عمى سلمان رشدي وبصيرة خوسيه ساراماغو
هل أصاب العمى التام سلمان رشدي؟ ذلك بأنّ كلّ هذه الصور المتدفقة من جحيم غزة والإبادة الجماعية لم تترك أثراً في بصر هذا الروائي الإشكالي وبصيرته، ولم توقظ ضميره النائم.
هل أصاب العمى التام سلمان رشدي بعد أن فقد إحدى عينيه في حادثة اعتداء؟ ذلك بأنّ كلّ هذه الصور المتدفقة من جحيم غزة، والإبادة الجماعية التي ترتكبها "إسرائيل" يومياً على الهواء مباشرة، لم تترك أثراً في بصر هذا الروائي الإشكالي وبصيرته، ولم توقظ ضميره النائم بشأن مناصرة الشعب الفلسطيني، الذي يرزح تحت وطأة أعتى وآخر استعمار استيطاني في العالم.
بحسب تصريحاته الأخيرة، يخشى صاحب "العار" أن تتحوّل فلسطين إلى "طالبان أخرى"، من دون أن يتجاهل المسلخ البشري المفتوح منذ أكثر من 8 أشهر، لكنه يتهم المقاومة بأنها من أشعل الفتيل أولاً، كأن فلسطينيي غزة قبل الـ7 من أكتوبر 2023 كانوا يسبحون في العسل.
هذا الرهاب من الإسلام أغمض عينه السليمة عن حق الفلسطينيين في أرضهم، وعن المجازر المتعاقبة طوال 75 عاماً، كما أنه تخلّى عن قناعاته القديمة حيال الشعب الفلسطيني، والتي أعلنها قبل أعوام، في أثناء تقديمه إدوارد سعيد في ندوة جمعتهما في لندن، كونهما نموذجاً عن المنفي عن أرضه الأم.
حينذاك، استشهد بقصيدة محمود درويش "تضيق بنا الأرض" كمثال على التراجيديا الفلسطينية. لكن سلمان رشدي، في نسخته الجديدة، وفقاً لما نشرته " Middle East Eye"، سينسف موقفه القديم، وسيستهجن تظاهرات الطلبة في معظم الجامعات العالمية في تضامنها مع الفلسطينيين، مؤكداً أن هذه النفحة العاطفية " لا يجب أن تنحرف لتُصبح عداءً للسامية، ونصرةً لحماس". وينبّه لخطورة الاستسلام أمام المقاومة الفلسطينية.
في الصورة المقابلة للمرآة، سنتذكّر موقف مثقف عالمي آخر، هو الروائي البرتغالي الراحل، خوسيه ساراماغو، الذي زار غزة عام 2002 يوماً واحداً فقط، وكيف عاش صدمة عنيفة إزاء ما شهده من وقائع مخزية عن الأوضاع الإنسانية التي لا تُحتمل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فلم يتردّد في القول: "إن ما يحدث في فلسطين جريمة يمكن أن نضعها في المستوى نفسه لما حدث في "أوشفيتس" ومعسكرات الإبادة النازية. وإنّ هناك إحساساً بالإفلات من العقاب يميّز الشعب الإسرائيلي وجيشه، بحيث تحولوا إلى مالكين للمحرقة".
تصريح ناري أثار غضب الإسرائيليين الذين حاولوا منح الروائي فرصة في تبرير أقواله أو التخلّي عن رأيه، لكن صاحب "العمى" أكد ثانية ما قاله قبلاً من دون أن يعبأ بالخطوط الحمر التي وضعتها "دولة" الاحتلال بخصوص "الربط بين مأساة اليهود التاريخية والمأساة الفلسطينية الراهنة".
على سكّة أدب ما بعد الكولونيالية، التي ينتسب إليها سلمان رشدي بامتياز، سنلتقي متبرعاً آخر في تبرير العنف الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، هو الطاهر بن جلون، الذي كتب، في مقاله الأسبوعي في محلة "لوبوان" الفرنسية، عشية الـ من7 أكتوبر، أنه يشعر بالعار إزاء ما فعله هؤلاء "الحيوانات" في هجومهم "الهمجي" على "اليهود". وسنصدف في الطريق مثقفين آخرين يمجدّون الصهيونية على أمل الحصول على شهادة حسن سلوك تخوّلهم الصعود إلى المنصات العالمية.
في المقلب الآخر، لجأ مثقفون عرب إلى الصمت المطبق وتعطيل عمل الحواس، خشية أن يتلوّث حبرهم بالدم الفلسطيني، ولم يغامروا في كتابة تدوينة واحدة في صفحاتهم الشخصية في وسائل التواصل الاجتماعي، خشية دفع فاتورة تضر مستقبلهم في هذه العاصمة أو تلك!
يطمع سلمان رشدي والطاهر بن جلون في نوبل الآداب، وتالياً لا بد من عبور هذا البرزخ، بينما يسيل لعاب الآخرين لمهرجان هنا، ومائدة دسمة هناك، ومنحة في مكانٍ آخر. يشبه هؤلاء المثقفون لاعبي الأكروبات، ويجيدون بمهارة لعبة "عجين الفلاحة".
اقرأوا رواية "العمى" لخوسيه ساراماغو كي لا تقعوا في حفرة!