"بائع الأحلام".. هذا ما تفعله بنا الرأسمالية
يقدم الفيلم البرازيلي "بائع الأحلام"حكاية تسعى لتفسير أسباب أزمات الأفراد في المجتمع الخاضع للنظام الرأسمالي.
يقدم الفيلم البرازيلي "بائع الأحلام" (2016)، نمطاً مختلفاً من الميلودراما. نمط لا يسعى وراء التأثير العاطفي على المشاهد، كما هو حال الميلودراما التقليدية، بل يهدف لأن يخاطب العقول من خلال حكاية، واقعية وغير واقعية في آن، تدور أحداثها في عالمنا المعاصر، ولا تقتصر على بلد دون غيره. حكاية تسعى لتفسير أسباب أزمات الأفراد في المجتمع الخاضع للنظام الرأسمالي، ومن هذه الزاوية قد يمكن اعتبار الفيلم، إلى حد ما، فيلماً يقارب الموضوع السياسي، لكن، من دون أن يتعمق فيه.
الفيلم من إخراج جايمي مونجارديم، وهو مقتبس عن رواية بنفس الاسم كتبها عالم نفس برازيلي يدعى أوغوستو كوري ونقلت إلى المسرح قبل أن تتحول إلى فيلم سينمائي.
يذكّر عنوان الرواية، وهو نفسه عنوان الفيلم، برواية غابريل غارسيا ماركيز "بائعة الأحلام" التي كانت قصة قصيرة في الأصل عنوانها "أبيع أحلامي"، وتحولت إلى "بائعة الأحلام" كنتاج لورشة سيناريو عقدها ماركيز في كوبا. وصدرت لاحقاً كنص روائي، بطلته امرأة تدق أبواب الناس لتبيعهم أحلامها.
تشير اللقطات الافتتاحية للفيلم إلى مدينة معاصرة تملؤها ناطحات السحاب والعمارات الشاهقة. يدخل إحدى العمارات رجل في خريف العمر، سيتضح أنه "سيزار" مالك الشركة التي تحتل هذه العمارة، وهو إمبراطور مالي، وسنتابعه وهو يمر مسرعاً أمام موظفيه، يدخل إلى مكتبه، ثم نراه من ظهره وهو واقف أمام النافذة يتأمل المدينة من عل بصمت.
يتلو ذلك مشهد آخر. يخرج رجل، هو أيضاً في خريف العمر، سنعرف لاحقاً أنه عالم وأستاذ علم نفس، من نافذة الطابق الواحد والعشرين من مبنى شاهق بقصد الانتحار. لكنه يتردد. يتجمع الناس في الأسفل بانتظار ما قد يحدث. يمر شخص متشرد بين الحشد، معروف بين الناس باسم "بائع الأحلام". ينتظر قليلاً، ثم يصعد إلى حيث الرجل الموشك على الانتحار، يتسلق النافذة ويخرج إليه ويحادثه ويتمكن من إقناعه بالعدول عن الانتحار، ثم يهبطان ويغادران المكان سوية.
منذ هذه اللحظة، سيتصدر "بائع الأحلام" و"سيزار" واجهة الأحداث، بعد أن يقرر "سيزار" الانضمام إلى "بائع الأحلام" في حياة التشرد ويصبح تابعاً له، يرافقه في جولاته في كل مكان يتجمع فيه الناس: مأوى عجزة، جنازة، كنيسة، وليمة، عرس، مدرسة، وغير ذلك.
يجسد "بائع الأحلام" شخصية داعية يتنقل بين الناس ويحرضهم على التفكير الإيجابي لتجاوز ما يواجهون من أزمات حياتية. وسرعان ما يصبح شخصاً مؤثراً تنتشر شعبيته بين الناس ويزداد مؤيدوه يوماً بعد يوم.
هكذا يصبح "بائع الأحلام" الشخصية الرئيسية في الفيلم وحامل ما يريد النص أن يطرحه من أفكار يبثها بين الناس، أساسها فضح التأثير الضار للنظام الرأسمالي المتوحش على البشر بكافة طبقاتهم وحتى الرأسماليين من ضمنهم، والذين بدورهم يصبحون ضحايا شرور نظامهم، تماماً، كما حصل معه. يتساءل "بائع الأحلام" في بعض مواعظه:
- أي واحد منكم سيكون أغنى رجل في المقبرة؟
- أين السعادة التي وعد بها النظام أولئك الذين يصلون إلى ذروة الرأسمالية؟
يقول أثناء حضوره تجمع عزاء:
- أنتم حزينون لأنكم تتركونه وحيداً في المكان الذي يجب أن يكون فيه حياً، في داخلكم.
- الموت ليس نهاية للحياة.
- يمكن أن يكون التأبين مكاناً للدموع، أو مكاناً للذكريات.
يتضح الجانب السياسي في الفيلم، المخلوط بلمسة الميلودراما، من المشاهد والأحداث التي تستعيد حياة "بائع الأحلام"، رجل الأعمال السابق، الإنسان الطيب، الذي اكتشف الفساد في شركاته، حتى من أقرب المقربين إليه، ولعجزه عن تصحيح الأوضاع، يقرر في النهاية التخلي عن كل شيء، واللجوء إلى حياة التشرد، يدور بين الناس ويعضهم.
أما الجانب الميلودرامي فيتضح أكثر من حكاية "سيزار" الذي فكر بنفسه أكثر مما فكر بعائلته، وبخاصة ابنه الشاب الذي هرب من البيت، وحين أدرك ذلك متأخراً قرر الانتحار. وسنجد "سيزار" في نهاية الفيلم "السعيدة" يتصالح مع ابنه، الذي بدوره كان قد صعد لينتحر قفزاً من نفس الطابق، كما والده، ويصعد إليه والده، كما فعل معه "بائع الأحلام"، ويعتذر منه ويرضيه، ثم يتعانقان.
شخصية "بائع الأحلام" شخصية ذهنية افتراضية، أكثر مما هي شخصية واقعية، ولا يمكن قبولها إلا على هذا الأساس. من ناحية ثانية، قد يمكن تفسير عنوان الفيلم من زاوية أخرى معاكسة، فبطل الفيلم يبيع "الأحلام"، وفقط لا غير.