعية السحرية عبر اجتهادي خلال 40 سنة من الكتابة، هو أن أتخلص من واقعية ماركيز السحرية بل قمت بتحويل الخيال إلى واقع. استخدمنا حكايات القومية الصينية، لتكون هي المصدر والإلهام للإبداع الأدبي. فقد مزجوا ما يخص ذاكرتهم ونشأتهم مع الخيال، فظهر "تيار البحث عن الجذور".
ومع ذلك لا يستبعد تأثر مو يان بالأديب الكولومبي ماركيز، صاحب جائزة نوبل. فإذا "كان ماركيز اخترع لرواياته مكاناً سحرياً خاصاً أطلق عليه "ماكوندو"، فإن مو يان باختياره ريف دونغ بيي في مقاطعة شاندونغ شمال شرقي الصين يكون قد سار على الطريق نفسه. فما أن يذكر مو يان وعالمه الروائي الخاص به حتى تذكر الريف الصيني الذي شكل مملكة مو يان الخاصة به".
ويشبه مترجم الرواية، مو يان في سرده الطويل بماركيز ، وبالروائي المصري خيري شلبي. ولهذا يقول ملحق صحيفة "نيويورك تايمز" إن مو يان استطاع من خلال شخصيات الرواية الحية، أن يجعل القارئ الغربي يتعرف على الثقافة التي تتمتع بها المناطق الريفية الصينية. وكانت النتيجة "أن استطاع جمهور القراء الغربي بالتعاون مع مو يان أن يضعوا ريف دونغ بيي في مدينة قاو مي الصينية على خريطة الأدب العالمي".
وهنا يأتي الدور الاستراتيجي للمترجم، إذ يقول صاحب نوبل البرتغالي جوزيه مارتيه: "الكتاب يقدمون أدباً وطنياًَ، أما المترجمون فيقدمون أدباً عالمياً"، ويقصد هنا من خلال ترجمة هذا الأدب إلى عدة لغات.
ومع ذلك يعتبر محسن الفرجاني أن مو يان يدين في لهجته الحكائية لرائد الأدب الصيني الحديث لو شيون (1881 ـ 1946)، الذي اَثر أن يوجه في رواياته كل نقد للسلطة الصينية وأساليبها الإقطاعية، قبل أن يتأثّر تالياً بأساليب الواقعية السحرية،ويؤكد مو يان أنّ الطفولة التعيسة التي عاشها كانت مصدر إلهام لا ينفد.
قد تكون روايات وقصص مو يان التي كسر فيها قاعدة الصمت والتي نجح في أن يتحايل فيها على مقصّ الرقابة النشط للغاية في الصين، أبلغ رداً على ما يؤخذ عليه من احتفائه بخطاب ماو تسي تونغ، ومداراته نظاماً غير ديمقراطي، وهو يُروّج لمصالح الحكومة من خلال كتابة الخطاب، بعيداً عن أن يستخدم تأثيره ككاتب مُؤثِّر للدفاع عن أبناء جيله من المثقّفين والسجناء السياسيين.
فعندما تقرأ الرواية "الذرة الرفيعة الحمراء" تعود بك الذاكرة على الفور إلى رواياته وقصصه الرائعة:
- مو يان وهو اسم مستعار اختاره بمناسبة صدور: "الصبي سارق الفجل" التي ذاع صيتها بعد نشرها في العام 1981 التي تتحدث حول طفل يرفض الكلام ويروي الحياة الريفية كما عاشها الكاتب في طفولته.
فجعلت من الصبي التجسيد الحي للشعب الصيني، تحت حكم النظام الشيوعي، وكأن "صمت الصبي" هو صمت الشعب الصيني طوال فترة الحكم الشيوعي. فقدم مو يان في كل صفحات الرواية للقارئ صورة حياة الصبي البائسة من خلال حوار الآخرين مع الصبي.
- وقد أكمل مو يان كسر قاعدة الصمت، في روايته "الضفادع"، التي صدرت عام 2009، والتي حاز عليها جائزة "ماو دون الأدبية" والتي تعتبر "نوبل الأدب الصيني" حيث لا نجد في تلك الرواية أي نوع من أنواع الصمت، بل إن الكاتب جسد فيها صرخة مؤلمة تنتقد سياسة الطفل الواحد في الصين، من خلال البطلة "القابلة" التي تجهض السيدات، تحمساً وتأييداً لسياسة الدولة في مجال تنظيم الأسرة.
ولمو يان رواية غير مترجمة للعربية "النهود الكبيرة" التي صور فيها بدقة المشاهد الوحشية وجرائم العدوان الياباني على الشعب الصيني وفرق الفدائيين الصينيين خلال حرب المقاومة ضد اليابان (1937 – 1945).
- رواية "جمهورية النبيذ" لمو يان، هي رواية ضد الفساد. وهي صورة مصغرة للمجتمع الصيني المعاصر بما فيه من السعي وراء الملذات. وتتحدث عن الضابط "دينغ قو أر" الذي كان ضابطاً ناجحاً وذا كفاءة عالية في التحقيق ويتحلى بروح النزاهة والتطلع إلى كشف الغموض في قضية "أطفال مملكة النبيذ"، ولكنه يفقد كل هذه الصفات العظيمة تحت إغراء الخمرة والنساء إلى أن يتحول من ضابط ناجح إلى مجرم قاتل.
-إن أحداث رواية "موت شجرة الصندل" تقع في مكان يشبه قرية مو يان المحلية في "مقاطعة غوامي" وهي تصوّر التعذيب وتقدّم وسائله في المجتمع الإقطاعي الصيني القديم، وتكشف الرواية عن الكثير من مساوئ الثقافة الإقطاعية في المجتمع الصيني القديم.
و قد أكد مو يان في مكاشفة مع جمهوره إيمانه بأنه "لا توجد حرية تامة أو كافية لأي كاتب في العالم، لكنه عبر الكتابة استطاع أن يحلق ويكسر جميع المحظورات، ويخترق أسقف الحريات حول العالم ويكسب قلوب الملايين من القراء".
فوز مويان بجائزة نوبل عام 2012
مو يان هو أحد أهم كتاب الرواية الصينية في ساحة الإبداع الصيني، منذ تسعينيات القرن العشرين وأن حصوله على الجائزة جاء متأخراً جداً لأسباب تبعد كثيراً عما يشاع من انحيازات سياسية أو فكرية ما، ومن بينها افتقاد خبرة التقييم المؤهلة بمعرفة وثيقة باللغة الصينية وآدابها، ولولا انضمام واحد مثل "مايوران" خبير اللغة الصينيية ومساعد مكتب جائزة نوبل للاَداب بخبرته ومعرفته وتاريخه في شؤون الثقافة الصينية إلى لجنة التحكيم في الأكاديمية السويدية، لبقيت الجائزة في وادٍ بعيد عن تقدير قيمة الكتابة الروائية في الأدب الصيني.
فكثيراً ما كان "مايوران" يذكر في المحافل الأدبية أن مو يان هو الأديب الصيني الذي تستحق أعماله جائزة نوبل.
نبذة عن مو يان
في شبابه التحق مو يان بصفوف جيش التحرير الشعبي الصيني، وتخرّج في الكلّيّة العسكرية برتبة ضابط، ثمّ انتمى إلى الحزب الشيوعي الصيني. وبعدما برزت موهبته وحقّق نجاحاً أدبياً، واختير نائباً لرئيس اتّـحاد الكتّاب الصينيين.
ولد "جوان موي"، المعروف باسم "مو يان"، ومعناه باللغة الصينية "الذي لا يتكلم أبداً"، في 17 شباط/فبراير 1955 في جاومى الواقعة بمقاطعة شاندونغ الصينية لأسرة من المزارعين عرفت الفقر المدقع بين عامي 1959 و1961 بسبب السياسات التى اتبعها ماو تسي تونغ.
وفي عام 1966، أثناء الثورة الثقافية الصينية، صنّف النظام الصيني مو يان كعنصر سيئ وتم طرده من المدرسة، إلا أنه التحق فى العشرين من عمره بصفوف جيش التحرير الشعبي، وتخرّج في الكلّيّة العسكرية برتبة ضابط، ثمّ انتمى إلى الحزب الشيوعي.
وقد تابع دراسته في إحدى المدارس العسكرية الصينية قبل أن يلتحق بجامعة بكين التي تخرج منها عام 1991.
صدر للأديب الكبير أعمال عدة من بينها: "مطر هاطل في ليلة ربيعية" 1981، "خطة فول الصويا" 1990، "مخدع من البلّور" 1993، "النجار" 1993، "ثلاث عشرة خطوة" 1995، "الضفدع" 2009. ومن بين مجموعاته القصصية: "الذرة الرفيعة الحمراء" (نشرت لأول مرة في عام 1987 في الصين، وفي عام 1993 باللغة الإنكليزية)، "أغنيات الثوم" (نشرت لأول مرة باللغة الإنكليزية في عام 1995)، "جمهورية النبيذ" رواية (نشرت لأول مرة في عام 1992 في الصين وفي عام 2000 باللغة الإنكليزية)، "شي فو: سوف تفعل أي شيء عن الضحك"، ومجموعة من القصص القصيرة (نشرت لأول مرة عام 2002 باللغة الإنكليزية)، "الحياة والموت" (نشرت باللغة الإنكليزية في عام 2008).