"مونولوجات غزة" للمرة الأولى في دمشق
المونولوجات لا تزال دقيقة حتى يومنا هذا.وهي تسلط الضوء على أهوال وآمال وصمود سكان غزة الشجعان، وتبرز أصوات الأطفال والناس في غزة.
تلبيةً لدعوة عالمية من "مسرح عشتار" في فلسطين، قام "مشروع مراية المسرحي" و"دار أطلس للنشر"، بتنظيم قراءة لـ"مونولوجات غزة" في "غاليري زوايا"، وهي نصوص كتبها أطفال فلسطينيون لم يتجاوزوا الــ 16 عاماً، عن حيواتهم ومتغيراتهم النفسية وأحلامهم في ظل العدوان الأول على قطاع غزة في عام 2008 وتُقرأ للمرة الأولى في دمشق.
31 نصاً قرأها مسرحيون وصحفيون ومدرِّسون وناشطون مدنيون وطلاب جامعات استطاعت أن تضعنا بلغتها العامية البسيطة في مواجهة مع حيثيات الحياة في غزة الآن. إذ أن النصوص التي كتبت عام 2010 ما زالت تعبر خير تعبير عما يعيشه أهل غزة اليوم، فمأساتها التي حصلت خلال ما سمّاه الاحتلال الإسرائيلي آنذاك بعملية "الرصاص المصبوب"، وأدت إلى استشهاد أكثر من 1200 فلسطيني ثلثهم من الأطفال، تتكرر الآن وبزخم أكبر.
من النصوص هناك من يحكي عن الانقلاب الذي حصل قبل وبعد العدوان، ومنها من يتحدث عن الفقدان واستشهاد الأصدقاء والإخوة والأهل. عن دمار المدارس والبيوت والجثث التي تتطاير بفعل القصف وتتحول إلى أشلاء وأكوام في المشافي. عن المقابر الجماعية وسهولة الموت على شاشات الفضائيات وقسوته في الواقع، عن السخرية من الموت والتهكم من جبروته، عن الجنون والخوف من الحاضر والمستقبل غير الواضح، عن الكذب والنفاق والشعارات الرنانة.
عن الأطفال الذين يولدون في غزة كباراً، عن عدم الاكتراث بالحياة أو الموت، عن الطوابير والأحلام المهدورة، عن إنذارات جيش الاحتلال بإخلاء البيوت، عن الشوق للأصدقاء الذين رحلوا، عن الحب الذي يغمر غزة رغم كل شيء، عن انقطاع المياه والكهرباء وأبسط سبل العيش، عن الهواجس والانهيارات النفسية الناجمة عن الحرب...
والمؤلم أكثر أنه بعد قراءة تلك المونولوجات/ كانت آنا عكاش، المديرة الفنية لمشروع مراية المسرحي، تخبرنا عن مصير كاتب النص، سواء أكان حياً أم شهيداً، ما زال يسكن في غزة أم تركها إلى الجنوب أو إلى بلد آخر، ماذا بات يعمل وهل تهدم منزله أم ما زال يعيش فيه، وغيرها من المعلومات التي أضفت بعداً إنسانياً آسراً.
وأوضحت عكاش في حديث خاص مع "الميادين الثقافية" أن هذه المونولوجات كتبها أطفال من غزة بعد حرب 2008-2009 على القطاع ضمن برنامج دعم نفسي عن طريق المسرح أقامه "مسرح عشتار" بفلسطين. وأنتجت هذه النصوص لأول مرة عام 2010 كعرض أداء مسرحي، قبل أن تضاف إليها شهادات الناجين من الحروب الإسرائيلية اللاحقة، وكلها نصوص تتناول حياة الغزّيّين بالحرب منذ أكثر من 15 عاماً، مبينةً أن هذا المشروع مستمر منذ 2010 وحتى الآن، ودائماً هناك مبادرات لقراءة هذه المونولوجات.
وقالت عكاش: "منذ حوالي الشهرين أطلق مشروع عشتار دعوة عالمية على صفحات التواصل الاجتماعي لقراءة هذه النصوص مع بداية الحرب على غزة، وبالتزامن مع "اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني" في ـ29 تشرين الثاني/نوفمبر، وشارك بهذه الدعوة أكثر من 3000 فنان ومجموعة مسرحية بأكثر من 42 دولة وبلغات مختلفة، خاصة أن النصوص مفتوحة على موقع مسرح عشتار للقراءة وهي مترجمة لـ22 لغة".
وأضافت: "هذه المبادرة لقراءة المونولوجات هي موقف تضامني منا جميعاً ضد الحرب والإبادة الجماعية للمدنيين التي يشهد عليها العالم من دون أن يمتلك القدرة على فعل شيء لإيقافها. إبادة تحصل على بعد 350 كم عن دمشق. إننا نحاول أن نوصل صوت الرفض ونؤكد ونذكر أن هؤلاء الناس ليسوا مجرد أرقام على الشريط الإخباري، وكل واحد منهم له اسم وعائلة وحكاية".
وتضمنت القراءات أيضاً نصَّين مذهلين الأول بعنوان "جباليا صورة تتلاشى" لعمر موسى، والثاني بعنوان "أبو فلسطين" لرائد أبو العيش.
ولأنّ "هذه المونولوجات لا تزال دقيقة حتى يومنا هذا... وهي تسلط الضوء على أهوال وآمال وصمود سكان غزة الشجعان، وتبرز أصوات الأطفال والناس في غزة"، وفق بيان مسرح عشتار (تديره إيمان عون)، الذي دعا منذ أيام مسارح عدة في العالمين العربي والغربي إلى استعادة هذه النصوص في اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، فاستجابت له مسارح بيروت وعمان وأوسلو وبلجيكا وفضاءات عالمية أخرى.
وأشار البيان إلى أنّ نصوص "مونولوجات غزة" متاحة على موقعه الإلكتروني، داعياً كل مناصر للحق والعدالة والقضية الفلسطينية إلى تصوير قراءته لأحد المونولوجات وتحميله عبر الإنترنت، "أملاً في خلق المزيد من التعاطف والوعي على المستوى الدولي".
وكان "مسرح عشتار" قد نظّم وقفة احتجاجية مؤخراً "رفضاً للمجازر المرتكبة بحق شعبنا الفلسطيني في غزة، وتزامناً مع اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني".