في مئوية رائعة إليوت: 8 ترجمات عربية لم تتسع لـ"الأرض اليباب"
كتب القصيدة الأطول في اللغة الإنكليزية، التي لُقِّبت بـ"ملحمة القرن الـ20". في مئويتها، ماذا تعرفون عن قصيدة "الأرض اليباب"، وعن الشاعر ت. س. إليوت.
تحلّ هذه السنة الذكرى المئوية لولادة قصيدة "الأرض اليباب"، أو "الأرض الخراب"، وفقاً للترجمات، التي كتبها الشاعر الأميركي - البريطاني توماس ستيرنز إليوت. نُشرت القصيدة للمرة الأولى في العدد الأول من مجلة "المعيار" (The Criterion)، في شهر تشرين الأول/أكتوبر من العام 1922، وهي المجلة التي كان إليوت نفسه يديرها في لندن. كما مرّت في 26 أيلول/سبتمبر الماضي ذكرى ميلاد إليوت نفسه (1888)، في سان لويس بالولايات المتحدة الأميركية.
الكثير عن رجلٍ واحد
يبلغ عدد الدراسات والترجمات التي كُتبت عن إليوت أكثر من 100، كتبها كُتّاب ونُقّاد ومتأثِّرون من كافّة أنحاء العالم، ومن ضمنهم دارسون ومهتمّون من العالم العربي. وقد كرّس بعض هؤلاء حياته من أجل البحث والتقصي عن إليوت، الشاعر والناقد والمفكّر والمؤلّف المسرحي، نذكر منهم ماهر شفيق فريد، الذي قدّم "المختار من نقد إليوت" في 4 أجزاء، وأصدره "المشروع القومي للترجمة" في مصر، واستغرق ذلك من حياته 36 سنة، كما أنّه أنجز أيضاً كتاب "ت. س. إليوت، شاعراً وناقداً وكاتباً مسرحياً"، الصادر عن "المشروع القومي للترجمة" كذلك، وجمع فيه مجموعة من الدراسات والبيوغرافيا عن الشاعر بأقلام طائفة من النُّقّاد الأميركيين والبريطانيين.
وفي هذا الإطار يمكن أيضاً ذِكر كتاب ف. أ. ماثيسن، "ت. س. إليوت الشاعر الناقد"، الذي ترجمه إحسان عباس، ضمن الأمثلة التي لا يمكن حصرها عن الكتب التي تناولت أحد أعمدة الحداثة الشعرية في القرن الـ20.
يبلغ عدد الدراسات والترجمات التي كُتبت عن إليوت أكثر من 100، كتبها كُتّاب ونُقّاد ومتأثِّرون من كافّة أنحاء العالم، ومن ضمنهم دارسون ومهتمّون من العالم العربي.
إنّ المصادر عن حياة إليوت، الأميركي الذي اختار أن يكون إنكليزياً وأوروبياً، كثيرةٌ جداً. لذا، يمكن الاستعانة بكتاب عام 1949 من "دائرة المعارف البريطانية"، وكتاب "ت. س. إليوت" من تحرير هيوكينر، ومعجم تراجم الأدباء الإنكليز والأميركيين، لمعرفة لمحة عن حياة الشاعر، التي يمكن إيجادها مفصَّلةً أكثر في تقديم بعض الترجمات لمطوّلته "أرض اليباب"، ومنها ترجمات يوسف اليوسف ونبيل راغب وعبد الواحد لؤلؤة.
حياة أكاديمية في مجملها
أكمل توماس ستيرنز إليوت تعليمه الابتدائي والثانوي في سانت لويس سنة 1905، وكان حينها في الـ17 من عمره. أرسله أبواه إلى جامعة "هارفارد" ليقضي سنةً في "أكاديمية ملتون"، ثم ليدرس الفلسفة في جامعة "هارفارد"، حيث حصل على الإجازة فيها في العام 1909.
في العام التالي، ذهب إليوت إلى فرنسا ليدرس الأدب والفلسفة في جامعة "السوربون"، ويتعرّف على الأدب الرمزي الفرنسي. عاد إليوت إلى "هارفارد" بعد 3 سنوات قضاها في دراسة المنطق وعلم النفس واللغة السنسكريتية والتصوف الهندي، كما عُيّن أستاذاً للفلسفة في الجامعة نفسها لفترة، قبل أن يرحل إلى إنكلترا، من أجل دراسة الفلسفة اليونانية في جامعة "أوكسفورد".
ذهب إليوت إلى فرنسا ليدرس الأدب والفلسفة في جامعة "السوربون"، ويتعرّف على الأدب الرمزي الفرنسي. ثم عاد إلى "هارفارد" بعد 3 سنوات قضاها في دراسة المنطق وعلم النفس واللغة السنسكريتية والتصوف الهندي.
لم يهدأ نشاط إليوت الأدبي منذ شبابه، حين عمل في البداية مساعداً لرئيس تحرير مجلة "ذا إيغويست" الأدبية. كما أنّه بدأ إنتاجه الأدبي منذ العام 1910، وذلك من خلال قصائده الباكرة مثل "صورة سيدة" و"بروفرك"، التي أتمّها وأرسلها كمخطوطٍ إلى الشاعر عزرا باوند، الذي أرسلها بدوره إلى أسرة تحرير مجلة "شعر" في شيكاغو، حيث نُشِرت في العام 1915.
في فهم "المعادل الموضوعي"
إنّ العام الذي يعنينا من حياة إليوت هو 1922، حين نشر قصيدته "الأرض اليباب"، وذلك بعد دراسةٍ له عن مسرحية "هاملت" لشكسبير، حملت عنوان "هاملت ومشاكله"، صاغ فيها مصطلحه "المُعادل الموضوعي"، الذي تسبَّب بالكثير من المعارك النقدية في العالم العربي.
ويمكن سَوق مثالين من تقديم بعض الترجمات عن المصطلح، حيث يقول الناقد يوسف اليوسف عنه إنَّه لا يحسبه شيئاً ذا قيمة كبرى، وفَهِمه على أنَّه "الكلمة، أو الأنسوجة (الأخيولة، الشذرة التصويرية) التي تلمُّ الأبعاد وتحشدها في المركز، وتُعبّر عنها بكثافة". ويضيف: "انطلاقاً من هذا الفهم، لا يعدو "البديل الموضوعي" كونه توصيفاً للمُعطى، فالشاعر يقدِّم شيئاً ما لكي يكون بديلاً عن الموضوع الذي يتعامل معه في القصيدة"، ويتابع "إنَّ هذا المصطلح المشتق من نظرية مالارميه، وبفتورٍ ذهني إنكليزي، لا يصلح معياراً للحكم على الشعر".
أما المترجم نبيل راغب فيفهم "المُعادل الموضوعي" على نحوٍ مختلف، ويعتبر كذلك أنَّ قصيدة "أرض الضياع"، كما يترجمها، هي "تجسيد شعري وفني لنظرية إليوت".
نشر إليوت قصيدته "الأرض اليباب" في العام 1922، بعد دراسةٍ له عن مسرحية "هاملت" لشكسبير، صاغ فيها مصطلحه "المُعادل الموضوعي"، الذي تسبَّب بالكثير من المعارك النقدية في العالم العربي.
يقول إليوت، في معرض حديثه عن نظريته: "الطريق الوحيدة للتعبير عن الشعور في شكل فني هو إيجاد مُعادل موضوعي له، أو بعبارة أخرى، إيجاد مجموعة أشياء، أو وضع معين، أو سلسلة أحداث، تؤلّف مكونات ذلك الشعور المحدد، بحيث عندما تقدم تلك الحقائق الخارجية، التي يجب أن تنتهي بتجربة حسية، فإنّ الشعور يُستثار في الحال".
كما يشرح ماثيسن المصطلح في كتابه المذكور أعلاه، "إليوت الشاعر والناقد"، على نحوٍ موسَّعٍ، وبتعليقاتٍ إضافيةٍ.
ملحمة القرن الـ20
بالعودة إلى قصيدة "الأرض اليباب"، التي منحت إليوت شهرته العالمية، فإنَّ الكثير من النُّقّاد يعدّونها أفضل إنجاز شعري قام به.
في السنوات التي تلت الحرب العالمية الأولى، وتحديداً بين 1919 و1930، عمَّ القلق القارة الأوروبية، وساد جميع الأدباء شعورٌ بالتشاؤم، وكان أولهم - أو "أكثرهم نعيباً" حسب وصف سلامة موسى – ت. س. إليوت.
في هذه الظروف كتب إليوت مطوَّلته التي تتألف من 433 بيتاً، والتي أصبح يُنظر إليها كرمزٍ لاشمئزاز جيلٍ ما بعد الحرب وانقشاع الأوهام عن عينيه. وقد وصف أحدهم هذه القصيدة بأنّها "ألعوبة هذا القرن"، إلا أنَّ تأثيرها كان عظيماً.
كتب إليوت قصيدته وهو مريض، في خريف العام 1921، وفي ظل إحساسه بأنّ موارد الحضارة الأوروبية أشرفت على النضوب، وأنّ أوروبا عامّةً قد تدهورت.
يحكي هيوكينر، في كتابه "ت. س. إليوت الشاعر الخفي"، قصة القصيدة ومسودتها التي وصلت إلى يدي الشاعر الأميركي عزرا باوند، الذي حذف منها الكثير حتى أوصلها إلى 19 صفحة، وكتب لإليوت يقول إنّها "أطول قصيدة في اللغة الإنكليزية".
استلهم إليوت خلطةً من مخزونه الثقافي والمعرفي والنفسي، ولشد ما كانت القصيدة مترعة بالتناص والإشارات والتضمينات، نشرها فيما بعد مع هوامش وشروحات وافية فكّت بعض مفاتيحها، إلى جانب التفسيرات والكتابات النقدية التي كُتِبت عنها، على مدى عقودٍ من الزمن.
كتب إليوت قصيدته وهو مريض، في خريف العام 1921، وفي ظل إحساسه بأنّ موارد الحضارة الأوروبية أشرفت على النضوب، وأنّ أوروبا عامّةً قد تدهورت.
نقرأ من الهوامش التي وضعها إليوت على القصيدة أنّه لم يستوحِ العنوان فقط، ولكن أيضاً الخُطّة وقَدراً كبيراً من الرمزية، من كتاب الآنسة جيسي. أل. ويتسون، المعنون "من الطقس إلى الرومانس"، وهو مَدينٌ لكتاب آخر من كتب الأنثروبولوجيا، هو "الغصن الذهبي" لجيمس فريزر.
تنقسم القصيدة إلى 5 أقسام، حسب الترتيب التالي: "دفن الموتى"، "لعبة شطرنج"، "موعظة النار"، "الموت بالماء"، "ماذا قال الرعد؟". وتستند في بنيتها إلى مصادر أنثروبولوجية وفلسفية وثقافية وشعرية، من التراث الإنساني كله، وفي كلِّ سطرٍ منها تقريباً، بالإضافة إلى التناصّ مع الأساطير القديمة، اليونانية والرومانية والشرقية، كما تدخل فيها مفردات إغريقية ولاتينية وإيطالية وألمانية وفرنسية. يمكننا القول إنَّ إليوت استوعب في قصيدته التراث الإنساني، وهضمه فكرياً وروحياً إلى أن صار تراثه الخاص.
لم ينجُ أحدٌ من تأثيره
يمكن القول إنّ أثر إليوت توغّل عميقاً جداً في العالم، حتى لم ينجُ منه أحدٌ. ثمة دراسات عربية كثيرة، منها دراسة تقارن بين إليوت والشعراء العرب، إذ إنّه أثّر على العديد منهم، مثل بدر شاكر السياب، صلاح عبد الصبور، خليل حاوي، وأدونيس. وتوجد دراسة خاصة تتناول تأثير قصيدة "الأرض الخراب" على الشعر العربي الحديث، لديزيره سقال، بعنوان "الأرض الخراب والشعر العربي الحديث".
كما أنّ الترجمات العربية للقصيدة بلغت 8، آخرها ترجمة ودراسة أنجرها فاضل السلطاني، صدرت عام 2021 عن "دار المدى"، حملت عنوان "الأرض اليباب وتناصّها مع التراث الإنساني"، وتضمّنت دراسة مقارنة لـ 6 ترجمات عربية، هي ترجمة أدونيس ويوسف الخال عن دار "مجلة شعر"، ترجمة لويس عوض عن "وزارة الثقافة المصرية"، ترجمة عبد الواحد لؤلؤة عن "المؤسسة العربية للدراسات والنشر"، ترجمة يوسف اليوسف عن "دار منارات"، ترجمة ماهر شفيق فريد عن "الهيئة المصرية العامة للكتاب"، وأخيراً ترجمة توفيق صايغ عن "منشورات الجمل". أما الترجمة التي لم يتناولها السلطاني في كتابه فهي ترجمة نبيل راغب عن "المشروع القومي للترجمة" في مصر.
توغّل أثر إليوت عميقاً جداً في العالم، وكان الشعراء العرب من جملة من تأثّروا به، وأبرز هؤلاء بدر شاكر السياب، صلاح عبد الصبور، خليل حاوي، وأدونيس.
يصف السلطاني قصيدة إليوت بأنّها "ملحمة القرن الـ20". كما أنَّ بيانات دور النشر البريطانية تشير إلى أنّها ما تزال مقروءةً حتى الآن، مثلها مثل رواية "1984" لجورج أورويل.
يشرح السلطاني كذلك مضمون القصيدة بأقسامها الـ5، ويدرس ويقارن الترجمات العربية الـ6 في كلِّ قسمٍ على حدة. فيما يفسّر خلدون الشمعة، في تقديمه لكتاب السلطاني، سبب الترجمات العربية الكثيرة لملحمة إليوت، بأنَّها "داروينية في حرصها على الكمال والاكتمال، أي أنّها فعل دارويني المَنزع، بسبب التكرار الذي تمثله هذه التعددية في الترجمة".
توفّي ت. س. إليوت، الذي حاز جائزة "نوبل" في الأدب سنة 1948، في الـ4 من كانون الثاني/يناير من العام 1965. وبعد وقتٍ قصيرٍ من موته، تكوّنت صورةٌ واضحةٌ عن الظروف التي كُتبت فيها قصيدته الأشهر، وذلك بعد اكتشاف مسودات مهملة.
تبقى في النهاية كلمات عزرا باوند تتردد عن الشاعر الأبرز في القرن الـ20: "كلما عرفنا إليوت أكثر كلما كان ذلك أفضل".