لماذا يتوجب على العرب استعادة ابن رشد؟
في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها العرب منذ عقود، وخاصة في السنوات الأخيرة، أي دور يمكن أن يلعبه ابن رشد وفلسفته التنويرية المغيَّبة في جعلهم يتداركون سقوطهم؟
يمر العرب اليوم بلحظاتٍ فاصلةٍ من تاريخهم، تغلب عليها الانكسارات. وتزدحم لديهم المشاريع الفكرية والسياسية التي تبحث عن نقاط ارتكازٍ في ثقافتهم وثقافة غيرهم، علّها تمكّنهم من الاستناد إليها لجبر ما انكسر، والتحليق بعيداً في سماء الفكر والعمل، مُدركين شيئاً فشيئاً ما فهمته أممٌ أخرى غيرهم، وهو أنَّ تطور المجتمعات ليس مسألة اقتصادية وسياسية فقط، وإنما مسألة فكرية أيضاً، وأنَّ المطلوب هو الجرأة على التفكير. [1]
وهنا بالذات تطرح إشكالية استعادة ابن رشد ذاتها للبحث، حيث تبرز جملةٌ من الأسئلة، مثل: لماذا ينبغي استعادته؟ هل نسيه العرب حقاً حتى تكون تلك الاستعادة لازمةً؟ وهل يمكن أن يكون نقطة الارتكاز لمشروع عودتهم؟
وفي خضمّ طرح هذه الأسئلة، لا ينبغي أن يغيب عن الذهن أنَّ ابن رشد هو سليل القرن الـ12، بينما العرب اليوم يعيشون في كنف القرن الـ21، وبالتالي يجب أخذ هذا الفارق الزمني بعين الاعتبار. وإذا كان ابن رشد الذي نتعامل معه هو ابن رشد الفيلسوف، فإنَّ اتجاه البحث سيكون ناحية فلسفته بشكلٍ رئيسي، بينما لن نتناول النواحي الأخرى مثل فقهه إلا بشكلٍ ثانوي.
نشأت فلسفة ابن رشد في عصرها باعتبارها تعقّلاً وتنويراً وحكمة، وهذا ما يُفسّر حضورها القوي في عصرنا، خاصَّةً خلال العقود الأخيرة. أما حضورها قديماً في الغرب اللاتيني، وهو على أعتاب نهضته، فمردّه إلى أنّه وجد فيها نقطة ارتكازٍ لتحقيق تلك المهمة. [2]
نشأت فلسفة ابن رشد في عصرها باعتبارها تعقّلاً وتنويراً وحكمة، وهذا ما يُفسّر حضورها القوي في عصرنا، خاصَّةً خلال العقود الأخيرة.
وغني عن البيان أنَّ هذه القراءة مُندرجة ضمن مهمة التنوير العربي، التي لا تزال متعثرة، وهي تواجه العوائق في الطريق. فعلى الرغم من وجود ملامح تنويرية مبكرة، فإنَّ محاولات إنجازها ظلّت هشَّةً. وفي أحيانٍ كثيرةٍ تمَّ تهشيم بواكير التنوير نتيجة عوامل موضوعية، من بينها الغزو الكولونيالي والقمع السياسي والإظلام الديني، وأخرى ذاتية مثل ضعف الحامل الاجتماعي للأفكار التنويرية. فالمراكز الكولونيالية سعت إلى وأدها لما تمثّله من خطورةٍ في حال سكنت أذهان الناس، الذين لا تزال قيود الجهل تمنعهم من رؤية دروب العقلانية، فضلاً عن ولوجها.
أما الدولة القمعية فابتغت السيطرة على العقول، فيما عمل الإظلام الديني دوماً على إنكار الأفكار التنويرية وإشاعة العقائد التكفيرية، في حين أنَّ أصحاب التنوير المفترضين تعوزهم القوة المادية التي من شأنها تحويل أفكارهم إلى وقائعَ حية.
لأجل هذا تحرّك التنوير في ظروفٍ غير مؤاتيةٍ، فغاب تأصيله والتأسيس له واستعادته، عدا محاولاتٍ قليلةٍ، وهو ما يفرض البحث عن نقطة ارتكازٍ تصلح لبعثه مجدداً، ومن هنا حديثنا عن استعادة ابن رشد التي يمكن أن تؤدي تلك الوظيفة.
أسئلة التنوير العربي والحكمة المنسية
كان لافتاً نسيان، أو تناسي، ابن رشد عربياً لزمنٍ طويلٍ، رغم ما تمثّله فلسفته من إمكانية التأصيل والدفع بالتنوير إلى قممٍ لم يدركها بعد. من هنا نفهم أسباب انحباس التنوير العربي، فقد كان ذلك النسيان ملمحاً من ملامحه، وبالتالي هناك أهميةٌ للبحث اليوم في ثنايا متنه الفلسفي عن تلك الروح التنويرية وزرعها مجدداً [3]، فالأمر يتعلق أولاً بخطة التنوير واستراتيجيته، على النحو الذي يمكن معه المجازفة بالقول إنَّه من الصعوبة تطوير التنوير العربي من دون فهم ابن رشد، واستعادة فلسفته.
ومن هنا إدراك أنَّ سؤال التنوير يطرح نفسه بقوةٍ عربياً اليوم، في صلةٍ بجموعٍ يسحقها الإظلام، مُعطلاً حركتها، مما يعني أنَّ الغاية هي تحرُّرها، غير أنَّ ذلك التحرر لن يكون في نهاية المطاف إلا من صنعها هي نفسها، وهو تحرُّرٌ مزدوجٌ، في النظر وفي العمل، وهذا معناه أنَّ هناك حاجة إلى التنوير، وأننا عربياً لم نتجاوز تلك الحاجة بعد، وأنَّ ابن رشد يصلح كما سوف نبيّن إلى أن يكون نقطة ارتكاز للعبور إلى ذلك التنوير.
والغاية هنا منهجيةٌ، بما يدفع ناحية استعادته، في علاقةٍ بمعضلات يمكن أن يصلح لمعالجتها، وهذا ليس إلا الجانب الأول من المسألة، أما الجانب الثاني فهو الانطلاق منه نحو تنويرٍ جديدٍ، وهنا تكون عملية استعادته ذات مغزى، فهي ليست غايةً في ذاتها، وإنما وسيلةٌ لارتياد آفاقٍ تنويريةٍ أخرى.
كان لافتاً نسيان أو تناسي ابن رشد عربياً لزمن طويل، رغم ما تمثله فلسفته من إمكانية التأصيل والدفع بالتنوير إلى قمم لم يدركها بعد.
يُمثّل ابن رشد معضلةً عربيةً حتى الآن، من حيث تلك المفارقة الماثلة في أن الأمة التي كتب لها وخاطبها، كانت له جاحدة، جراء هيمنة السلطتين السياسية والدينية، مما أورثها سباتاً فكرياً طال أمده، فكان غريباً بين ظهرانيها، بينما انغرست فلسفته لدى أممٍ أخرى كما قلنا. يمكن أن يُفسَّر ذلك النسيان بالوهن الذي أصاب الأمة، التي بسقوط الموحدين، وهم أصحاب دولة مركزية مترامية الأطراف، تمتد من طرابلس الغرب إلى الأندلس، حلَّ بها الانقسام، وحكمها أمراء الحروب والطوائف، وزادها تأثير العامل الخارجي ضعفاً، فخبا نسغ العلم في أرجائها.
ومن ملامح ذلك النسيان أنَّ كتب "أبي الوليد" لم تنشر بعد محنته، وحتى تلاميذه القريبون أجبروا على جحدها، وهو حال ابن طملوس مثلاً في كتابه "المدخل لصناعة المنطق" [4]، حيث غاب ابن رشد وهو من هو في المنطق، وإن كان ابن رشد يحضر أحياناً كفقيهٍ بعد محنته، بما في ذلك لدى الشاطبي. [5]
ونحن عندما نُبرز قيمته لا نقصد أنه وحيد الأزمنة العربية على هذا الصعيد، فتنويره ليس صاعقةً في سماءٍ صافيةٍ، فهناك لحظاتٌ سبقته مشرقاً ومغرباً، غير أننا لن نلتفت هنا إلى تفاصيلها، فالمجال لا يتّسع إلى ذلك، وإنّما نكتفي بالتذكير بما كان حال التنوير مشرقاً، مع الكندي والفارابي والرازي الفيلسوف مثلاً، حيث اعتبار العقل حاكماً وزِماماً، والتحذير من إظلام المتصدرين في المجالس من كَتَمة الحق ودافنيه [6]، كما التحذير من الاتّجار بالدين [7]، فضلاً عن إعلاء شأن العقل قياساً إلى الحس والخيال، ومديح الإرادة والاختيار [8]، والدعوة إلى تأسيس المدينة الفاضلة حيث الرئيس الفيلسوف. وما كان من أمر ابن باجة وابن طفيل مغرباً [9]، حيث تفضيل العقل وإبراز سلطانه وقدرته على تدبّر السبيل إلى الحقيقة والسعادة من دون وسيط [10]، ونقد التصوف والاعتراض على الغزالي مكفر الفلاسفة والفرق المخالفة.
من ملامح نسيان ابن رشد ومنطقه أنَّ كتبه لم تنشر بعد محنته، وحتى تلاميذه القريبون أجبروا على جحدها، وأبرزهم ابن طملوس في كتابه "المدخل لصناعة المنطق".
ومن هنا الوصل في الأندلس، خاصَّةً بين فيلسوف قرطبة من جهةٍ، وابن باجة وابن طفيل من جهةٍ ثانيةٍ، لتمثيلهما العائلة الفلسفية لابن رشد، فضلاً عن ابن رشد الجد، لتمثيله عائلته الفقهية، فذلك الجَدُّ لا تخلو مؤلفاته الفقهية وفتاويه من تحذيرٍ من فتن الفرق. [12]
ومن حيث علاقته بالمرجعية الفكرية للدولة الموحدية، مجسَّدةً في ابن تومرت، يمكن المجازفة بالقول إنَّه كان معه وضدَّه في نفس الوقت؛ معه في نزعته الإصلاحية المعادية هي أيضاً للمتكلمين ومشاغباتهم التي مزّقت الأمة، وضدَّه من حيث القطيعة مع التصوّف واعتماد البرهان، فابن تومرت له توليفة صوفية أشعرية شيعية معتزلية إلخ... أما هو، فقد كان فيلسوفاً أكثر من كونه فقيهاً. ومن هنا علاقته المضطربة بالدولة الموحدية، فعندما كانت متسامحةً قبلته، وعندما تعصّبت وتزمّتت، تحت وطأة قيود السلطة الدينية ووطأة السياسة، خذلته.
وتلك الاستعادة تتطلّب العودة إلى لحظة انبجاس فلسفته، حيث اللقاء بالأمير أبي يعقوب يوسف [13]، الذي شكا من قلق عبارة أرسطو في حضرة ابن طفيل، فقد دخل قصر الأمير معوِّضاً صاحب رسالة حي بن يقظان، الذي شاخ فاختاره لتلك المهمة، ولكنَّ الأمر لم يكن متعلِّقاً فقط بصحة الأمير، وإنما بصحة الدولة في الآن ذاته، فقد كان ابن رشد يجيد طب الأبدان وطب البلدان أيضاً، وكان صائد فرصةٍ ثمينةٍ ربما حلم بها طويلاً، تلك التي يتلاقى فيها الأمير بالفيلسوف مرةً أخرى بعد طول جفاء، استمر من عصر المتوكل العباسي، عندما أفل نجم الفلسفة جرّاء حماقةٍ سياسيةٍ وأيديولوجيةٍ سيطرت جرّاءها الحنبلية، حتى عصر أبي يعقوب يوسف الموحدي، الذي يمكن وصفه بأنّه عرّابها مغرباً، فهو الذي استحثّ ابن رشد على استعادتها في معناها الواسع، فكانت شروح أرسطو، من دون التقليل من شأن بواكيرها، خلال فترات الحكم السابقة في الأندلس.
هل كانت تلك ضربةَ حظ، أم ثمرةً موضوعيةً للحظةٍ تاريخيةٍ استوجبت مهمَّةً فلسفيةً، تلقفها ابن رشد ليحقق كينونةً فلسفيةً تتقاسم الذات والأمة جغرافيتها، وإن مؤقتاً؟ غنيٌّ عن البيان أنَّنا مع الفرضية الثانية في الإجابة عن هذا السؤال، فالفلاسفة كما قلنا ليسوا صواعق تجود بها سماواتٌ صافيةٌ، وقد تعلّم ابن رشد من ذلك اللقاء أن تدبير العقول وتدبير المدن توأمان كما قلنا، وهما على وزن تدبير الله للكون والإنسان.
واللافت أن التحالف بين الأمير والفيلسوف، أو بين السلطة السياسية والسلطة المعرفية في التاريخ العربي، كان مهماً جداً، ليس لازدهار القول الفلسفي وحده، ولكن أيضاً لازدهار الدولة، وهو ما يعني أنَّ الدولة التي يمكنها استعادة ابن رشد الآن أيضاً، هي تلك التي لها من عوامل القوة ما يجعلها لا تهاب الفلسفة، بقدر ما تجد فيها واسطةً من وسائط ازدهارها وقوتها.
وقيمة ابن رشد تُفسَّر في جانبٍ أوَّلَ منها بعائلته، فهو وريث مجدها العلمي، ونعني هنا الفقهي. وفي جانبٍ ثانٍ بشخصيته المشهود لها، ليس فقط بعلمها، وإنما أيضاً برفعة أخلاقها والتزامها، حتى أنّه يمكننا الحديث عن "الالتزام الرشدي"، فالرجل لم يكن من طلّاب الطعام، فقد كان مدافعاً فلسفياً عن بلده حتى لو استدعى الأمر الاختلاف مع أفلاطون وجالينوس. ويقول عنه أحد من أرّخوا له أنه قد "تأثلت له عند الملوك وجاهةٌ عظيمةٌ، لم يصرفها في ترفيعِ حالٍ ولا جمعِ مالٍ، إنّما قصرها على مصالح أهل بلده خاصّةً، ومنافع أهل الأندلس عامّةً" [14]. وفي جانبٍ ثالثٍ، بتراكم معرفي عرفته الجغرافيا العربية مشرقاً ومغرباً، وهو ما ألمحنا إليه، فقد كان لابن رشد عائلته الفلسفية أيضاً.
قيمة ابن رشد تُفسر في جانب أول منها بعائلته، فهو وريث مجدها العلمي، ونعني هنا الفقهي. وفي جانب ثانٍ بشخصيته المشهود لها، ليس فقط بعلمها وإنما أيضاً برفعة أخلاقها والتزامها، وفي جانبٍ ثالثٍ بتراكم معرفي عرفته الجغرافيا العربية مشرقاً ومغرباً.
وتلك القيمة غير منفصلةٍ عن مكانة الفلسفة في الأندلس، التي كانت مضطربةً. فقبل ذلك كان ثأر المنصور بن أبي عامر (الحاجب المنصور)، سنة 978 للميلاد، من المؤلفات الفلسفية والعلمية لكسب ودِّ العامة ورجال الدِّين، بعد انبعاثٍ نسبيٍّ لها قبل ذلك في بلاط الأمويين [15]. فقد كان التفلسف تهمةً في بيئةٍ اعتبرت الفلسفة مروقاً على الدين، لذلك لم تكن تقوى عليه إلا القلّة.
كانت فلسفة ابن رشد روح العصر الذي عاش فيه، لذلك لا تخلو هي أيضاً من الاضطراب الذي جعل قرّاءه منقسمين في تأويلها، بين قائلٍ إنّه وفَّق بينها وبين الشريعة، ومؤكِّدٍ أنّه يفصل بينهما. بين مُقِرٍّ بتضمّنها ازدواجية الحقيقة، ونافٍ لذلك. بين من اعتبره صريحاً في التعبير عن أفكاره، وبين مؤكِّدٍ ضنَّه بها على غير أهلها. وصولاً إلى الانقسام في اعتباره فيلسوفاً ملحداً من قبل البعض، وتأكيد صفاء إيمانه من قبل البعض الآخر. وقد يبدو هذا الملمح سلبياً في الظاهر، لكنَّه إيجابيٌّ في الباطن، فهو يترك الباب مشرعاً أمام ديمومة تأويله على مر الأزمنة.
ومن هنا فإن تلك الاستعادة يجب أن تأخذ بعين الاعتبار أنَّ الفلسفة بالنسبة إليه ليست منفصلةً عن مهمتها التنويرية، فقد كان يبتغي وحدة الأمة بتخليصها من شقاق الفرق الدينية، كما نجد النزوع ذاته في فقهه الذي نلمس فيه بواكير القراءة المقاصدية، التي ستصبح بناءً قائماً بذاته بعد ذلك مع الشاطبي، فقد كان ابن رشد يبحث فلسفة وفقهاً عن الحكمة والغاية من وراء كل شيء، فـ"من نظر في مصنوعٍ من المصنوعات لم تَبِنْ له حكمته، إذا لم تَبِنْ له الحكمة المقصودة بذلك المصنوع، والغاية المقصودة منه". [16]
بواكير نظرية المقاصد
تتجاوز قراءة القرآن عند ابن رشد النص إلى ما وراءه، ففهمه للنص يتّصل باستراتيجياته، أي بأهدافه البعيدة، وهذا مرتبطٌ بمعنى التأويل لديه، فـ"هو إخراج دلالة اللفظ من الدلالة الحقيقية إلى الدلالة المجازية، من غير أن يخلّ في ذلك بعادة لسان العرب في التجوز" [17]. فإذا كان الله حكيماً كاملاً رحيماً غفوراً كريماً إلخ... فإن قرآنه جاء لخدمة البشر، تيسيراً لحياتهم لا تعسيراً لها. ومن هنا قراءته على ضوء ذلك، والاحتكام إلى التعليل العقلي. وتلك الاستراتيجية تعبّر عنها المرحلة المكّية خاصَّةً، بينما خضعت المرحلة المدنية إلى ما هو تكتيكي، أي إلى الواقع ومعضلاته، عندما تعلّق الحال ببناء دولةٍ وتثبيت أركانها، فالقراءة المقاصدية تذهب إلى روح القرآن على وجه التحديد، وهذه الروح يجب الكشف عنها، ومن هنا أهمية تجاوز تفسير السور والآيات إلى تأويلها. فالدين له مقصدين كبيرين، وهما الجديرين بالسير إليهما، يتمثَّلان في العلم الحق والعمل الحق، إذ "ينبغي أن تعلم أنَّ مقصود الشرع إنّما هو تعليم العلم الحق، والعمل الحق. والعلم الحق هو معرفة الله تبارك وتعالى، وسائر الموجودات على ما هي عليه، وبخاصَّةً الشريفة منها، ومعرفة السعادة الأخروية والشقاء الأخروي. والعمل الحق هو امتثال الأفعال التي تفيد السعادة، وتجنّب الأفعال التــــــي تفيد الشقاء. والمعرفة بهذه الأفعال هي التي تُسمّى العلم العملي". [18]
تتجاوز قراءة القرآن عند ابن رشد النص إلى ما وراءه، ففهمه للنص يتصل باستراتيجياته أي بأهدافه البعيدة، وهذا مرتبط بمعنى التأويل لديه.
تعامل ابن رشد من خلال التأويل مع القرآن، لا مع الشريعة بمعناها الضيق. فعلاقة الشريعة بالقرآن علاقة الجزء بالكل، بل إن هناك مقاربات تذهب في اتجاه القول إنه "لا شريعة في الإسلام"، ومن ثبَّت الشريعة ومنحها ترسيمها الأيديولوجي هو الفقه، وهو ما دشّنه الإمام الشافعي في كتابه الرسالة [19]، أما الإسلام فهو أوسع من ذلك بكثيرٍ.
وإذا كان يتردَّد أنَّ مقاصد الشريعة هي حفظ الدين والنفس والعقل والمال إلخ... من خلال الإحالة على الشاطبي (الأصول الكلّية التي جاءت الشريعة بحفظها 5: وهي الدين والنفس والعقل والنسل والمال)، وبعض من جاء بعده مثل الطاهر بن عاشور [20]، فإن مقاصد الإسلام مع ابن رشد أوسع من ذلك، ومن هنا كان التأويل لديه في قلب المقاربة المقاصدية.
إنَّ الاحتكام إلى مقاصد الإسلام معناه تأويل الآيات وفق التاريخ وضمنه وعلى ضوئه، فالنص يجب تنزله هناك بالذات. ووقتها يكون الارتباط بين الإسلام والواقع، فينتهي الاصطدام بين المعقول والمنقول، فالثاني يكون قد تمَّ تأوليه وفق الأول، بما يجعل الأبواب مشرعةً أمام تنويرٍ دينيٍّ يقطع مع التكفير والتبرير، ويُطلق التفكير من قيوده. وهذا التنوير الديني لا بُدَّ منه في حال العرب اليوم، وهو يمكن أن يكون رديفاً للتنوير الفلسفي حتى يتشابكا لتأدية الغرض نفسه. وهذا يتطلّب إدراك أنَّ التنوير لا يمكنه النجاح في أيِّ أمةٍ كانت إذا كان مُسقَطاً ومن دون صلةٍ بواقعها وتاريخها، فالمنظومة الفكرية الإسلامية في حاجةٍ إلى انفجاراتٍ داخليةٍ متلاحقةٍ، تربط الصلة بالانفجارات التنويرية العربية الوسيطية من جهة، وبالانفجارات التنويرية التي شهدتها أممٌ أخرى مع انبلاج فجر حداثتها من جهةٍ ثانيةٍ، فالأطر القديمة للتفكير الديني لم تعد متطابقةً مع التطورات التاريخية المتعاقبة.
وإذا أخذنا المقاصد في علاقة بالتشريع، نجد تلك القراءة المقاصدية التنويرية وفق ما تسمح به حدود المكان والزمان، فابن رشد كان على بيِّنةٍ من تلك الحدود، ونكتفي هنا بمثالٍ يبيّن تلك القراءة، فبالعودة إلى "بداية المجتهد ونهاية المقتصد"، نراه يُقرُّ إمكان تزويج المرأة نفسها بنفسها، أي إنّه يمنحها الولاية من خلال قراءةٍ مقاصديةٍ للقرآن والحديث [21]، وفي هذا الطريق سيسير كثيرون من بعده، مثل قاسم أمين في مصر، والطاهر الحداد في تونس.
كان ابن رشد مع التعليل العقلي بما يتطلّبه من رويةٍ في التفكير تقديراً للمصلحة، ولا يقول إنَّ هذا الحكم أو ذاك عبادةٌ، إلا إذا كان هناك عجزٌ عن تبيّن الغاية المقاصدية في تفسير الأحكام المتصلة بالعبادات والمعاملات على حدٍّ سواء [22]، أي إنّه مع إبراز مقاصدها، فهي التي تمنحها قيمتها وتبيّن ضرورتها وإلزامها، وهذا معناه أنَّ المقاصد متحرِّكةٌ وليست ثابتةً، فما يصلح لزمانٍ قد لا يصلح لآخر، وهو العارف مثلاً أنَّ عمر بن الخطاب أوقف العمل بحدِّ الردة عام الرمادة.
كان ابن رشد مع التعليل العقلي بما يتطلبه من روية في التفكير تقديراً للمصلحة، ولا يقول إن هذا الحكم أو ذاك عبادة، إلا إذا كان هناك عجزٌ عن تبيّن الغاية المقاصدية في تفسير الأحكام المتصلة بالعبادات والمعاملات على حد سواء.
من هنا، فإنَّ الاجتهاد المقاصدي مهمٌّ في العلاقة بجموعٍ يُكبّلها التفكير الديني المتزمّت، كما أنَّ الأمر متعلّقٌ باجتهادٍ من داخل الإسلام ضدَّ التعصّب والعقائدية المغلقة، بمعنى أنَّه استعادةٌ للإسلام نفسه وتحريرٌ له من ربقة الضالين والمضللين من السلاطين وفقهائهم، فالله لا يمكن أن يأتي بغير الخير للإنسان بالنظر إلى عدله وكماله، وهو ما يفرض الإصغاء إلى طلبات الواقع وحاجاته، وهو ما سيؤكده الشاطبي بعد ذلك بقوله: "تنزيل العلم على مجاري العادات، تصحيح لذلك العلم وبرهان عليه، إذا جرى على استقامةٍ، فإذا لم يجرِ فغير صحيح" [23]. ونحن مع ملاحظة محمد عابد الجابري الوجيزة، التي أجاد فيها شرح كلام الشاطبي هذا، فهو برأيه إنّما "يعني أن الواقع التجريبي والاجتماعي هو المرجع، وإذا تعارض معه نص شرعي وجب تأويله ليتوافق معه". [24]
ومن حيث المؤثرات التي خضع لها ابن رشد، فإنّه إذا كان تأثير أرسطو عليه معتَرَفاً به، فإنَّ تأثير المؤسِّس العقدي للدولة الموحدية، محمد بن تومرت، غالباً ما يغيب الاهتمام به. كان ابن تومرت، الملقّب بـ"المهدي"، ينشد إصلاح ما أفسدته الدولة المرابطية، واهتم بالعقائد من هذه الزاوية العملية خاصَّةً، لذلك ألّف بين أفكارٍ متنوِّعةِ المنابع، صوفية وشيعية ومعتزلية وأشعرية كما قلنا [25]، فالمهم بالنسبة إليه كان تغيير الأحوال، لذلك تشابكت المذاهب والفرق لديه وتداخلت، فكانت عقيدته متعددةً متنوعةً، وهذه السمة الخلاصية لا تخطئها العين في فلسفة ابن رشد وفقهه أيضاً، بما يفيد نزوعاً إلى الخلاص من التعصّب المذهبي لصالح فكرٍ يصلح عملياً لتوحيد الأمة حتى تكون لها القوة التي تبحث عنها. فالعقيدة إنما تؤدي هذه الوظيفة، ولا ينبغي أن تكون سبباً للفتنة والانقسام، وهذا ما نجد تعبيراً واضحاً عنه في ثلاثيته، ونعني "الفصل" و"الكشف" و"التهافت"، أما شرحه لمرشدة المهدي بن تومرت المفقود، فربما كان قصده من التوجه ناحيته بلورة هذا الأمر بالذات، وهذا النزوع كانت نهايته المنطقية لديه قطعه مع الفرق الكلامية جميعها، باعتبار أن تشعّباتها مزّقت الأمة، وهو ما لا يزال غائباً اليوم أيضاً، حيث لا تزال المذهبية والطائفية طاغيةً، ومن هنا فإن ذلك حري بالاستعادة.
والمهم الانتباه إلى تلك المفارقة، فابن تومرت أراد الإصلاح باختيار ما هو حسنٌ لدى بعض الفرق، أما ابن رشد فألغاها كلها، لإدراكه أن صلاحيتها منتهيةٌ، فالأمر يتعلق بالمنهج، فهي تقيس الغائب على الشاهد، وتفشي التأويل لغير أهله، وتتوسّل الجدل إلخ... والسؤال هو: هل غامر ابن رشد بإلقاء نفسه في لهيب مشاجرات تلك الفرق من دون تقدير رد فعلها، فكان ذلك سبباً من أسباب محنته؟
ما الذي نستعيده؟
عندما نواصل البحث عمّا يمكن استعادته في ابن رشد، نجد طروحاته المعرفية والسياسية والطبية والعقدية إلخ... وقد كان يصدرها عن رغبةٍ في التأسيس لقول يقيني برهاني، مثلما يفيدنا في الإبانة عن الغرض من رده على الغزالي في كتابه "تهافت التهافت". ونعرض هنا بعضها، مكثَّفةً مختصرةً.
فعلى مستوى المعرفة، لابن رشد نظرية طريفة وخطيرة في الوقت نفسه عن العقل، فهو "ليس شيئاً أكثر من إدراك الموجودات بأسبابها... فمن رفع الأسباب فقد رفع العقل" [26]. ومعقولات الأشياء هي حقائقها، ومهمة العقل إدراك ذلك فهو "ليس شيئاً أكثر من إدراك نظام الأشياء الموجودة وترتيبها" [27]. وهذا العقل متطور من حيث علمه، فـ"عقل الإنسان مستكمل بما يدركه ويعقله وينفعل عنه" [28]، وهو منفصل برأيه عن الأجسام، مما يعني أنَّه مفارق لها، وهذا يمثل قطيعةً معرفيةً في حينه، فمعه ينتهي العقل الجزئي الذي يتجلّى من خلال الفرد، ويبدأ العقل الكلّي، عقل البشرية قاطبةً [29]. وفضلاً عن ذلك، فإنَّ العقل يتّصف بوحدته وجوهرانيته، بينما المادة متعدِّدةٌ، وهذا العقل غير قابلٍ للفناء، إنَّه دائم من دون اندثارٍ أو فساد. يولد البشر ويرحلون بينما العقل خالدٌ لا يموت، بما يذكّر بالإله في المدوّنة الدينية، فما يتّصف به الله ديناً على هذا الصعيد، يتّصف به العقل فلسفةً، ولا تخفى وشائج الصلة بين الله والعقل لديه.
ونجد في فلسفته فصلاً لا يقلُّ طرافةً بين الحكمة والشريعة، فإذا كان لكلٍّ منهما سبيله ومجاله فإن الغاية توحدهما، إذ يطلبان الفضيلة سويةً [30]. وقد ألقت هذه المشكلة بثقلها على تلقّي العرب للفلسفة، ممّا ولّد اشتباكاً دائماً تضرَّرت منه الفلسفة في الغالب، فكان وضع النبي مقابل الفيلسوف، والحطّ من قيمة فلاسفة اليونان ومن سار من حكماء العرب على طريقهم، حيث حديث الغزالي مثلاً عن اغترارهم بأسماء فخمة كأفلاطون وأرسطوطاليس، وتكفيره إياهم.
العقل عند ابن رشد يتّصف بوحدته وجوهرانيته، بينما المادة متعددة، وهذا العقل غير قابل للفناء، إنه دائم من دون اندثار وفساد.
وله في الطب قولٌ لافتٌ يُجيز التشريح ويحثّ عليه، فـ"من اشتغل بعلم التشريح ازداد إيماناً بالله تعالى"[31]. وكان هذا القول في وقته ثورةً، فقد كان التشريح محرَّماً على نطاقٍ واسعٍ، مما يعني انحيازاً للعلم ومنافحةً عنه، وتجريد خصومه من السند الديني الذي يتّكئون عليه، فقد كان ابن رشد مع الفتوحات العلمية بغض النظر عن مصدرها وصاحبها، لـــذلك كــان قوله "بيّن أنّه يجب علينا أن نستعين على ما نحن بسبيله بما قاله من تقدَّمنا في ذلك، وسواء كان ذلك الغير مشاركاً لنا في الملة أو غير مشارك، فإن الآلة التي تصحّ بها التذكية ليس يعتبر في صحة التذكية بها كونها آلةً لمشاركٍ لنا في الملة أو غير مشاركٍ، إذا كانت فيها شروط الصحة. وأعني بغير المشارك مَن نظر في هذه الأشياء من القدماء قبل ملة الإسلام" [32]. وهذا القول لا يزال راهناً اليوم أيضاً، حيث تكفير الأفكار لم تنقطع حباله بعد، ممّا انعكس رفضاً للتنوير والحداثة.
أما قوله بخصوص المرأة ودعوته إلى إنصافها، فلا يزال حياً هو الآخر، فما يزيد عن نصف الأمة من النساء، وإذا تمَّ استبعاده فإنَّها مجبرةٌ على السير برِجلٍ واحدةٍ. واليوم لا تزال المرأة مستبَعدةً مستغَلَّةً معذَّبةً، بينما أجاز لها ابن رشد أن تكون حاكمةً وحكيمةً ومحارِبةً. [33]
وكان ابن رشد ناقداً للتسلّط في السياسة [34]. ففي مختصر كتاب السياسة لأفلاطون، يتعمّق في بحث أنظمة الحكم، وتحوّل بعضها إلى بعض، منتقِداً الحاكم وحدانيّ التسلّط، بما في ذلك ما هو سائدٌ في مكانه وزمانه، منحازاً للعدل، مؤكِّداً أنَّ المدينة الفاضلة ممكنة التحقيق عربياً، وليست مجرَّد يوتوبيا بعيدة المنال.
قول ابن رشد بخصوص المرأة ودعوته إلى إنصافها، فلا يزال حياً هو الآخر، ففي الأمة ما يزيد عن نسبة النصف من النساء، وإذا تم استبعاده فإنها مجبرة على السير برجلٍ واحدةٍ.
فكّر ابن رشد بشكلٍ نقديٍّ، ونقد المشائيين العرب وفلاسفة اليونان وعلمائهم، والمتكلّمين وسياسيي زمانه والمتصوفة إلخ... وفهم أنَّ المطلوب هو تجاوز ما نقده، ليس فقط على صعيد الأفكار، وإنّما أيضاً على صعيد المنهج كما قلنا، واقتضى النقد كشف أطروحات هؤلاء والمعضلات التي عالجوها، وإبراز تناقضاتها ونقائصها، ثم تخطّيها بتقديم ما يقوم بديلاً عنها، مستحثاً غيره على نقده كذلك. ومن هنا فإن تلك الروح النقدية تمثّل جوهر فلسفته. واليوم، تبدو استعادة هذه الفلسفة من قِبل الأمة التي خاطبها لازمةً، وإذا حدث ذلك فإنّه يمكّنها في واقعها الحالي أن تجد قاعدة نهوضها الفكري فيه، مثلما وجدت أممٌ أخرى قبلها ذلك لديه، وهي فلسفةٌ تتصدى لحل إشكاليتي السياسة والدين، والحكمة والشريعة، وغيرها من الإشكاليات.
المراجع
[1] كانط، جواباً على سؤال ما هي الأنوار؟ ضمن: ثلاث نصوص: تأملات في التربية، ما هي الأنوار، التوجه في التفكير، تعريب وتعليق محمود بن جماعة، صفاقس / تونس، دار محمد على الحامي، 2005، ص90.
[2] للاطلاع على دخول ابن رشد العالم اللاتيني، انظر: زينب محمود الخضيري: أثر ابن رشد في فلسفة العصور الوسطى، بيروت، دار التنوير، 2009.
[3] انظر: محمد عابد الجابري: ابن رشد سيرة وفكر، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1998، ص 11.
[4] ابن طملوس، أبو الحجاج يوسف: المدخل لصناعة المنطق، تحقيق ميجيل بلاسيوس، مدريد، مطبعة الأبيرقة 1916، ص 8.
[5] الشاطبي أبو اسحاق، الموافقات في أصول الشريعة، تحقيق أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، دار ابن عفان 1997.
[6] الرازي أبو بكر، رسائل فلسفية مضافاً إليها قطع من كتبه المفقودة، تحقيق لجنة إحياء التراث العربي بيروت، دار الآفاق الجديدة، 1980، ص 293.
[7] الكندي، رسالة إلى المعتصم بالله في الفلسفة الأولى، ضمن: من رسائل الكندي الفلسفية، تقديم وتعليق محمود بن جماعة، صفاقس / تونس، دار محمد على للنشر 2006، ص ص 27 ــ28.
[8] الفارابي، آراء أهل المدينة الفاضلة، القاهرة، مؤسسة هنداوي، 2016 ، الفصل الثالث والعشرون.
[9] يرجع صاعد الأندلسي انبثاق الفلسفة في الأندلس إلى الفترة الأموية، بقوله: "أما الأندلس فكان فيها أيضاً بعد تغلب بني أمية عليها جماعة عُنيت بطلب الفلسفة، ونالت أجزاء كثيرة منها"، طبقات الأمم، تحقيق لويس شيخو اليسوعي، بيروت، المكتبة الكاثوليكية، 1912، ص62، غير أنَّ ظهور الفلسفة في شكل نسق متكامل سيكون في فترة لاحقة مع ابن باجة.
[10] ابن طفيل، حي بن يقظان، تقديم وتحقيق فاروق سعد، تونس، الدار العربية للكتاب، 1983.
[11] ابن باجة، رسائل ابن باجة الإلهية، حققها وقدم لها ماجد فخري، بيروت، دار النهار، 1968، ص55.
[12] انظر: مختار بن الطاهر التليلي، ابن رشد وكتابه المقدمات، ليبيا، الدار العربية للكتاب، 1988،
[13] عبد الواحد المراكشي ، المعجب في تلخيص أخبار المغرب، تحقيق صلاح الدين الهواري، صيدا-بيروت، المكتبة العصرية، الطبعة الأولى 2006، ص 179 .
[14] أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن الأبار، التكملة لكتاب الصلة، بغداد، مطبعة المثني 1956، ج 2، ص 554.
[15] صاعد الأندلسي، طبقات الأمم، مرجع سابق، ص 66.
[16] ابن رشد، تهافت التهافت، تقديم وتحليل وشرح محمد عابد الجابري، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية 1998، ص 149.
[17] ابن رشد، فصل المقال في تقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال أو وجوب النظر العقلي وحدود التأويل (الدين والمجتمع) مع مدخل ومقدمة تحليلية لمحمد عابد الجابري، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية 1997، ص 97.
[18] ابن رشد، فصل المقال في تقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال، مصدر سابق، ص 115.
[19] الشافعي محمد بن إدريس، الرسالة، تحقيق أحمد محمد شاكر بيروت، دار الكتب العلمية، من دون تاريخ.
[20] الطاهر بن عاشور، مقاصد الشريعة، تحقيق محمد الحبيب ابن الخوجة، قطر، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، 2004 .
[21] انظر تفصيل ذلك في: فريد العليبي، رؤية ابن رشد السياسية، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية 2007، ص287-298.
[22] يقول ابن رشد: "إنما يلجأ الفقيه إلى أن يقول عبادة إذا ضاق عليه المسلك مع الخصم"، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ج 1، تحقيق على محمد عوض و عادل أحمد عبد الموجود، بيروت، دار الكتب العلمية، ص110.
[23] ذكره ابن الأزرق في بدائع السلك في طبائع الملك ج 1، بغداد وزارة الاعلام، ص 67.
[24] انظر الملاحظة الواردة في: ابن رشد، فصل المقال في تقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال، مصدر سابق، هامش رقم 25، ص 97.
[25] انظر عبد الغني أبو العزم في تقديمه وتحقيقه لكتاب محمد بن تومرت، أعز ما يطلب، الرباط، مؤسسة الغني للنشر 1997، ص 18.
[26] نفس المصدر، ص 507.
[27] نفس المصدر، ص 365.
[28] نفس المصدر، ص 442.
[29] انظر شرح ابن رشد القرطبي الكبير للكتاب الثالث لأرسطوطاليس في النفس ضمن: ابن رشد الشرح الكبير لكتاب النفس، مصدر سابق، ص 225.
[30] كان ابن رشد مع الفصل، ولكن من دون إثارة تناقض بينهما، وهذا يعني أنَّ هناك تياراً عمل على إنهاء الاشتباك بينهما، ربما لغايةٍ سياسيةٍ تتمثّل في النهوض بالأمة، ففي حال الاشتباك فإن الفلسفة خاسرة لامحالة، وهذا ما أراده الغزالي كما قلنا، بينما الفصل يتيح لها مواصلة حياتها.
[31] ابن أبي أصيبعة ، عيون الأنباء في طبقات الأطباء، مرجع سابق، ص 532.
[32] ابن رشد، فصل المقال في تقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال أو وجوب النظر العقلي وحدود التأويل ( الدين والمجتمع )، مصدر سابق، ص 91.
[33] ابن رشد، الضروري في السياسة: مختصر كتاب السياسة لأفلاطون، نقله إلى العربية أحمد شحلان، مع مدخل ومقدمة تحليلية لمحمد عابد الجابري، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية. 1997.
[34] يقول: "أما مدن التغلّب على الحقيقة، فهي المدن التي يقصد من اجتماع أهلها وسعيهم إلى الكمال قصداً واحداً، وهو قصد الغالب في الوصول إلى ما يضعه غايةً لنفسه، وهو شهوة التسلّط وحدها". المصدر نفسه، ص176 .