كيف خسرت إسرائيل؟ للأميركي ريتشارد بن كريمر
يورد المؤلف ما قالته رئيسة وزراء "إسرائيل" غولدا مائير بعد حرب 1967 بعد سؤالها عن حقوق الفلسطينيين، فقالت بحدة: "عم تتحدثون؟ لا يوجد شيء اسمه الفلسطينيون".
ما نتج من عملية "طوفان الأقصى" يشبه إلى حد كبير ما حدث من تحوّل جذري بعد حرب أكتوبر 1973. حيث يذكر صاحب كتاب "كيف خسرت إسرائيل" ريتشارد بن كريمر والصادر عن المركز القومي للترجمة في القاهرة، "أن هذا الهجوم القوي والمفاجئ من جانب العرب ذكّر إسرائيل بأن بإمكانهم محوها من على الخريطة. بدت قوات الجيش الإسرائيلي التي كانت حتى ذلك الوقت قوة وكأنها لا تقهر ، بدت فجأة ضعيفة وعاجزة وفي حاجة للمساعدة."
ويؤكد المؤلف أنه بعد حرب أكتوبر "تخلت إسرائيل عن كل صلفها ورضيت بدون خجل بدورها صديق أميركا الصغير في الشرق الأوسط وأصبحت جزءاً من أي مخطط أميركي للمنطقة.. وصارت لا يمكن الاستغناء عنها في هذا المخطط وكان على القصة التي رسمتها للرأي العام الغربي أن تتغير هي الأخرى".
إقرأ أيضاً: وزير خارجية إيران يكشف عن إستراتيجية سليماني العالمية
يقول المؤلف أن كتابه تم تصنيفه على أنه معاد لـ"إسرائيل"، وأن الصهاينة الأميركيين الذين لا يشغلون أنفسهم بالحقيقة، من دون أن يكلفوا أنفسهم عناء قراءة الكتاب، رأوا فيه مؤامرة دنيئة لتشويه الدولة اليهودية.
ويقول المترجم ناصر عفيفي في تقديمه للكتاب بأن "إسرائيل" خسرت قضيتها؛ لأنها تريد أن تحصل على كل شيء ولا ترغب في التخلي عن كل شيء. وخسرت قضيتها أيضاً عندما بدأت سياسة هدم البيوت وضم الأراضي والاغتيالات والتمييز العنصري، وأصبحت تباهي بذلك على نحو علني. إنها تريد الأرض كما تريد السلام، ذلك السلام الذي لا تملكه، إنها "دولة" تعيش على شيئين: الوهم والصراع. الوهم بأنها دائماً ضحية أو لا ترغب في أن تكون ضحية وتوهم أنها أعطت للفلسطنيين دولة لكنهم رفضوها. ولكنها لا تدرك أن العالم سرعان ما اكتشف الأكذوبة.
يتحدث المؤلف عن "أسطورة الدولة اليهودية" وتتبع تطورها منذ إقامتها على أرض فلسطين سنة 1948، مشدداً على أن الإسرائيليين أصبحوا ضحايا توسعهم واحتلالهم الضفة الغربية وغزة سنة 1967، بحيث فقدوا روحهم.
إقرأ أيضاً: آفي شلايم: "الموساد" نفذ عمليات التفجير ضد اليهود في بغداد في الخمسينيات
يذكر بن كريمر أنه كان مخدوعاً بالدعاية الصهيونية المضللة قبل سقوط الأقنعة عن المشروع الصهيوني. ويؤكد أن الجنون سمة ملازمة للسلوك الصهيوني على امتداد عمر هذا المشروع الاستعماري، بحيث أدرك المؤلف شيئاً فشيئاً أنه مشروع لا يستطيع الاستمرار.
فمنذ لحظة صدور قرار الأمم المتحدة القاضي بوقف إطلاق النار الذي أسدل الستار على الحرب العالمية الأولى في ربيع 1949، أخذ الإسرائيليون العالم: الطلاب.. وصناع القرار.. في جولات أشبه بالجولات السياحية لكي يصدروا قصتهم إلى العالم من خلالهم.
إقرأ أيضاً: رؤية جمال حمدان لاستراتيجية التحرّر من الإستعمار
يذكر المؤلف بن كريمر في كتابه "كيف خسرت إسرائيل" أنه شهد إحدى هذه الجولات وطرح سؤالاً مزعجاً: هل سيعوّض الإسرائيليون العرب الذين هربوا؟ والواقع أن "إسرائيل" لا ترغب في أن تدفع لهم مليماً، لكن التفسير الذي سمعته كان مراوغاً: "حسناً، إنه سؤال معقد. هناك لجنة تدرس الطريقة الأكثر عدالة للتعويض. لكن، عليك إدراك أن سجلات الأرض مع الأتراك".. ويعلق المؤلف بقوله: هذه كذبة مفضوحة. ومن شدة غيظ "المرشد السياحي الإسرائيلي" من السائل الأميركي وسؤاله المزعج لم ينس ذلك، والتقى السائل الأميركي في اليوم ذاته على العشاء وسأله بسخرية: كيف خال الهنود الحمر والقضايا التي يرفعونها ألا يدعون أن نصف أرض الولاية التي ولدت فيها ملكهم".
ويورد المؤلف ما قالته رئيسة وزراء "إسرائيل" غولدا مائير بعد حرب 1967 بعد سؤالها عن حقوق الفلسطينيين، فقالت بحدة: "عم تتحدثون؟ لا يوجد شيء اسمه الفلسطينيون".
سر الاهتمام
يتساءل المؤلف في كتابه "كيف خسرت إسرائيل": لماذا نهتم بـ"إسرائيل"؟ مع أنها ذلك الشريط الرفيع من الأراضي على شاطئ شرق البحر المتوسط، وفي بعض مناطقها لا يزيد عرضها على عشرة أميال، وبإمكانك قطعها بالسيارة من شمالها إلى جنوبها في نصف يوم، وهي أيضاً ليست بالمكان الثري ولا بالدولة العريقة، وهي أيضاً بلا تأثير سياسي، ولم يكن لها ناقة ولا جمل فيما سمّاه بوش الأب: النظام العالمي الجديد، وفي الأمم المتحدة على سبيل المثال لا يمكنك الخروج عن المألوف للحصول على دعم "إسرائيل"، إلا إذا كنت تحتاج إلى وقوف الأغلبية الساحقة من دول العالم الثالث ضد قرارك.
ومن هذا المنطلق - حسب ما يرى المؤلف - لا توجد مصلحة منطقية للولايات المتحدة من الناحية السياسية العملية لدعم "إسرائيل"، سواء على المستوى الدولي أو على مستوى الحملات الانتخابية داخل أميركا، فلا يوجد لوبي أو جماعة في الولايات المتحدة قادرة على الضغط على الحكومة، لجعل "إسرائيل" المتلقي رقم واحد للمعونة الأميركية (ثلاثة مليارات دولار كل عام، بالإضافة إلى مليارين ضمانات قروض، قبل أن نبدأ في إضافة المعونة العسكرية الخاصة، والمعاملات التجارية الخاصة، وغيرها من الصفقات السرية).
ويبيّن المؤلف أن قدرة اليهود في الولايات المتحدة التصويتية كانت 3%، وانخفضت إلى 2% فقط، وهم أقل التجمعات في أميركا تماسكاً، وأطفال اليهود اليوم في حالة يمكن أن نطلق عليها "لا مبالاة"، ومن زعم أن بوش الابن قد شن الحرب على العراق خضوعاً لرغبة "إسرائيل"، قد فشل في ملاحظة أن منظمي التظاهرات الكبيرة المناهضة للحرب كانوا أيضاً من اليهود.
اليمين المسيحي
يشرح لنا بن كريمر لماذا نهتم بإسرائيل في الولايات المتحدة بقوله: إن اليمين الأميركي المسيحي يؤمن بأن اليهود يجب أن ينالوا الأراضي المقدسة، لأن الكتاب المقدس ذكر ذلك، وذكر أيضاً أن المجيء الثاني للمسيح يتطلب "تجمع" اليهود مرة أخرى على أرض صهيون، الأمر الذي يؤدي إلى نشوب معركة "أرمجدون"، التي تؤدي إلى عودة المسيح (عليه السلام)، كما أن هناك التقاءً سياسياً للأفكار، يعود إلى الأيام التي رأى فيها اليمين المسيحي في اليهود الحصن الحصين للقيم اليهودية المسيحية، الشجاعة المضادة للسوفيات (ومؤخراً المضادة للإسلام).
دولة فلسطين
يقول المؤلف إن الفلسطينيين لم يتعلموا من اليهود كيفية التحكم في روايتهم القومية، واستخدامها بالتالي لتحقيق أهدافهم، ونتيجة لذلك فإننا ببساطة لا نعرف (كأميركيين) قصتهم.
إقرأ أيضاً:هل تنهار "إسرائيل" من الداخل؟
يسرد لنا المؤلف بشكل موسع معاناة الفلسطينيين اليومية على حواجز التفتيش الإسرائيلية وما يتعرضوا له من ظلم وإذلال، فيمكن مثلاً أن يتم توقيفك ربما لساعة تحت الشمس أو ربما تصل الأمور إلى قتلك بدم بارد بتهمة أنك كنت تريد مهاجمة الحاجز، على الرغم من خلو الضحية من أي سلاح، خاصة إذا كان مزاج الجندي الإسرائيلي مرهقاً. وإذا كان مرتاحاً فتمر مباشرة.
وهذا ما حدا بصحيفة "هاَرتس" الصهيونية أن تعد نقاط التفتيش في المناطق المحتلة "بأنها مصانع لإنتاج القنابل البشرية". على الرغم من تأكيد المؤلف أن هناك دلالات أخرى إلى أن الأسرائيليين يعرفون تماماً تأثير إجراءاتهم القوية وهم على علم دائم بذلك.
منع إقامة دولة فلسطينية
ينقل بن كريمر عن مستشار أرييل شارون المحامي الصهيوني دوف مايسجلاس قوله إن فك "الارتباط بغزة هو بمنزلة العازل الذي يحول دون حدوث أي عملية سياسية مع الفلسطينيين. لأن ما اتفقنا عليه بالفعل مع الأميركيين هو أن هذا الجزء الخاص بالمستوطنات لن يُتطرق إليه على الإطلاق، والباقي لن يتم التعامل معه إلا بعد أن يرضخ الفلسطينيون. ويكمل فايسجلاس: من هنا، تأتي أهمية ما فعلناه في تجميد العملية السياسية فعندما تجمد تلك العملية فأنت تمنع إقامة دولة فلسطينية وتحول دون مناقشة قضايا اللاجئين والحدود والقدس. فالواقع أن الحزمة بأكملها التي تُسمى الدولة الفلسطينية بكل ما تحتويه قد أزيلت من أجندتنا".
ويطرح المؤلف تساؤلاً مفاده: لماذا لا يكون لدى الفلسطينيين دولة؟ ويجيب بأن الفلسطينيين لم يتعلموا من اليهود كيفية التحكم في روايتهم القومية، واستخدامها بالتالي لتحقيق أهدافهم، ونتيجة لذلك فإننا ببساطة لا نعرف (كأميركيين) قصتهم، وهو ما يعترف به كثير من الفلسطينيين.
ويقول المؤلف: عندما تسأل الفلسطينيين عن السبب في أنهم آخر شعب في العالم ستكون له دولة، فإن الإجابة تتلخص في كلمة واحدة: "إسرائيل"، وترد: ولكن القرقيز والطاجيك والأوزبك والتركمان والجورجيين لكل منهم دولة الآن، وكانت أمامهم مشكلة صغيرة مكونة من كلمة واحدة: روسيا، ولكنهم نجحوا في النهاية، حتى الكرد تعيسو الحظ ربما تكون لهم دولة قبل الفلسطينيين، فلماذا؟ هل كان هناك سبب لاعتقاد العالم بأنه من الممكن وضع اليهود في فلسطين بدلاً من العرب الموجودين هناك؟ ولماذا تكون الـ22% الأخيرة من فلسطين (يقصد الضفة الغربية وغزة) هي محل إقامة أطول احتلال بالقوة في التاريخ الحديث؟
يروي بن كريمر في كتابه "كيف خسرت إسرائيل" أن عملية أوسلو وما نتج منها أصبحت موضع سخرية لاذعة، وأصبحت مجرد شيء مضحك تُؤلف حوله العديد من النكت. فعلى سبيل المثال، هناك نكتة فلسطينية تقول إن شخصاً جريحاً قال لشخص اَخر يحتضر في الفراش المجاور له في المستشفى: حسناً، تلك هي عملية السلام".
طرفة أخرى تقول إن أحد أفراد الشرطة الفلسطينية طلب إجازة، فأشار عليه الضابط أن يذهب إلى ذلك الحمار الذي أمامهم واشترط عليه أن يجعله يضحك، وبالفعل اتجه الشرطي نحو الحمار وهمس في أذنه فجعله يضحك، فقال له الضابط هذا ليس كافياً، الاَن عليك أن تجعله يبكي، وتوجه الشرطي إليه ثانية وهمس في أذنه فجعله يبكي، فصرخ فيه الضابط قائلاً أخرج هذا الحمار من هنا، وبالفعل ذهب الشرطي مرة ثالثة وهمس في أذن الحمار من جديد فجرى بعيداً. قال الضابط له حسناً يمكنك الاَن أن تحصل على إجازتك إذا أخبرتني كيف استطعت أن تجعل الحمار يطيع أوامرك؟ وأجاب الشرطي: أولاً أخبرته أنني أعمل لدى السلطة الفلسطينية فبدأ بالضحك، ثم أخبرته أنني متزوج وأعول 3 أطفال وأحصل على 800 شيكل في الشهر فبدأ بالبكاء. ثم أخبرته أنني أستطيع أن أوفر له عملاً لدى السلطة الفلسطينية فأطلق ساقيه للريح".
ويناقش الكتاب "كيف خسرت إسرائيل" موضوع يهودية الدولة فمنذ التأسيس عام 1948 كان هناك مجتمعان من اليهود في "إسرائيل"، أحدهما مجتمع المتشددين الأرثوذكس، والآخر يسمح برؤى متعددة للعقيدة.
ويكشف الكتاب عن مشكلة "القنبلة الزمنية"،، وهي ليست مشكلة هينة ولكنها أزمة كبرى، فحينما يجرؤ الإسرائيليون على الحديث عنها فإنهم يطلقون عليها "القنبلة الزمنية"، وذلك عند ما تجيء اللحظة التي يرى فيها اليهود العرب، وقد اندفعوا نحوهم حينما يصبحون أغلبية في هذه الأرض.
البعض يقول إن ذلك سوف يحدث خلال عشرة أعوام، والبعض الآخر يقول إنه حدث بالفعل، وحينما تنظر إلى المسألة سوف تجد أن هناك ثلاثة خيارات فقط، جميعها ليست سهلة، الأولى:
هم (أي الإسرائيليون) يستطيعون التخلي عن الأراضي المحتلة، يودعون الأرض والعرب ويرحلون، ولكن هذا يعني بالطبع القتال مع يهود آخرين وهم المستوطنون ولا أحد يرغب في ذلك. والثانية: يمكنهم التمسك بالأرض ومحاولة قتل أو طرد بضعة ملايين من العرب، وهذا كابوس نازي ودعائي لا يزال يراود البعض.
الثالثة: يمكنهم الاحتفاظ بالأرض والسكان والحكم بقبضة حديدية عبر سياسة التمييز العنصري، أي إن الأغلبية لا تكون لها حقوق سياسية، وهذا الاختيار هو الحادث الآن تبعاً للأمر الواقع.
لقد تطلب الصراع في الشرق الأوسط المزيد من اليهود، وبعد كل هذه السنوات من الجدال بشأن من هو اليهودي؟ أصبح الجميع يعلمون أن القادمين من روسيا مثلاً ليسوا يهوداً.
وكشفت دراسة لوزير شؤون يهود الخارج عن المهاجرين القادمين من الاتحاد السوفياتي خلال عام 2000 أن اثنين من كل ثلاثة ليسوا يهوداً، وأصبح السؤال: من هو اليهودي لا يهم كثيراً، بل ما هو الصالح لليهود، أو ما هو الصالح لما يرغب اليهود فعله بدولتهم اليهودية.
إقرأ أيضاً: ألكسندر سولجينيتسين والعقلية اليهودية
لماذا لا يتحقق السلام؟
يجيب المؤلف في ختام كتابه عن سؤال: لماذا لا يتحقق السلام؟ بقوله: إن أي يهودي غير إسرائيلي لا يعاني من أي أمراض نفسية، يمكنه حل مشكلة السلام الإسرائيلية في عشر دقائق لو فكر تفكيراً مركزاً، مقارنة بمشكلة قبرص أو إيرلندا الشمالية.