مهاجماً "طوفان الأقصى".. الطاهر بن جلون قلبه على "إسرائيل"!
يقول بن جلون: "أنا، عربي ومسلم بالولادة، لا أجد الكلمات لأعبر عن مدى الرعب الذي أصبت به جراء ما فعله مقاتلو "حماس" باليهود. الوحشية عندما تهاجم النساء والأطفال تتحول إلى همجية، وليس لها أي عذر أو مبرر".
على قاعدة سكت دهراً ونطق كفراً، خرج الكاتب المغربي - الفرنسي الطاهر بن جلون عن صمته ليعبّر عن "غضبه" الشّديد على صفحات جريدة "لو بوان" الفرنسية من عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها حركة المقاومة الاسلامية "حماس" في 7 تشرين الأول/أكتوبر الجاري.
بدأ بن جلون بتقديم نفسه كعربي ومسلم من أصل مغربي (أي أنّ أصوله وثقافته تمنحاه حق النقد والتفلسف على الحركات الإسلامية المقاومة)، ثم أظهر استهجانه لأفعال حركة حماس تجاه اليهود، مؤكداً انه لا يجد الكلمات المناسبة للتعبير عن صدمته.
ويقول في مطلع مقاله: "أنا، عربي ومسلم بالولادة، بالثقافة والتربية المغربية التقليدية، لا أجد الكلمات لأعبر عن مدى الرعب الذي أصبت به جراء ما فعله مقاتلو حماس باليهود. الوحشية عندما تهاجم النساء والأطفال تتحول إلى همجية، وليس لها أي عذر أو مبرر. شعرت بالرعب، لأن الصور التي شاهدتها أصابتني في أعمق إنسانيتي. في اعتقادي أن الإنسان يستطيع أن يقاوم الاحتلال وأن يحارب الاستعمار، ولكن ليس بمثل هذه الأفعال الوحشية الرهيبة. لقد ماتت القضية الفلسطينية في 7 أكتوبر 2023، لقد اغتيلت على يد عناصر متعصبة، غارقة في أيديولوجية إسلامية، هي من أسوأ الأيديولوجيات".
وندّد الكاتب بما وصفها "وحشية" حركة "حماس" التي استهدفت النساء والأطفال اليهود (متجاهلاً نساء وأطفال فلسطين الذين يعانون من همجية الاحتلال منذ النكبة).
ويتابع بن جلون قائلاً إن: "مثل هذه الأفعال لا يمكن تبريرها على الإطلاق"، وأن صور القتلى والأسرى التي رآها لامست عمق إنسانيته. لكن بن جلون يستدرك قائلاً إنّه يتفهم حق الشعب الفلسطيني بمقاومة الاحتلال ومكافحة الاستعمار، لكنه لا يوافق إطلاقاً على "الأفعال البربرية" لمقاتلي "حماس".
ربما يريد بن جلون من الشعب الفلسطيني في غزة اعتماد مقاومة سلميّة كالاعتصامات أو الإضراب عن الطعام. أمّا العنف الثوري فهو غير مقبول بتاتاً في عرف الكاتب الفرنكفوني الذي لم يسمع بمقولة عبد الناصر أن "ما أخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوّة".
ثم أتت الطامة الكبرى حين قال إنّ القضيّة الفلسطينية انتهت مع عملية "طوفان الأقصى" على يد "عناصر متطرفة ذات أيديولوجية إسلامية"، وهذا يعني أنّ العملية الأسطورية لكتائب القسّام التي أعادت زخم القضية الفلسطينية إلى الشارع العربي المأزوم، و أسعدت معظم العرب من بيروت إلى تطوان على اختلاف مشاربهم السياسيّة، لا تروق لصاحب "ليلة القدر"، معتبراً أنها "ستنعكس بشكل سلبي للغاية على الشعب الفلسطيني".
ويصف بن جلون "حماس" بأنها عدوّ ليس فقط للشعب الإسرائيلي، بل أيضاً للشعب الفلسطيني، وهو يكرّر كلمة "عدوّ" في مقالته تاكيداً على "دور حماس الشّرير"، ويضيف بأنّها "حركة قاسية لا تمتلك أي إستراتيجية سياسية"، مشيراً إلى تلاعب دولة لا يُسمّيها بالشباب الفلسطيني، وهذه الدولة "تقوم بشنق المعارضين لأسباب تافهة كارتداء الحجاب" (وهو يغمز هنا طبعاً من قناة إيران).
كما يدين الكاتب أيضاً اختطاف الرهائن واحتجازهم، ويقول إنه "من الصعب التصديق أن تحرير الأرض سيتم عبر ارتكاب المجازر"، متناسياً أن هنالك أكثر من 5000 أسير وأسيرة يقبعون في السجون الاسرائيلية منذ عقود والبعض منهم محكوم بعدّة مؤبدات، وهذه العملية الجريئة اليوم قد تكون أملهم الوحيد في الخروج من زنازينهم الضيّقة إلى رحاب الحرية في حال تمت صفقة تبادل للأسرى بعد انتهاء الحرب.
ويحاول صاحب "تلك العتمة المُبهرة" أن يُخفف من غلواء موقفه المعادي للمقاومة من خلال القول بأنّ "وحشية حماس هي نتيجة للإحتلال والإهانات التي يتعرض لها شباب غزة الذين فقدوا الامل في المستقبل، ما جعلهم عرضة للتأثر بأفكار حركات إسلامية مدعومة من إيران".
ويتابع بن جلون شرح موقفه "السلميّ" نافياً وجود أي مبرّر لما يسميه بــ "الأفعال البربرية" التي ارتكبتها حماس بهجومها على المنازل والمعسكرات وأماكن أخرى حيث "كان الشباب الاسرائيليون يحتفلون بكل براءة ويستمعون إلى الموسيقى العذبة"، إلى أن جاء مقاتلي الحركة الكارهين للحياة والفنّ على حين غرة، وأفسدوا عليهم بهجة الليلة.
لا يتورع بن جلون عن المزايدة على وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت الذي سبق ووصف أهل غزة بأنّهم "حيوانات بشرية"، معتبراً أنّ الحيوانات نفسها لن تتصرف بهذه الطريقة، وأن مقاتلي حماس هم أشخاص "بدون ضمير، بدون أخلاق، بدون إنسانية" (يعني اجتمعت فيهم كلّ الرذائل)!
ولا يتوقف النوح والتباكي عند هذا الحدّ، بل يستمر بن جلون بالتعبير عن رفضه وحزنه وشعوره بالعار واشمئزازه ممّا جرى، ويصف ما حدث بأنه جرح للإنسانية جمعاء. كما يدين بشدة التصفيق الذي سُمِع في بعض العواصم العربية لعملية القسّام، معتبراً أنه انتصار مليء بدم الأبرياء، ومؤكداً أنّ أفعال "حماس" ستنعكس سلباً على الفلسطينين الأبرياء الذي سيدفعون غالياً ثمن ما ارتكبته الحركة.
تصريحات بن جلون أثارت غضباً واسعاً في الأوساط الثقافيّة العربية خاصة المغربية، وتساءل البعض ما الذي يدفع بعض المثقفين لبيع أنفسهمم للشيطان والقيام بتصريحات تخدم الصهاينة وترضيهم، في الوقت الذي تتعرض فيه مدينة غزة لإبادة شاملة؟ هل يتطلب الوصول إلى موقع مهم في الحقل الثقافي الفرنسي والمحافظة عليه أو حتى السعي للفوز بجائزة نوبل للأدب تقديم فروض الطاعة للّوبي الصهيوني وإبراز التعاطف مع مأساة الإسرائيليين على حساب قضية عربية مُحقّة كالقضية الفلسطينية؟
وحتى لو لم يكن الكاتب مؤيداً لعملية "حماس" ولم يطلب منه أحد تأييدها، فكان الأحرى به التزام الصمت عوضاً عن الانقضاض على إخوته في العروبة والإسلام الذين نسب نفسه إليهما في بداية مقاله الغريب العجيب.