جدل افتراضي بعد تقييد مشاهدة فيلم "فرحة" على "نتفلكس"
تفاعل واسع وغضب في وسائل التواصل الاجتماعي، بعد تقييد الوصول إلى فيلم "فرحة" الذي يتناول النكبة الفلسطينية عبر منصة "نتفلكس"، وذلك إثر حملة إسرائيلية لمنع عرضه.
لا مجال لأي رواية أخرى عند من يخافون الكلمة، الذين تبلغ سرديتهم من الهشاشة التاريخية والموضوعية حدّ أنّه يمكن لكتاب أو فيلم سينما أن يهزّها على مستوى العالم أجمع، وفي أنظار رأي عام عالمي تعوّد على سماع وجهة نظر واحدة، فإذا بوجهة النظر المناقضة تتسلل إليه بكل سهولة عبر منصات العرض واسعة الانتشار، لتضعه أمام سؤال فلسطين، تلك الأرض التي قيل له يوماً إنّه "بلا شعب"، ليأتي فيلم "فرحة" ويخبره قصة قتل ذلك الشعب المُغيّب وتهجيره.
بعد بدء عرض فيلم "فرحة" على منصة "نتفليكس"، في توقيت مناسب هو الأول من شهر كانون الأول/ديسمبر، الذي يتزامن مع الهتاف باسم فلسطين ورفع أعلامها على مدرجات كأس العالم في قطر، اشتكى متابعون من أنّ المنصّة حذفت الفيلم من قائمة أفلامها، فيما قال آخرون إنّه ليس بوسع جميع مشتركي المنصّة الوصول إليه ومشاهدته، وأن الأمر يحتاج إلى استخدام تطبيقات الـ(VPN).
I deleted my earlier tweet about Netflix Germany not showing the film Farha because I couldn’t confirm it. Some people can find it, others (including myself) can’t. @NetflixDE, what’s going on??
— Marwa Fatafta مروة فطافطة (@marwasf) December 4, 2022
أتى هذا التقييد من قبل منصة الأفلام الأشهر عالمياً، بعد حملة اعتراض على عرض الفيلم عليها، قام بها إسرائيليون، طالبوا كذلك بإلغاء الاشتراك في "نتفليكس"، بزعم أنّ الفيلم "يُظهر الجنود الإسرائيليين على أنّهم قتلة، ويشبههم بالنازيين"، الأمر الذي أثار ردود فعل غاضبة لدى مغرّدين عرباً متواجدين في مختلف أنحاء العالم، وخاصة في ألمانيا التي كانت من أول الدول التي حُجب فيها الفيلم عن المنصة، حيث قال أحد المغردين إنّ "الفيلم يخضع للرقابة في ألمانيا، لأنّهم يفضّلون غسل وحشية "الأبارتهايد الإسرائيلي"، حتى يتمكنوا من الشعور بالرضا عن فاشيتهم مرة أخرى".
Censored in GERMANY, since they prefer to Kraut-wash the brutality of #ApartheidIsrael so they can feel good about their own fascism again.#ICC4IsraelNOW pic.twitter.com/ajiaZrblNi
— SmikSmak #SaveMasaferYatta (@SmakSmik) December 1, 2022
لم تقتصر الاعتراضات على فئات المتابعين في "إسرائيل"، بل انتقلت كذلك إلى صفوف السياسيين، مع مسارعة عضو "الكنيست" المتطرّف إيتمار بنغفير للانضمام إلى الحملة ضد الفيلم، الذي وصفه بأنّه "تحريضي"، ووزير المالية أفيغدور ليبرمان، الذي أوعز بسحب التمويل الذي تقدّمه حكومة الاحتلال الإسرائيلي لمسرح "السرايا"، الواقع في مدينة يافا المحتلة، وكذلك وزير الثقافة والرياضة حيلي تروير، اللذان اتهما الفيلم بأنّه "يشوّه صورة الجيش الإسرائيلي".
نقطة القوة في فيلم "فرحة" أنّه نجح في الوصول إلى الفئة التي يخاطبها عملياً، وهي الأجانب البعيدين جغرافياً عن أرض فلسطين المحتلة، حيث كان أول حضور عالمي له في "مهرجان تورونتو السينمائي الدولي" في كندا، ليبيّن لهم الواقع الذي لم تسعف التكنولوجيا في توثيقه قبل 74 عاماً، ولا في إيصال إنتاجات سابقة لهذا الفيلم، تتناول النكبة الفلسطينية والتهجير من الأرض، كمسلسل "التغريبة الفلسطينية" على سبيل المثال، فما يَرِد في الفيلم يعرفه الفلسطينيون والعرب عن ظهر قلب، ويشهدونه أو يشاهدونه في مناطق فلسطين المحتلة كل يوم تقريباً، وفي كل عدوان جديد على المدنيين في قطاع غزة.
يتناول الفيلم الذي كتبته وأخرجته نادين سلّام، معتمدة في ذلك على أحداث حقيقية، قصة طفلة فلسطينية تدعى "فرحة" شهدت مقتل أفراد أسرتها جميعاً، ومن ضمنهم طفل يبلغ من العمر عاماً واحداً فقط، من قِبل جنود من الجيش الإسرائيلي، خلال احتلال فلسطين في العام 1948، وذلك بعد أن تعرّضت قريتها لهجوم من قبلهم، مما دفع أباها إلى إخفائها في قبو بيتهم لحمايتها، لكنّها ترى من خلال الشق بين خشبات باب مخبأها المجرزة التي تقع في ساحة البيت، بكل وحشية وبرودة دم.
وحقق فيلم "فرحة" نجاحاً كبيراً قبل عرضه على المنصة العالمية، إذ نال جائزة "الاتحاد الأوروبي" في "مهرجان أسوان الدولي لسينما المرأة"، في شهر شباط/فبراير الماضي، كأفضل فيلم أورو - متوسطي يتناول قضايا المرأة في دول الاتحاد الأوروبي وحوض البحر المتوسط.
يكفي، في الختام، أن نستشهد بما قالته مخرجة العمل وكاتبته، دارين سلّام، في حديث صحفي، ردّاً على الحملات الإسرائيلية ضد الفيلم، والذي يعكس تغيّر العصر وأساليبه، بين الزمن الماضي الذي ضاعت فيه الأرض، والزمن الحالي الذي يسعى من خلاله أصحابها لاستعادتها، واستعادة روايتهم عمّا حصل فوقها قبل ذلك، إذ تقول سلّام:
"وجود الفيلم واقع، ووجودنا واقع. سُلبنا الكثير، لكن لن تُسلب أصواتنا".