الشاي: العشبة الطبية التي تحولت إلى ثقافة عالمية
بمناسبة "اليوم العالمي للشاي"، نستعرض كيفية تناول الكتب لهذه العشبة، التي تحوّلت من الاستخدام الطبّيّ إلى أحد أكثر المشروبات انتشاراً في العالم.
يحتفل العالم في 21 أيار/مايو من كل عام بـ"اليوم العالمي للشاي"، الذي أعلنته الأمم المتحدة بهدف "التذكير بالتاريخ الطويل للشاي، والأهمية الثقافية والاقتصادية العميقة له في جميع أنحاء العالم"، بالإضافة إلى "التوعية بالأخطار البيئية التي يمكن أن تعيق زراعته في المستقبل".
اقرأ أيضاً: لماذا لم تتخلَّ الشعوب عن فوائد القرفة منذ 2000 عام؟
يَحُضر الشاي داخل الكتب بدرجاتٍ متفاوتةٍ، فهو ليس موضوعاً رئيسياً في الأدب التخييلي، إنما يؤنس جلسات الشخصيات ولياليهم، أو يكون وسيلةً للتعارف والتقارب فيما بينهم. وفي المقابل، يمكن لحضوره أن يكون أكبر في الكتب غير التخييلية، خاصَّةً المقالات والكتب التخصصية التي تأخذ طابعاً تأريخياً.
السماور، حُجرة الشاي، وقلق حسام بيرقدار
يحجز السماور لنفسه مكاناً في الروايات والقصص القصيرة الروسية، المكتوبة تحديداً في القرن التاسع عشر؛ روايات دوستويفسكي وتولستوي وتورغينيف، وقصص غوغول وتشيخوف. وبالمثل فإنَّ الروايات الإنكليزية من القرن ذاته، وقصص أغاثا كريستي البوليسية من القرن العشرين، تحفل بجلسات تناول الشاي، الذي خصصت له الأسر موعداً محدَّداً عند الساعة الخامسة عصراً، ليكون بمثابة وجبةٍ يوميةٍ رابعةٍ مصحوبةٍ بالبسكويت والحلوى، يجتمع أفراد الأسرة لتناوله في حجراتٍ مخصَّصةٍ له ضمن المنازل الكبرى والقصور.
تحمل رواية ربيع جابر الثانية عنوان "شاي أسود". يُؤنس هذا الشاي الثقيل حسام بيرقدار، بطل الرواية القلق والمملوء بالهواجس، خلال لياليه الطويلة المؤرَّقة بالأفكار التي يقضيها في غرفته الصغيرة، كما أنّه يدفع عنه النوم الذي يُعيد إليه أطياف رفاقه من زمنٍ مضى، زمن الحرب الأهلية الذي يجهد من أجل نسيانه.
العشبة الطبية التي تحوّلت إلى مذهبٍ جماليٍّ راقٍ
يخوض "كتاب الشاي" لمؤلّفه الياباني أوكاكورا كاكوزو بشكلٍ تفصيليٍّ في تاريخ هذه النبتة، ويستعرض طرق وطقوس تحضيرها وتقديمها واحتسائها، في الجزيرة التي تحتفظ بمسافةٍ تفصلها عن بقية الكوكب، جغرافياً وثقافياً. يرتقي كل ما يتعلّق بالشاي إلى مرتبة الفن في اليابان، فهو غالباً ما يُحضّر طازجاً، بعد قطفه مباشرةً، من دون تركه ليجفَّ ويصبح بُنيّ اللون، كما هو شكل تناوله السائد وتعليبه وتصنيعه في العالم. نقرأ في فهرس هذا الكتاب عناوينَ فصولٍ من قبيل: "مدارس الشاي"، "حجرة الشاي"، و"معلمو الشاي".
يبدأ الكتاب بهذه الافتتاحية الإيضاحية: "قبل أن يصبح الشاي شراباً كان عشبةً طبيةً، إلى أن أدخلته الصين في القرن الثامن الميلادي إلى مملكة الشعر، بوصفه واحداً من المتع الكيّسة. أما القرن الخامس عشر فقد شهد رفع اليابان للشاي إلى مصافّ المذاهب الجمالية الراقية".
أما الرأي الخاص لواضع الكتاب، فيرتقي بالشاي فوق كلِّ ما نبت في يومٍ من الأيام في تربةٍ، حيث يقول: "ينطوي الشاي على سحر خفي يجعله لا يقاوَم، ويمنحه القدرة على إسباغ الإحساس بالمثالية. فالشاي ينأى بنفسه عن غطرسة النبيذ، وعن غرور القهوة، وعن البراءة المتكلّفة في نبتة الكاكاو".
إقرأ أيضاً: الكرك: مشروب شرق أوسطي غني بالفوائد.. كيف نعدّه بدقائق؟
غالباً ما يُحضّر الشاي طازجاً في اليابان، بعد قطفه مباشرةً، من دون تركه ليجفَّ ويصبح بُنيّ اللون، كما هو شكل تناوله السائد وتعليبه وتصنيعه في العالم.
فيما الرأي الأعمق والأكثر غراماً، راح يتتبّع رحلة السائل الساخن عبر الأوصال، واصفاً تفاعل الجسم مع كل كوبٍ منه، وأتى من الشاعر الصيني القديم لو تونغ، وقد وضعه كاكوزو في مفتتح كتابه، وورد فيه "الكوب الأول يرطّب شفتيَّ وحلقي، والكوب الثاني يكسر وحدتي، والكوب الثالث يجوس داخلي المجدب، فلا يجد هناك سوى نحو خمسة آلاف مجلّد من النقوش الغريبة. الكوب الرابع يتسبب بتعرّق بسيط تخرج معه من مسامي جميع مساوئ العيش. وحين أصل إلى الكوب الخامس أكون قد تطهّرت، والكوب السادس يناديني إلى جنات الخُلد. أما الكوب السابع... آه، لا أستطيع تناول المزيد! لا أحسّ سوى بهبوب الريح في أكمامي".
"احتساء الشاي مع جماعة طالبان"
في كتاب المذكّرات "ثلاثة أكوابٍ من الشاي"، يوثّق الكاتب ديفيد أوليفير ريلين عمل مواطنه الأميركي غريغ مورتنسون في بناء مدارس ابتدائية للإناث في شمالي باكستان، الذي قرر القيام به كردِّ جميلٍ لسكان تلك المنطقة، بعد أن تاه خلال رحلة تسلّق جبال فأنقذه السكان المحليون.
يشكّل الشاي عنواناً لكرم الضيافة وإعلان الصداقة، ووسيلةً للتقارب بين الناس المتباعدين في عاداتهم الاجتماعية وبلدانهم الأصلية.
يشكّل الشاي عنواناً لكرم الضيافة وإعلان الصداقة، ووسيلةً للتقارب بين الناس المتباعدين في عاداتهم الاجتماعية وبلدانهم الأصلية، إلى درجة أنَّ أحد فصول الكتاب يحمل عنوان "احتساء الشاي مع جماعة طالبان"، وهي الجماعة التي كانت تعارض بشكلٍ قاطعٍ دخول البنات إلى المدارس وحصولهنَّ على التعليم. وما يضاعف أهمية كوب الشاي الذي شربه مورتنسون مع عناصر "طالبان – باكستان" أنَّ تاريخه يعود إلى الفترة التي سبقت مباشرةً هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001، حيث كانت الحركة تسيطر على الحكم في أفغانستان، ولها تواجدٌ قوي كذلك في المناطق القريبة من حدودها في باكستان المجاورة.
الكاتب الرصين: هذه هي طريقة التحضير المُثلى
كَثُرت المقالات التي تناولت الشاي بطرقٍ متعدِّدةٍ ومن زوايا مختلفةٍ، ربما تكون أشهرها على الإطلاق مقالة الكاتب البريطاني جورج أورويل، التي نشرها في العام 1946، بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها وصار بإمكانه التخفُّف من الموضوعات، بعد أن خفّت ضغوط الحياة والأخطار التي تتهدَّدها.
ينصح أورويل في مقالته التي عنونها "كوبٌ لذيذٌ من الشاي" باستخدام الشاي الهندي أو السيلاني، والابتعاد عن الشاي الصيني لأنّه "لا يُنَشِّط كثيراً، ولا يُشعِرُ المرءَ بأنَّهُ أكثرُ حكمةً أو شجاعةً أو تفاؤلاً بعد شربه"، مخالفاً بذلك رأي الشاعر الصيني لو تونغ، ولكنَّه يؤكِّد بالمقابل أنَّ أفضل أنواع الأباريق للحصول على كوب الشاي المثالي هي تلك المصنوعة من الخزف الصيني.
تبدو الجدّية التي يتناول فيها كاتبٌ شديد الواقعية، أبدع اثنتين من أشهر روايات الأدب السياسي في القرن العشرين، "مزرعة الحيوانات" و"1984"، مستغرَبةً للوهلة الأولى، لكنّه يتابع مستعرضاً الاتفاقات والاختلافات في طرق إعداد الشاي بين محبّيه، ومقدِّماً الطريقة المثلى التي تُرضي ذوقه.