هل عاد بايدن خالي الوفاض من الرياض؟
زيارة بايدن إلى السعودية لم تخرج بنتائج يمكن وضعها على الطاولة الأميركية كإنجاز. فلم يحظَ بايدن بالاحتفاء الذي حظي به سلفه ترامب، كما عمدت السعودية إلى أن يكون الاستقبال في حدوده البروتوكولية.
حل الرئيس الأميركي، جو بايدن، ضيفاً على السعودية، التي وعد بتحويلها، في حملته الانتخابية، إلى مملكة منبوذة. وعود تبددت على أعتاب الحرب الروسية على أوكرانيا، وارتفاع أسعار النفط، ووصول معدلات التضخم العالمية إلى مستويات غير مسبوقة.
ظروف فرضت على الأميركي النزول من فوق الشجرة، بكل تواضع، لإعادة رسم العلاقة من جديد مع الرياض، ثاني أكبر مصدر للطاقة العالمية، طمعاً في زيادة إنتاج النفط. الزيارة سبقها العديد من الخطوات الأميركية، على رأسها زيارة قام بها مدير الاستخبارات الأميركية وليام بيرنز، وكانت التسريبات حينها تتحدث عن نتائج إيجابية.
تبعها لقاء جمع وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، بوزير الدفاع السعودي، خالد بن سلمان آل سعود، أكد خلاله الوزير الأميركي التزام بلاده الدائم بتعزيز دفاعات السعودية، كما نقل موقع "أكسيوس" أن اثنين من كبار مستشاري الرئيس جو بايدن وصلا إلى السعودية، في زيارة سرية؛ لإجراء محادثات حول اتفاق محتمل لزيادة إنتاج النفط.
وعلى الرغم من الخطوات الأميركية هذه، والتي مهدت للزيارة، بالإضافة إلى المحاولات الحثيثة لامتصاص حالة الاحتجاج الأميركي الداخلي، والجدل الذي ترافق مع الإعلان عنها، والذي دفع ببايدن إلى كتابة مقال يبرر فيه ويوضح أهمية هذه الخطوة، لم تخرج بنتائج يمكن وضعها على الطاولة الأميركية كإنجاز.
من ناحية الشكل، لم يحظَ بايدن بالاحتفاء الذي حظي به الرئيس السابق دونالد ترامب، وعمدت السعودية إلى أن يكون الاستقبال في حدوده البروتوكولية، وهذا بطبيعة الحال انعكاس للفتور الذي ساد العلاقة بين الطرفين منذ وصول بايدن إلى سدة الرئاسة.
لقاء القبضة
إشكاليات وشكليات سبقت الزيارة وطرحت التساؤلات، كيف سيصافح الرئيس الأميركي ولي العهد السعودي؟ إذ سربت إدارة بايدن أن الرئيس لن يصافح محمد بن سلمان، وسيستعيض عن ذلك بالقبضة، وهذا ما حصل. صافح بايدن الملك بيد مبسوطة، واستخدم القبضة خلال لقائه الأمير الشاب، غير أن ذلك لم يخرج عن كونه شكليات استعراضية لم تغير من واقع أن الرئيس الأميركي جلس، في نهاية المطاف، إلى طاولة واحدة مع متخذ القرار السعودي وحاكمها الفعلي ابن سلمان، لمناقشة الملفات ذات الاهتمام المشترك وليس مع الملك.
كما يبدو أن الأمير الشاب تحضر جيداً للحظة اللقاء، وتحضرت وسائل الإعلام لالتقاط الصورة والتوثيق، وفي الحقيقة، أن الرجل أجاد استثمارها لتبدو من موقع الند، القبضة بالقبضة، مسجلاً نقطة على الرئيس الأميركي. وفي هذا الصدد، يرى السعوديون أن ولي عهد مملكتهم سجل انتصاراً في معركته مع بايدن، فيما كتبت "نيويورك تايمز" أنه مجرد وصول بايدن إلى السعودية يعدّ ذلك بمنزلة "انتصار" لولي العهد السعودي. وهو كذلك بالنظر إلى كل الأجواء التي رافقت الزيارة.
أما من ناحية المضمون، فتبدو النتائج متواضعة، وإذا ما اعتبرنا أن بايدن قدم للمنطقة محملاً بملفين رئيسيين: تشكيل تحالف إقليمي لمواجهة إيران، ومعالجة أزمة الطاقة عبر زيادة الإنتاج، فإنه يمكن القول بوضوح إن بايدن عاد إلى بلاده خالي الوفاض.
لا تحالف إقليمياً ضد إيران
مشروع "الناتو العربي"، أو ما سمّي لاحقاً بـ"التحالف الشرق أوسطي" بغرض ضم "إسرائيل" إليه لمواجهة إيران لم يطرح حتى للنقاش. هذا المشروع جرى الحديث عنه، لأول مرة، من قبل الإدارة الأميركية، في فترة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، ثم تبنت الأردن هذا المشروع على لسان الملك عبد الله الثاني، الذي قال خلال مقابلة له مع "سي أن بي سي"، الشهر الماضي، إنه يدعم تشكيل تحالف عسكري في الشرق الأوسط، على غرار حلف شمال الأطلسي "الناتو"، على أن "يتم ذلك مع الدول التي لديها التفكير نفسه".
وكانت التوقعات بأن تتم مناقشة هذا الملف خلال قمة جدة، إلا أن المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، أنور قرقاش استبق القمة، مؤكداً أن بلاده "لن تكون جزءاً من محور ضد إيران"، موضحاً أن بلاده منفتحة على أي شيء يحميها، من دون أن يستهدف دولة ثالثة.
من جانبه، أكد وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، أن "قمة جدة لم تناقش بتاتاً التعاون العسكري أو التقني مع إسرائيل، ولم يطرح الموضوع لا في القمة ولا قبلها".
فيما أشار البعض إلى أن الرياض لم تبدِ حماسة للموضوع عندما طرح في الصالات المغلقة مع المسؤولين الأميركيين، خلال الاجتماعات التي استبقت الزيارة.
يبدو من ذلك، أن دول الخليج باتت تتجه أكثر نحو تصفير مشاكلها، بعيداً عن التصعيد، وقد تجلى ذلك من خلال إعادة رسم العلاقة مع تركيا، والتحاور مع إيران عبر الوسيط العراقي كما تفعل السعودية، والانفتاح الاقتصادي والدبلوماسي كما في التوجه الإماراتي.
ملف النفط بلا ضمانات
أما في ما يتعلق بملف النفط، فلم تحصل واشنطن على أي ضمانات سعودية بزيادة الإنتاج، وكل ما حملته التصريحات الأميركية لا يخرج عن كونه تطلعات بأن تستجيب الرياض لهذه الضغوط.
وعلى الرغم من أن ولي العهد السعودي أعلن أن بلاده بصدد زيادة مستوى طاقتها الإنتاجية النفطية إلى 13 مليون برميل يومياً بحلول عام 2027، وأنه ليس لديها أي قدرة إضافية للرفع بعد ذلك، لكن الشيطان يكمن في التفاصيل، فهل فعلاً سترفع المملكة من الإنتاج في المستقبل القريب؟ مسؤولون سعوديون يؤكدون أن أي قرار لضخ مزيد من النفط سيتخذ في إطار "أوبك+"، الذي سيعقد اجتماعه المقبل في 3 آب/أغسطس لاتخاذ القرار.
العلاقة مع روسيا والصين
وفي ملف آخر، يقول الرئيس الأميركي، بكل وضوح، إنه لن يسمح بترك فراغ في المنطقة تستغله الصين وروسيا، فيما تفتح السعودية الباب على مصراعيه للصين، وتبني علاقة بناءة أكثر مع روسيا، وتحافظ على توازن دقيق في العلاقة معها.
يقول وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودية، عادل الجبير، إنّ بلاده لا تفضّل الولايات المتحدة على الصين، مؤكداً أن "الصين أكبر شريك تجاري للسعودية".
ومما لا شك فيه أن الخليج لم يعد أسير السياسة الأميركية، وصار يبحث عن البدائل، وذلك في ظل غياب الثقة بالتزام واشنطن بأمنه، كما أن التشكيك في جدوى معادلة النفط مقابل الأمن صار يتسيد المشهد مؤخراً.
فيما يبقى ملف العلاقة بـ "إسرائيل"، ومقتل الصحافي جمال خاشقجي، بالإضافة إلى حرب اليمن، ملفات لم يقدم فيها الجانب الأميركي أي جديد.
ويأتي إعلان السعودية فتح أجوائها للدول كافة لتشمل "إسرائيل"، وذلك مع اقتراب موعد الزيارة، في سياق سياسة التطبيع التدريجي التي تنتهجها المملكة، كما أنه يأتي في سياق صفقة نقل السيادة على جزيرتي تيران وصنافير من مصر إلى السعودية، وأن التطبيع مع "إسرائيل" قادم لا محالة، من دون تدخل أميركي حتى، وهو أمر لم يعد خافياً، وقد قاله ولي العهد السعودي مباشرة، خلال مقابلة له مع صحيفة "أتلانتيك" الأميركية، في آذار/مارس الماضي، مؤكداً أن حكومة المملكة لا تنظر إلى "إسرائيل" باعتبارها عدواً، وإنما تعدها "حليفاً محتملاً".
إغلاق ملف خاشقجي
أما في ما يتعلق بملف الصحافي جمال خاشقجي، فيبدو أن الولايات المتحدة ضحت به لمصلحة الأولويات السياسية والتحديات العالمية. يقول الرئيس الأميركي إنه أبلغ ولي العهد السعودي بأنه يحمله المسؤولية عن مقتل خاشقجي، غير أن هذا الكلام يرى فيه البعض كلاماً للاستهلاك الإعلامي ليس إلا، ولا يخرج عن سياق لعبة التخفيف من الضغط والانتقادات الأميركية الداخلية لإدارة بايدن.
وفي ما يخص ملف اليمن، فالنتيجة لا تعدو عن كونها تكراراً للحديث عن مسألة تمديد وقف إطلاق النار، من دون ضغوط حقيقية لإنهاء الحرب.
في المحصلة، يمكن القول إن الفتور في العلاقة بين الرياض وواشنطن انعكس فشلاً في تحقيق الأهداف الأميركية من زيارة السعودية، كما انعكس نتائج ليست بمستوى زيارة رئيس أميركي للمنطقة، في أفول لنجم الإمبراطورية التي قادت العالم لعقود.
كما لا تبدو الطريق معبدة لإعادة العلاقة بين الطرفين إلى سابق عهدها، وسط حضور التوتر وغياب الكيمياء بين الرئيس الأميركي وولي العهد السعودي.
يبدو جلياً أن الخليج بات يبحث عن الخيارات والبدائل بعد أن استقرأ تراجع النفوذ الأميركي، وتنامي حضور قوى عالمية أخرى تدخل على خط المعادلة الدولية لرسم قواعد عالم متعدد الأقطاب، ومعادلات جديدة في العلاقات الدولية، إذ من المستبعد أن يضع الخليج بيضه كله في السلة الأميركية مجدداً.