لماذا يحب المصريون السينما الإيرانية؟
للسينما الإيرانية مكانة خاصة لدى عشّاق السينما في مصر. ترى، ما السبب؟
ثمة عالم سينمائي بات يشغل حيّزاً كبيراً من اهتمام محبّي السينما من المصريين. إنه المنتج السينمائي الإيراني، بما حققه من حضور وما ناله من جوائز رسخت مكانته العالمية. إذ قلّما تخلو سهرة سينمائية من ترشيح لفيلم إيراني يحمل مضموناً إنسانياً مناسباً للذائقة المصرية.
سينما شاعرية
أصبح اهتمام المصريين، خصوصاً الشباب منهم، بالسينما الإيرانية، واضحاً، سواء على وسائل التواصل الاجتماعي أو بين المهتمين بالسينما، من بين هؤلاء الناقد الفني الشاب، حسن أبو مازن، الذي أضحت السينما الإيرانية تشغل حيزاً كبيراً من اهتمامه، سواء بالمشاهدة أو بترشيح أفلامها لأصدقائه عبر صفحته على "فيسبوك"، وكذلك في كتاباته عن الأفلام الإيرانية.
يبدأ حسن أبو مازن حديثه مع "الميادين الثقافية" بالتأكيد أن بداية ارتباطه بالسينما الإيرانية كانت بعد مشاهدته فيلم "طعم الكرز" لعباس كياروستامي، مستشهداً بقول الأخير إن: "السينما الجيدة هي ما نستطيع تصديقها. أما السينما الرديئة فلا يمكننا تصديقها"، معتبراً أن الصدق هو العامل الأهم في جعل السينما أقرب إلى المشاهدين.
وأضاف "أعتقد أن أحد أسباب إعجاب المصريين بالسينما الإيرانية أنها سينما حقيقية وقريبة من القلب، فضلاً عن كونها سينما شاعرية على الرغم من قساوة المواضيع التي تطرحها، وهذا ما حدث معي منذ مشاهداتي الأولى لأعمال كياروستامي ثم أصغر فرهادي".
ويعزو أبو مازن سرّ محبة الشباب المصري للسينما الإيرانية إلى أسباب أخرى أيضاً، منها "قدرة تحايل بعض المخرجين الإيرانيين على مقص الرقيب باستخدام أساليب توصل المعنى من دون الدخول في صدام مع الرقابة إلا في حالات قليلة"، لا سيما أن استخدام الرمز في السينما الإيرانية أسهل وأكثر سلاسة من سينمات أخرى.
ويرى الناقد الفني الشاب أن السينما الإيرانية "شاعرية في الأساس"، وأن الشباب عادة ما يميلون إلى هذا النوع من السينما، كما أنها "مبهرة في التقاط أبسط الأفكار وتحويلها إلى عمل فني يمتاز بالعمق والسلاسة في الوقت نفسه"، مشيراً إلى أن انتشار السينما الإيرانية وقدرتها على حصد الجوائز جعلاها محط الأنظار بشكل أوسع.
"إيران هي التوأم غير المتطابق لمصر"
إلى جانب العوامل التي تميز السينما الإيرانية وتجعلها قريبة من الذائقة المصرية، يرى الكاتب الصحفي، محمد جبريل أن هناك وجوداً لجذور تاريخية تربط بين إيران ومصر، ربما كان له دور في التقارب الثقافي بين البلدين، واصفاً إيران بأنها "التوأم غير المتطابق لمصر".
وفي حديثه مع "الميادين الثقافية" يرجع جبريل ذلك التطابق إلى جذوره، سواء من حيث ظروف تكوين الدولة الحديثة في إيران ومصر، أو تجربة الدولتين مع الاستعمار، والذي لم يعدُ كونه ازدياد نفوذ دولة أخرى داخل كلتيهما، وليس وجوداً استيطانياً يعيد تشكيل هوية وثقافة الدولتين، كما أن الشعبين المصري والإيراني عاصرا فكرة الثورة والتحرر الوطني.
ويؤكد جبريل أن المخرجين الإيرانيين "استطاعوا أن يعبروا عن قضايا مجتمعهم، وهي نفسها قضايا المجتمع المصري، بشكل لم يقدر عليه المخرجون المصريون، كمثال علاقة المجتمع برجال الدين، كما هي الحال مع فيلم "السحلية" (مارمولك) للمخرج الإيراني، كمال تبريزي".
"السحلية" و"الحدق يفهم".. قضايا مصرية و إيرانية مشتركة
وفيلم "السحلية" (2004) فيلم درامي كوميدي، من بطولة برفيز باراستوي، وتدور قصته حول لص محكوم بالسجن المؤبد يهرب من السجن متنكراً في زي رجل دين، ويبدأ حياة جديدة متمسكاً بزيه الجديد.
وثمة حكمة تردّدت في الفيلم وهي تلك التي قرأها الملّا رضا (الملّا الحقيقي) قبل أن ينتحل صفته رضا "السحلية" وهي أنّ "السُبُل إلى الله متعدّدة بعدد الناس". هذه الحكمة يقتبسها رضا "السحلية"، في إحدى مواعظه في تلك القرية النائية التي يحط رحاله فيها مصادفة، ويتفاجأ بها وقد صارت منهجاً للناس.
وتم استخدام لقب "السحليّة" في إيران والأوساط الشعبية بعد الفيلم بتهكم شديد كتعبير عن المخادعين باسم الدين. وهذا ما أدى إلى إشاعة جو من السخط ضد الفيلم، خصوصاً في أوساط بعض رجال الدين.
لكن، في المقابل، أشاد المرشد الأعلى للثورة في إيران، السيد علي خامنئي، بالفيلم حين التقى المخرج تبريزي قبل سنوات.
والطريف في فيلم "السحلية" أن قصته تتطابق تقريباً مع الفيلم المصري "الحدق يفهم" (1986) للمخرج أحمد فؤاد، وهي قصة قاطع طريق يعترض رجل دين ذهب إلى قرية لجمع تبرعات، ثم يستولي على زيه الأزهري ليعود إلى قريته ويسرق التبرعات، مستعيناً بشخصية رجل الدين التي يتلبسها. وبالفعل اعتقد فيه أهل القرية الصلاح، حتى أنه جعل راقصة في القرية تعدل عن طريقتها وتتوب إلى ربها. لكن ذلك لم يرض شقيقها، فأطلق عليها الرصاص، ومن ثم يحاول اللص المختبئ في ثوب رجل الدين أن ينقذها، مستخرجاً الرصاصة بطريقة بدائية، الأمر الذي جعل طبيب القرية يشك في أنه من المطاردين فأحضر له الشرطة فتورط في أن يصعد المنبر ويلقي خطبة بالناس.
هذا التشابه بين الفيلمين لا نجزم بأنه سرقة أو اقتباس. لكنه يؤكد وحدة القضايا التي تشغل المجتمعين، وإن كان تأثر السينما الإيرانية بنظيرتها المصرية قديم. وهو تأثر يرجعه محمد عفيفي في مقال له بجريدة "الدستور" المصرية، إلى أربعينيات القرن العشرين.
في تلك الفترة، تمت دبلجة الأفلام المصرية وإدخالها السوق الإيرانية، على يد بعض الإيرانيين المقيمين في مصر، الذين وجدوا أن "الفيلم المصري من ناحية الشكل والمضمون قريب جداً من حياة المجتمع الإيراني".
وإلى جانب تأثر الفيلم الإيراني بالسينما المصرية في سنوات الأربعينيات والخمسينيات، وانتشار ظاهرة الفيلم الغنائي ومشاهد الاستعراضات، رأى عفيفي أن تأثر السينما الإيرانية بالمصرية وصل إلى حد الاقتباس في تلك الفترة، مستشهداً بالفيلم الإيراني "الأمل واليأس"، المقتبس من الفيلم المصري الشهير "حياة أو موت".
القرية والمرأة
هذا التأثير في السينما الإيرانية انسحب أيضاً على الأعمال الواقعية الجديدة في السينما المصرية، التي قادها في ثمانينيات القرن الماضي، محمد خان وداوود عبد السيد وعاطف الطيب ورأفت الميهي وخيري بشارة، حيث خرجوا بالكاميرا إلى الشوارع والميادين. كما سافروا بها إلى القرى، فأصبحت السينما في تلك المرحلة أقرب إلى كتاب مصوّر يمكن الرجوع إليه، لرؤية المدينة في تلك الفترة وكذلك لمعرفة شؤون القرية المصرية.
يتضح التأثر في الخروج الدائم إلى الشوارع في السينما الإيرانية، وأيضاً الاهتمام الشديد بالقرية، التي تتشابه إلى حد كبير مع القرية المصرية، كما هي الحال مع فيلم "أين منزل صديقي؟" لـ عباس كيروستامي، الذي جاء كلوحة سينمائية لقرية بسيطة، يحملنا إلى شوارعها طفل يبحث عن منزل صديقه، في براءة تناسب القرية، ليرد إليه "كراسة الواجب" حتى لا يعاقبه المدرس في اليوم التالي.
ومن الأسباب الإضافية لمحبة المصريين للسينما الإيرانية اهتمامها الشديد بالمرأة وقضاياها التي تتشابه كثيراً مع أوضاع المرأة المصرية.