"بانتظار يوم القيامة".. أي صورة للأم عند قباني والسعداوي؟
الأوّل "شاعر المرأة" والثانية "نصيرة المرأة".. من هي الأم والمرأة عند نزار قباني ونوال السعداوي؟
"إن النساء العربيات يعشن هولوكست نازيّاً له باب دخول وليس له باب خروج"، هكذا وصف الشاعر السوري الراحل نزار قباني أوضاع المرأة في العالم العربي، بينما كانت المصرية نوال السعداوي ترى أن المرأة تحيا في سجن كبير بسبب ظروفها الحياتية، ولم تستثنِ الكاتبة المصرية الراحلة إنجاب الأولاد من هذه المسألة.
وكان من باب المفارقة أن يولد "شاعر المرأة" نزار قباني في 21 آذار/مارس وأن تنتهي حياة "نصيرة المرأة" نوال السعداوي في التاريخ نفسه، وهو يوم عيد الأم؛ وأن تكون أمّ كليهما من أصول تركية، ولم يكن من باب المفارقة أيضاً أن يكون للأم نصيب مهم في إبداع كل منهما.
الأم بين نزار ونوال
في لقاء تلفزيوني مع الإعلامية ليلى الأطرش قال قباني إنه لا يقيم حداً جغرافياً فاصلاً بين المرأة والوطن. أما السعداوي فقد أخبرت الإعلامية وفاء الكيلاني أن سبب إمضائها على رواياتها بتوقيع "نوال زينب السيد"، هو أنها لا تفعل ذلك إلا في البلدان التي لا تحترم الأم ولا تقدّر وجودها وذلك نوع من أنواع التحدي. وقالت نصاً: "في الحقيقة لا حقوق للأمهات".
التقى قباني والسعداوي في معركة واحدة من دون أن يعلما شيئاً عن هذا الالتقاء، فنزار كان يعتبر المرأة العربية أرضاً مستعمرة ولا بدّ من تحريرها ثقافياً وإرادياً، وكانت السعداوي تجرح حين تذكر أن أمها ماتت واندثرت في التاريخ. ولدت 9 أبناء هي واحدة منهم بينما لم يحمل أي منهم اسمها.
لماذا كانت نوال السعداوي تنتظر "يوم القيامة"؟
في تقرير بعنوان شهادات نسوية إبداعية؛ تقول الكاتبة المصرية الراحلة: "عرفت من أبي ذات يوم وأنا تلميذة صغيرة أنهم سوف ينادون الناس يوم القيامة بأسماء أمّهاتهم. وسألته عن سبب ذلك، فقال لأن الأمومة مؤكّدة".
في التقرير ذاته الذي أجرته مجلة "الآداب" عام 1992، تقول السعداوي: "مع انتشار كتبي في العالم بلغات متعدّدة أصبح اسم أبي معروفاً، واسم أمّي راح في العدم، وأحياناً يختصرون اسمي بكلمة واحدة هي اسم جدّي، السعداوي. هكذا يحفر ذلك الرجل الغريب اسمه فوق جسدي وأغلفة كتبي إلى الأبد. لا شيء يواسيني سوى أنني بعد الموت يوم القيامة، سأخلع عني هذا الاسم الغريب وأحمل اسم أُمّي".
كانت نوال السعداوي تحتضن غضبها في الليل كالأمّ التي تحمل بالطفل من سفاح. ومما قالته في أحد كتبها: "قلت لأمي إذا لم تغضب المرأة من الظلم فهي ليست إنسانة. وقالت أمُّي أن تكوني إنسانة أفضل من أن تكوني أُنثى، وأمسكت جدّتي ذقنها وقالت: "وآدي دقني إن لقيتي حدّ يتجوّزك!".
الأم في إبداع نوال السعداوي
حضرت صورة الأم المقهورة بقوة في كتب وروايات نوال السعداوي، ففي رواية "سقوط الإمام" تقرّر الكاتبة في مشهد رئيس أن تكشف الحجاب عن وضع كثير من الأمهات المصريات/العربيات، فتقول على ألسنة شخوص الرواية ومنهم الراوية ذاتها: "أمي كانت تصلي الفجر قبل أن تذهب إلى الحقل وتعود بعد المغرب لتصلّي العشاء. أبي لم يركع ركعة واحدة ، وفي رمضان يأكل ويشرب ويدخّن الشيشة ويوزّع لياليه بين 4 زوجات بغير عدل. يعطي الزوجة الأخيرة 3 ليال وأمي ليلة واحدة. وأسمعه يقول: يغفر الله الذنوب جميعاً إلا أن نشرك به، إله واحد في السماء هو الله وحاكم واحد فوق الأرض وهو الإمام".
قبل أن يموت أبي زار قبر الرسول في المدينة ثم عاد يرتدي عباءةً بدلاً من الجلباب. وسمعته يقول ذات مرة: إن زيارة قبر النبي تمسح الذنوب ولا تبقي منها شيئاً، ومات أبي طاهراً من غير ذنوب.
وقبل أن تموت أمي قلت لها: "لماذا لا تزورين قبر الرسول لتلحقي بأبي في الجنة"؟
قالت: "باع أبوك المحصول ولم يعطني شيئاً، ليس معي ثمن الذهاب إلى مكة".
لم تمسح أمي ذنوبها، بل مسحت دموعها بكفها وقالت: "إذا فتح عليك الله يا بني أبواب الرزق فاشترِ لي تذكرةً إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم.
قلت: "هذا وعد يا أمي لن أنساه". ونسيت الوعد.. ونسيت وجه أمي".
كثيراً ما سخرت السعداوي، بطرق متعددة غالباً ما أثارت الجدل، من الذنوب التي تحمّلتها الأم، لدرجة أنها عنونت أحد فصول كتابها "أوراقي.. حياتي" بــ "ليس لأمي مكان في الجنة".
وربما كان القتال دفاعاً عن الأم هو ما ورَّثته نوال السعداوي لابنتها منى حلمي التي قالت في الذكرى الأولى لوفاة السعداوي: "أمام الناس، كانت "أمي". وهذه كانت لعبتنا الجادة، أو خدعتنا النبيلة. كذبة عشنا صدقها، قدر المتاح. كان "تزويراً رسمياً"، لم نعاقب عليه".
"الحبّ في العالم العربي سجين وأريد تحريره"
ربما لا يعلم كثيرون منا بحادث انتحار وصال شقيقة نزار قباني، والتي كانت بمثابة أم له، بعد أن أجبرها أهلها على الزواج من رجل لم تكن تحبّه، وهو الحدث الذي ترك أثراً عميقاً في نفس نزار.
ربَّما ساعد هذا الحادث في صياغة فلسفة نزار قباني العشقيّة لاحقاً ومفهومه عن صراع المرأة لتحقيق ذاتها وأنوثتها. ولم يكشف عن حقيقة هذه الحادثة باكراً، بل قال إنها توفيت بمرض القلب، إلا أن كوليت خوري كشفت قصة الانتحار، وهو ما ثبت لاحقاً في مذكراته الخاصة، إذ كتب: "إن الحبّ في العالم العربي سجين وأنا أريد تحريره".
يصف نزار حادثة الانتحار بقوله: "صورة أختي وهي تموت من أجل الحُبّ محفورة في لحمي... كانت في ميتتها أجمل من رابعة العدويّة". كما ارتبط نزار بعلاقة قوية مع أمه، فايزة آقبيق ذات الأصل التركي، وكان نزار متعلقاً بها كثيراً، ويُقال إنها ظلت ترضعه من صدرها حتى بلغ السابعة من عمره، وتطعمه الطعام بيدها حتى بلغ الثالثة عشرة من عمره، حتى قالوا عنه إنه يعاني من عقدة أوديب.
الأم والوطن والمدينة عند نزار ونوال
تقول نوال السعداوي في كتابها "الوجه العاري للمرأة العربية"، "حين ماتت أمي ماتت معها المدينة، أصبح الكون ميتاً، ألهذا كانت الأم مقدسة أو ملعونة في الكتب السماوية؟ يوم 28 أيلول/سبتمبر 1958 ماتت أمي، كتبت في مفكرتي السرية أقول: "كأنما ماتت مدينة القاهرة مع أمي، كيف تتحوّل المرأة إلى مدينة؟ أهي المرأة الأولى في التاريخ؟".
وكما اتفقا في تاريخ الميلاد والوفاة مع عيد الأم، اتفق كذلك نزار مع نوال في المماهاة بين الأم والوطن. فقد كتب: "كلما غنيت باسم امرأة أسقطوا قوميتي عني وقالوا: كيف لا تكتب شعراً للوطن! وهل المرأة شيء آخر غير الوطن". وقال أيضاً إن:"الوطن الذي تكون فيه المرأة عبدة هو وطن مستعمر".